البقالي يكتب: حصيلة المغرب في مواجهة جائحة كورونا .. الواقع والتحديات

نجيب البقالي

تميزت سياسة المغرب والحمد لله باتخاذ قرارات استباقية لمواجهة هذه الجائحة غير المسبوقة في تاريخ البشرية لكونها مست العالم بأسره، جعلت دولا عظمى في لحظة هشاشة صحية ومؤسساتية وسوء تقدير سياسي كبير لكيفية التعامل مع هذه الجائحة.

وبعد حوالي 20 يوما من إعلان حالة الطوارئ الصحية يحق لنا التساؤل حول حصيلة السياسات العمومية المتخذة لمواجهة هذه الجائحة و تقييم أولي لهذه السياسات؟

على المستوى التضامني :

أعلن جلالة الملك في بداية الأزمة إنشاء صندوق مواجهة جائحة كورونا بمبلغ 10 مليار درهم، وكان حفظه الله أول المساهمين وطنيا ودوليا ب2 مليار درهم، كما ساهمت عدد من الشركات والمحسنين وأعضاء الحكومة والبرلمان ومكاتب الجماعات الترابية، والأطر العليا للوزارات والمؤسسات العمومية وطيف واسع من الموظفين والمهن الحرة كمهنة المحاماة التي ساهمت ب 8.5 مليون درهم .

كما انخرطت بعض الفنادق ومؤسسات الأعمال الاجتماعية في التكفل بالأطقم الطبية للحد من نقل العدوى بين أفراد أسرهم.

وعبر المغاربة بمختلف مشاربهم عن حس تضامني عال ورائع أبانوا خلاله على تميزهم وتألقهم وحضارتهم ووحدتهم في مواجهة التحديات والازمات حتى أصبحوا مضربا للمثل عالميا، وقد تجاوز الصندوق اعلاه مبلغ 30 مليار درهم حاليا.

على المستوى الصحي :

_ اعلان حالة الطوارئ الصحية بمقتضى مرسوم بقانون ابتداء من تاريخ 20 مارس 2020 بشكل استباقي، علما ان عدد الإصابات لم تتجاوز 66 اصابة ، في حين أن دولا اخرى لم تعلن عن الطوارئ الصحية الا بعد تسجيل آلاف الاصابات ( فرنسا -اليابان- امريكا – ايطاليا…).

– تخصيص 2 مليار درهم لتأهيل القطاع الصحي من صندوق مواجهة الجائحة : تجهيز 3000سرير للانعاش، المستشفيات، شراء المعدات الطبية ولا سيما 100 الف لأخد العينات للكشف، أجهزة الاشعة، الادوية ومواد التعقيم وغيرها .

-انخراط الطب لعسكري بكل مكوناته في هذه الجائحة بأمر لجلالة الملك، وإنشائه لمستشفى خاص لذلك بسيدى سليمان .

– انشاء الجماعات الترابية للبيضاء لمستشفى ميداني بالمعرض الدولي بمبلغ 2.5 مليار درهم وطاقة استيعابية تقدر ب700 سرير على مساحة 2 هكتار وباستثمار لـ4.5 مليار درهم.

– انخراط القطاع الصحي الخاص بوضع عدد من المصحات والاطباء رهن اشارة الدولة.

– انخراط كافة مكونات قطاع الصحة في هذا المجهود الوطني بحس وطني عال وانخراط ايجابي منقطع النظير وهنا وجب التنويه والإشادة بمن هم في خط المواجهة مع الفيروس، من مهنيي الصحة، رجال السلطة، ورجال الأمن وكل جنود الخفاء…

– قرار بتحديد أسعار البيع القصوى للمطهرات الكحولية بالجملة والتقسيط لتجنب المضاربة والاحتكار .

– صدور قرار لوزارة الداخلية والصحة والاقتصاد والمالية والصناعة والتجارة في بلاغ مشترك بتاريخ 6/4/2020 بالزامية وضع الكمامات الواقية، وتحديد ثمنها بشكل مناسب في 80 سنتيم مدعم من طرف صندوق تدبير جائحة كرونا.

وذلك راجع لتطور الحالة الوبائية بالمغرب حيث ان 80% من الاصابات أصبحت محلية، وتجاوز المغرب الف اصابة، كما ان المعطيات العلمية للفيروس عرفت تطورا، ناهيك على أن منظمة الصحة العالمية أوصت مؤخرا بوضع الكمامات.

والأكثر من ذلك أن السيد رئيس النيابة العامة اعتبر في دورية له أن عدم وضع الكمامات جنحة يعاقب عليها بشهر الى ثلاثة أشهر وغرامة من 300 درهم الى 1300 درهم أو بهاتين العقوبتين طبقا لمرسوم بقانون اعلان حالة الطوارئ الصحية .

علاوة على عدد هام من الاجراءات الأخرى المتخذة من طرف مختلف مؤسسات الدولة : جلالة الملك والحكومة ووزارة الصحة خاصة وباقي الفاعلين.

على المستوى الاجتماعي :

خلفت الجائحة وخاصة اعلان حالة الطوارئ الصحية ولا سيما قرار ايقاف الدراسة وايقاف مزاولة عدد واسع من الانشطة الاقتصادية والمهنية، آثارا هامة على المستوى الاجتماعي : فقدان مناصب الشغل والمداخيل اليومية والشهرية لعدد واسع من المواطنين، الأمر الذي جعل الحكومة تعلن عن حزمة هامة من الاجراءات للحد من مخلفات الاثار الاجتماعية لتوقف عجلة الانتاج .

وهنا وجب ذكر بعض الاجراءات الهامة :

– تعويض الاجراء المشتغلين في القطاع المهيكل والمسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمبلغ 2000درهم شهريا .

– دعم اجتماعي لحوالي 4 مليون أسرة من القطاع غير المهيكل والمسجلين في نظام المساعدة الطبية راميد بحسب 800 دهم للاسر التي تتكون من شخصين و 1000درهم للأسر التي تتكون من اربعة أشخاص أو ثلاثة و 1200 درهم للأسر التي تتجاوز اربعة أفراد .

– كما تم الاعلان عن دعم الفئات الاجتماعية غير المسجلة في نظام الراميد.

– وشكل اعلان جلالة الملك باعفاء المكترين للمحلات التجارية والمهنية التي تعود ملكيتها لوزارة الاوقاف من اداء واجبات الكراء خلال فترة الحجر الصحي قرار ذا بعد إنساني كبير ورسالة لباقي المكرين باتخاذ نفس القرار.

– كما اعلنت وزارة الفلاحة عن توزيع 2.5 مليون قنطار من الشعير المدعم لصالح مربي الماشية في المناطق المتضررة من قلة التساقطات المطرية .

– تأجيل سداد قروض السكن و الاستهلاك لثلاثة أشهر.

-في حين اعلنت العدد من الجماعات الترابية (الجهات-العمالات والاقاليم-الجماعات ) عن برمجة قفف للمواد الغذائية عددها بالألاف بمختلف الجماعات، وإجراءات اجتماعية الاخرى: شراء لوحات الكترونية للتلاميذ، توزيع الكمامات …

كما أن المجتمع المدني والعديد من المتطوعين انخرطوا في عملية التحسيس بالمخاطر وتوزيع المواد الغذائية على المحتاجين، وكذلك الذين تطوعوا لتصنيع وتوزيع بعض المعدات الوقائية الطبية.

على المستوى الاقتصادي :

مما لا شك فيه أن الاقتصاد المغربي تضرر كثيرا من هذه الجائحة، حيث توقف كليا قطاع السياحة وتحويلات مغاربة العالم، وقطاع الخدمات، كما توقفت عدد من المهن الحرة والحرفية.

وسيكون لذلك أثر بالغ على المداخيل الضريبية وكذلك الاستثمارات والنفقات العمومية مما يهدد بأن المغرب سيواجه سنة صعبة جدا اقتصاديا وماليا .

لكن المغرب فضل حماية صحة مواطنيه على الجانب الاقتصادي، كما أن الاجراءات الاستباقية من شأنها الحد من التداعيات والخسائر الاقتصادية والمالية، عن طريق الحد من انتشار الفيروس وضحاياه بين المواطنين و مدة الأزمة.

وفي هذا الإطار أعدت الحكومة مرسوم بقانون لاستخدام خط الوقاية والسيولة لصندوق النقد الدولي بسحب مبلغ 3 ملايير دولار قابلة للسداد على مدى 5سنوات للتخفيف من تأثيرات هذه الأزمة على اقتصادنا والحفاظ على احتياطاتنا مت العملة الصعبة في مستويات مريحة.

وقد صوتت لجنة المالية بشبه إجماع اللهم الا الصوت الذي غرد خارج السرب بامتهانه البوز، حيث كان سلوكه شاذا عندما صوت ضد منح الحكومة هذه الصلاحية.

معالم يتعين تثمينها :

غير أن الأزمة بينت وأوضحت العناصر الايجابية للاجتماع المغربي ومكامن قوتها :

– مركزية الدولة والقطاع العام في مواجهة التحديات ومحدودية الرهان على الليبرالية والقطاع الخاص في ذلك .

– الدور الهام للمؤسسة الملكية وقيادتها للإصلاحات ومواجهة التحديات والأزمات.

– متانة البناء المؤسساتي للمغرب (السلط الثلاثة والبناء الاداري) على مستوى وضع السياسات العمومية والتخطيط والبرمجة والتنفيذ وأن الديمقراطية الناشئة بالمغرب رغم حداثتها إلا أن أثارها هامة جدا .

– الدور الهام والمركزي للبرلمان كسلطة تشريعية وممثل للأمة الذي واكب تشريعيا عملية مكافحة الوباء وفي أقصى سرعة وقدم مقترحات هامة بلجنة المالية أخذت الحكومة بأغلبها.

– الروح الوطنية والتضامنية للمغاربة قاطبة التي ساهمت في التخفيف من حدة الأزمة وتداعياتها الاجتماعية والصحية.

– ارتفاع منسوب الثقة في المؤسسات والصلح مع القرارات والسياسات المعلن عنها رغم ما عرف عن المغاربة من حس انتقادي .

تحديات يتعين رفعها :

رغم أهمية السياسات المتخذة و الاجراءات المعلن عنها إلا أن هذه الأزمة يجب أن تساهم في إعادة بوصلة الاصلاحات والأولويات والنموذج التنموي الجديد للمغرب :

– الأزمة فرصة لبناء دولة الحماية الاجتماعية من خلال إنهاء زمن الفئات الفقيرة والهشة ببلادنا من خلال الدعم الاجتماعي المالي المباشر وإخراج السجل الاجتماعي ومواصلة إصلاح صندوق المقاصة وتعميم التغطية الصحية لكافة المواطنين و جعل الصحة والتعليم العموميين أولوية وطنية مع رصد الموارد المالية اللازمة.

– رفع ميزانية البحث العلمي والاهتمام به وتشجيع الباحثين المغاربة واستيعاب الباحثين من مغاربة العالم.

– أهمية الاهتمام بالقطاعات التي تحقق الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي .

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.