يتيم يكتب: التحول الرقمي بالمغرب.. هل تعجل جائحة كورونا باستكمال إنجازه(1)؟

محمد يتيم

مدخل

مع جائحة كورونا “كوفيد 19″، كانت الوسائل الرقمية ملاذا للتخفيف من بعض آثارها، كما أعادت الجائحة مسألة التحول الرقمي إلى الواجهة، حيث، كشفت كم من الجهد يمكن اختصاره وكم من الوقت يمكن ربحه، ومن الفاعلية والمردودية يمكن تطويرهما باعتماد التحول الرقمي، غير أنه  إذا كان اللجوء الاضطراري إلى بعض الآليات الرقمية قسريا ومحدودا زمانا ومكانا، فإن ذلك اللجوء الظرفي شيء، وإحداث تحول رقمي شيء ثاني، ومن ثم أصبح من اللازم أن تعكف بلادنا على تفعيل طموح “المغرب الرقمي” وأن يكون هذا التحول دعامة من دعامات النموذج التنموي الجديد ، فهذا التحول لم يصبح من الأولويات في يوم، في جدول أعمال دولتنا ومجتمعنا، كما هو عليه اليوم.

وبالنظر إلى حجم، المسألة وتفرعاتها، فإننا سنكتفي برصد بعض تجارب التحول الرقمي في المغرب، مع التركيز في مقال لاحق على التحول الرقمي في مجال التربية والتكوين لأهميته وأولويته، باعتباره استثمارا في الإنسان وتأهيلا للأجيال الجديدة لتعيش وتسهم في التحول الرقمي، وباعتباره أحد أهم المداخل لتحقيق الولوج المتساوي للحق في التربية والتكوين، باعتباره حقا دستوريا .

الثورة الرقمية أو الثورة الصناعية الثالثة

التحول الرقمي، عنوان بارز للموجة الثالثة من الثورة الصناعية الثالثة، وهو تحول عميق ستكون له تداعيات تختلف عن كل التداعيات التي عرفتها الثورات الصناعية السابقة  بعد تورثين أي الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا في أواخر القرن الثامن العشر مع دخول المكننة في صناعة النسيج، والتي ولد نتيجتها المصنع الأول في مغزلٍ للقطن، بديلا عن الأعمال اليدوية التي كانت توزع على النساء في المنازل ليقمن بأعمال حياكة في منازلهن، وليتم الانتقال من الإنتاج الفردي إلى إنتاح جماعي، أما الثورة الصناعية الثانية فظهرت في أوائل القرن العشرين مع ظهور خط الإنتاج المتحرك والذي بشّر وقتها ببداية مع فورد عصر الإنتاج الشامل ذي الكميات الضخمة(Mass Production). 

الثورتان السابقتان قدمتا نقلات نوعية في التطور الاقتصادي والاجتماعي وفي مسار الإنتاج بشكل غير مسبوق وأسهمت في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للناس.

لكن الثورة الصناعية الثالثة أي الثورة الصناعية الرقمية ، ستكون لها نتائج وأثار أعمق، وقد جاءت جائحة كورونا لتثبت أن التحول الرقمي ليس ترفا فكريا خاصا بالأكاديميين بل هو ضرورة آنية، فالجائحة خلقت الشرط الاجتماعي والثقافي اللازم للدخول الجماعي إلى عصر الثورة الصناعية الثالثة، ويتعين أن يكون ما بعد كورونا هو عهد التحول الرقمي الكامل بالنسبة لبلادنا، وأن يكون من الدعامات الأساسية للنموذج التنموي المنشود .

المغرب والتحول الرقمي

وضعت الحكومة المغربية استراتيجية تهدف إلى تحقيق التحول الرقمي في جميع المجالات، ومنها تطوير الإدارة وتسهيل التواصل مع المواطنين، وتبسيط المساطر وتسريع تنمية الاقتصاد الرقمي، وتحسين جودة حياة المقاولة وتسهيل الاستثمار بتوفير بيئة رقمية مناسبة، وتحسين منافسة الاقتصاد الوطني وفاعلية قطاعاته والرفع من مردوديتها.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن وكالة التنمية الرقمية كانت قد عقدت أول اجتماع لمجلسها الإداري بالرباط تحت رئاسة سعد الدين العثماني مطلع عام 2019. وكان السيد رئيس الحكومة قد حدد الخطوط العريضة لبرنامجها والمتمثلة في تحقيق الحكومة الرقمية من خلال مجموعة من التدابير منها :

– وضع منصة للتبادل بين الإدارات والتعامل السلس فيما بينها بما يسهل رقمنة مسار تأسيس مقاولة جديدة، ومسار الاستيراد والتصدير.

– وضع بوابة موحدة للمواطن تمركز كل الإجراءات الإدارية الحالية والمستقبلية 

– بناء منظومة رقمية للابتكار من خلال وضع منصة  رقمية ومنظومة متكاملة من التدابير اللازمة لرقمنة المقاولات الصغرى والمتوسطة، المقاول الذاتي الرقمي، وعدد من الأنشطة الداعمة للمقاولات الناشئة.

– التركيز على المجال الاجتماعي والتنمية البشرية أو التنمية الاجتماعية الدامجة من خلال وضع منصة للتطبيقات موجهة للشباب. 

– برنامج للبحث في موضوع الذكاء الصناعي موجه للاستخدامات القطاعية  بهدف التنسيق حول موضوع البحث المطلوب اجراؤه من قبل المقاولات المبدعة او المقاولات المبتكرة والمؤسسات العمومية أو الخاصة للتكوين.

– إطلاق أول مركز رقمي تفاعلي بالمملكة المغربية موجه للتربية والأعمال، الهدف الرئيسي من إطلاق هذا المركز يتمثل في إدماج التكنولوجيا والحلول المساعدة، لنقل ناجع للعلم في ميداني التربية والأعمال.

هذا المركز الرقمي التفاعلي الجديد، الذي تحتضنه جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بمدينة “بن جرير”، يعمل على توفير التكنولوجيا والحلول والتطبيقات المتصلة بالواقعية الافتراضية المعززة اللازمة للتحول الرقمي المتنامي في القطاعات الأكاديمية والصناعية والتربية والتكوين المهني.

كما أن هذا المركز الرقمي، سيصبح أولى دعامات التربية الرقمية بالمغرب التي تسعى الى تنمية الابتكار وتطوير النظم الصناعية و تحسين نتائج الشباب المغاربة، رواد التغيير في المستقبل والابتكار بشراكة مع عدد من المتدخلين،  حيث يعمل على صياغة  حلول ثلاثية الأبعاد داخل الجامعات والمدارس ومعاهد التكوين المهني، بالإضافة إلى الفضاء المهني، مما سيسهم في نقل المعارف في شتى ميادين التربية الرقمية.

ومن خلال هذه التجربة الفريدة من نوعها على صعيد منطقة شمال إفريقيا، يطمح المغرب إلى إرساء الحلول المتصلة بنقل المعارف بتكلفة معقولة لتطوير الكفاءات بهدف محاربة البطالة لدى الشباب وتشجيع المبادرات المقاولاتية.

كما سيمكن المركز من إرساء وتوطيد عروض التكوين في ما يتصل بالمجال الرقمي، واعتماد صيغ جديدة للتعلم الدامجة للواقعية الافتراضية والمعززة في الممارسات البيداغوجية. كما سيوفر المهارات اللازمة لتأهيل اليد العاملة المتخصصة في مهن المستقبل.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يتوفر على مؤهلات كبيرة لتحقيق تحول رقمي كامل، خاصة من حيث البنية  التحتية  التي مكنت من نسبة ولوج وصلت 130 في المائة من المواطنين لشبكة الاتصال على الرغم من التفاوتات المجالية كميا وكيفيا .

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.