صدقي يكتب: تمرين “كورونا” واستشراف مستقبل السياسات البيئية

يصادف احتفال العالم بيوم الأرض لهذه السنة (22 أبريل 2020) أوج وذروة انتشار جائحة كورونا التي تجتاح الكوكب ويئن ويرزح تحت وطأتها الإنسان، بينما في المقابل بدأت باقي الكائنات ومكونات الطبيعة كأنها تعانق وتلامس الخلاص.

سيشهد هذا اليوم الدولي في هذه السنة على انقلاب حقيقي في وضعية المعادلة بين طرفها الاول المتمثل في الانسان وطرفها الثاني المتمثل من باقي الكائنات وعناصر الطبيعة، انقلاب وضع تم إقراره بإصرار وشراسة منذ لحظة الثورة الصناعية وتكرس بمرور العقود حتى ترسخ فتكه وبطشه بشدة في الحقبة الأخيرة.

من حسن حظنا في هذه اللحظات ونحن نتقلب بألم تحت زحمة الأخبار السيئة والمفزعة أن تأتينا أخبار مفرحة ومبشرة من بين أحضان البيئة والطبيعة، أو حين نسمع بمستجدات سرعة تراجع ثقب الأوزون وبتحسن كبير لمؤشرات جودة الهواء في كل المدن والجهات في بلادنا مثلا وفق التقارير الوطنية وفي مختلف كبريات مدن العالم وفق التقارير الدولية، حتى أصبحت ترد علينا صور رائعة للقمر من مدن الضباب والدخان وتأتينا صور واضحة لقمم جبال الهملايا تلتقط  على بعد 200 كلم منها.

تقارير علمية عديدة تشير في نفس الاتجاه الى تراجع مختلف مؤشرات التغير المناخي وتحقق ما عجزت عن تحقيقه كل اجراءات وتدابير العالم المنصوص عليها في المئات إن لم أقل الآلاف من الاتفاقيات والمواثيق والبرتوكولات الدولية مع ما تم تسخيره من امكانيات وميزانيات وجهود لتفعيلها.

تمرين “كورونا” سيمكن بالفعل من أكبر تجريب عملي يتم على الكوكب يستحيل على الانسان انجازه في الظروف المعتادة أو تطبيقه في المختبرات وسيتيح لخبراء الأرض ولواضعي السياسات العمومية  إمكانية :

– معرفة حقيقة العلاقة بين أنشطة وأفعال الانسان والتأثيرات والأضرار التي تلحق بالطبيعة والبيئة.

– تقييم نجاعة ووجاهة السياسات والتدابير الموجهة لمعالجة الاشكالات البيئية سواء على المستويات الوطنية او الدولية.

– استشراف جديد وفق ذلك لأفق وطبيعة وأنماط هذه السياسات التي ينبغي إقرارها لعصر ما بعد كورونا.

– إعادة النظر عموما في علاقة الانسان بالبيئة وطبيعة الفلسفة التي ينبغي أن تؤسس عليها.

    على صعيد بلادنا فهذا التمرين جاء بعد قطع أشواط كبيرة في مجال السياسة البيئية وتدبير الموارد الطبيعية وفي لحظة مناسبة لإجراء التقييمات اللازمة بشأنها خصوصا بالموازاة مع التوجه نحو اقرار نموذج تنموي جديد، مما يفرض حسن استثمار كل المعطيات مما افرزته لحظة كورونا لاستشراف انطلاقة جديدة لما بعدها وحتى تبقي بلادنا دائما متميزة وضمن المقدمة في هذا المجال .

     تمرين “كورونا” يجسد لحظة كونية تترجم حدوث تدخل دقيق لآليات الضبط الذاتي للطبيعة والتي تندرج ضمن القوانين والنواميس التي أودعها  الله سبحان وتعالى في الكون ، والتي تتدخل حين يحدث اختلال في الموازين ويطغى مكون في الطبيعة على باقي المكونات وتعمل بآلية إيقاف المعتدي عند حده لعله يعود عن أفعاله بعد ذلك، أو ما يجسده القرآن الكريم في قوله تعالى: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ   “.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.