هل يتحمل الاقتصاد الوطني تداعيات “كورونا” بعد تمديد حالة الطوارئ؟

خالد فاتيحي

يُواجه الاقتصاد الوطني، كغيره من اقتصاديات العالم، تحديات غير مسبوقة، بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث يتوقع أن يزيد تمديد الحجر الصحي، الذي أقره المغرب، من التأثير على جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والمالية، نظرا لتوقف الإنتاج في جزء كبير منه، وتوقف الاستهلاك باستثناء المواد الأساسية والحيوية للمعيش اليومي للمواطنين.

ومن أجل التخفيف، من انعكاسات هذا الوباء المنتشر في العالم، فقد أخذ المغرب زمام المبادرة، عكستها مجموعة من التدابير الاستباقية، من بينها إنشاء الصندوق الخاص بتدبير هذه الجائحة، فضلا عن إقرار تدابير حكومية، لدعم الفئات المتضررة من توقف الآلة الإنتاجية وتجميد عدد من الأنشطة الاقتصادية والمهنية.

سيناريوهات وفرضيات

وحول قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة الصدمات الناتجة عن تمديد فترة الحجر الصحي،  أكد المحلل الاقتصادي والباحث في المالية العامة عبد اللطيف بروحو، أن الحكومة تتوفر على سيناريوهات وفرضيات توقعية لهذه الخسائر المحتملة للاقتصاد الوطني، خاصة وأن الأولوية ستصبح مرتكزة منذ الآن على آليات الخروج الآمن من الحجر الصحي، وعلى إعادة الحياة الاقتصادية تدريجيا لوضعها الطبيعي.

واعتبر بروحو، في حديثه لـ”pjd.ma ”  أن “تمديد الحجر الصحي لشهر آخر، يعتبر قرارا صائبا ومبرّرا من الناحية العملية، حفاظا على الصحة العامة وسلامة المواطنين، رغم أن الاقتصاد الوطني سيكون في مواجهة صعوبات إضافية، وهو ما يفيد بأن المغرب وفيّ لنهجه القاضي بتفضيل مواطنيه على اقتصاده.

وأبرز أن استمرارية القطاع الفلاحي يمثل بالمقابل ضمانا حقيقيا للأمن الغذائي للمملكة في هذه الظرفية الحرجة التي تعيشها المملكة، مبينا أن الاستمرار الجزئي للتجارة الداخلية وقطاع التجارة الخارجية والذي يكاد ينحصر في المنتجات المرتبطة بالحاجيات الأساسية، يسمح بتأمين تزويد الأسواق بمختلف المنتجات الأساسية، وخاصة المواد البترولية والغذائية والطبية.

الوضعية الاقتصادية

وبخصوص الوضعية الاقتصادية الحالية، سجل المحلل الاقتصادي ذاته، أن المغرب عرف توقفا تاما لمعظم القطاعات الاقتصادية، واشتغالا جزئيا لقطاعات مهنية واسعة، وهو ما يعتبر توقفا للدورة الاقتصادية التي ترتبط تلقائيا بمناصب الشغل وبإنتاج الثروة والقيمة المضافة وبالموارد المالية للدولة.

وأضاف أن توقف معظم مفاصل الآلتين الإنتاجية والاستهلاكية، وتوقف التصدير والاستيراد بشكل كبير، إلى جانب قطاع السياحة، سيؤدي لمراجعة عميقة، ليس فقط للتكاليف العمومية كما ورد في رسالة رئيس الحكومة، وإنما بشكل أكبر لتقديرات الموارد العمومية التي قد تنخفض لنسبة لا تقل عن 20 في المائة.

وأكد المتحدث ذاته، أن التأثير الأخطر يكمن في توقف النشاط الصناعي، باستثناء مجالات محدودة، حيث أشار إلى أن توقف هذا القطاع يؤثر بشكل سلبي على جميع المجالات الأخرى، سواء تعلق الأمر بفقدان مؤقت لمناصب الشغل، أو فقدان القدرة الشرائية، أو لتوقف الأداة الإنتاجية والاستهلاكية، وصولا للتأثير المباشر على الموارد المالية للدولة سواء للسنة الحالية أو خلال السنة المقبلة.

تغييرات مالية

وعلى هذا الأساس، أكد عضو لجنة المالية بمجلس النواب، أنه يرتقب أن تتضرر المالية العمومية بشكل كبير، من توقف القطاعات الكبرى للاقتصاد الوطني، خاصة بعد تمديد الحجر الصحي شهرا آخر، مسجلا أن الموارد العادية للمملكة جبائية بالدرجة الأولى، وموارد الضرائب تمثل أزيد من 95 في المائة، من موارد الميزانية، مما سيؤدي إلى انخفاض جزئي في الموارد العمومية أيضا.

وتبعا لهذه الوضعية وللمعطيات الاقتصادية والمالية، التي يمكن أن تتغير جذريا بالمقارنة مع مجموع تقديرات موارد وتحملات قانون المالية لسنة 2020، أكد بروحو، أن “الحاجة تبدو ملحة لتقديم مشروع قانون مالي تعديلي في أفق شهر يوليوز المقبل، بالنظر لحجم المتغيرات التي سيشهدها الاقتصاد الوطني، ونرجو من الله تعالى ألا تطول مدة الحجر الصحي أكثر من ذلك”.

وأوضح أن الفرضيات التي تأسس عليها قانون المالية 2020، ستعرف “تغيرا جذريا”، ولا يمكن بالتالي تحقيق نسبة النمو الاقتصادي التي توقعها، نظرا لتوقف الأنشطة الاقتصادية الرئيسية، مضيفا أن “القطاعات الاقتصادية لن تستطيع الوفاء بسهولة بالتزاماتها الضريبية لهذه السنة وللسنة المقبلة على حد سواء نظرا لتضررها من هذا التوقف”.

وسجل الباحث في المالية العامة، أن “تمديد الحجر الصحي سيعمق صعوبة تحقيق الموارد العمومية المتوقعة في قانون المالية لسنة 2020، نظرا للوضعية الصعبة للمقاولات ولتوقف الانتاج والاستهلاك ومعظم عمليات التصدير والاستيراد”.

ما بعد كورونا

وإذا كانت الأولوية القصوى، تنصرف  الآن، إلى الحد من انتشار تفشي فيروس كورونا، بعد تمديد الحجر الصحي، فإن الأولوية بعد ذلك، ستصبح مرتكزة على إعادة الحياة الاقتصادية تدريجيا لوضعها الطبيعي، وذلك بالموازاة مع معالجة الآثار على هذه القطاعات الاقتصادية.

وفي هذا الصدد، أكد بروحو، أن المملكة المغربية، أثبتت قوتها وفعاليتها في مواجهة المخاطر الكبرى التي تهددها، وهو ما أعاد ثقة المواطنين بشكل كبير في مؤسساتها الدستورية، مبرزا أنه “تم الوقوف على وعي جماعي حقيقي لدى المواطنين بالرغم من بعض الاستثناءات القليلة”.

وسجل أن المغرب، أثبت “توفره على مناعة مؤسساتية ومجتمعية حقيقية لم نكن نستشعر قيمتها من قبل”، مردفا أنه “بالتالي سنحتاج لتعبئة عامة أخرى بعد انحسار هذه الجائحة لمعالجة آثارها ولضمان مناعة اجتماعية واقتصادية ومالية بعدها”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.