هل أخطأ مجلس النواب في تفويض التصويت؟

طرحت جلسة التصويت بمجلس النواب على مشروع القانون المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، إشكالية قانونية تتعلق بمدى دستورية احتساب أصوات النواب غير الحاضرين للجلسة لتمرير مشروع القانون، كما فتحت نقاشا واسعا بخصوص الحلول الممكنة لضمان مشاركة النواب في مناقشة مشاريع القوانين والمصادقة عليها في ظل حالة الحجر الصحي القائمة ببلادنا وهنا يطرح السؤال هل أخطأ مجلس النواب في تفويض التصويت؟.

لا يمكن تفويض التصويت

قال محمد غزالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حديثه لـ “مجلة العدالة والتنمية” في عددها السابع الصادر نهاية الأسبوع الماضي، إن الدستور لم ينص على عدد الحضور المطلوب في جلسات البرلمان أو عدد النواب المساهمين في العمل الرقابي، موضحا أنه يمكن الاستمرار في اعتماد عدد مقلص من الحضور في التصويت لكن باحتساب عدد المصوتين الفعليين الحاضرين فقط دون أن يتم احتساب أصوات الغائبين وذلك تحت طائلة عدم دستورية التصويت.

وهذا ما ذهب إليه أيضا مصطفى إبراهيمي، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، والذي أكد أنّ التصويت حق شخصي لكل برلماني ولا يمكن تفويضه لآخرين.

وأضاف ابراهيمي، في تصريح لـ”مجلة العدالة والتنمية”، أن كل برلماني يصوت يمثل نفسه ولا ينوب عن فريقه النيابي أو مجموعته النيابية، مبينا أنه لا يمكن احتساب صوت نائب برلماني لم يحضر الجلسة أو لم يشارك في التصويت بشكل مباشر، فهذا غير دستوري، على حد تعبيره.

وفي نفس السياق، أكد غزالي، أنّ الفصل 60 من دستور المملكة واضح في هذا الباب، وينص على أن أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة، وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه، وبالتالي، يتابع المتحدث ذاته، فإن البرلمانيين لا يمكنهم التنازل عن إسهامهم في التصويت تحت أي ظرف من الظروف.

الحلول البديلة

قال غزالي، إنّ النص الدستوري منع “تفويض” الحق في التصويت ولم يمنع صراحة التعبير عن الصوت بطريقة أو بأخرى، معتبرا أنه من هذا المنطلق، يمكن اللجوء إلى اعتماد التصويت الالكتروني عن بعد.

وذكر الأستاذ الجامعي، أن العديد من التشريعات المقارنة أوكلت لمكاتب مجالسها التشريعية تحديد طرق وإجراءات التصويت، ومنها النظام الداخلي للجمعية الوطنية الفرنسية الذي فوض في المادة 66 تحديد إجراءات التصويت الالكتروني وتفويض التصويت لمكتب الجمعية، ونفس المنحى ذهب إليه البرلمان التونسي حيث أصدر قرارا من الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب يتعلق بإقرار إجراءات استثنائية لعمل مجلس نواب الشعب تعطي الإمكانية لمكتب المجلس السماح بأن يعقد الجلسة العامة خلال فترة الحجر الصحي عن بعد، بما في ذلك إمكانية التصويت عن بعد، باعتماد التطبيقات الالكترونية، وبما يسمح بالجزم باختيار كل مصوت.

وبناء على ذلك، يوضح غزالي، أن اللجوء إلى التصويت الالكتروني عن بعد يمكن تنظيمه وتقنينه بقرار لمكتب المجلس، خاصة وأن النظام الداخلي لمجلس النواب يعتمد نظام التصويت الالكتروني حيث ينص في المادة 157 على أن التصويت يكون علنيا برفع اليد أو بواسطة الجهاز الالكتروني المعد لذلك، غير أن التصويت يكون سريا إذا تعلق الأمر بتعيينات شخصية.

وعن إمكانية تحقق هذا الخيار، قال إبراهيمي، إنّ مجلس النواب في طور البحث عن آلية لتمكين النواب من حقهم في مناقشة مشاريع القوانين والتصويت عليها عن بعد، سواء تعلق الأمر بالتصويت خلال أشغال اللجان أو خلال الجلسات التشريعية العامة.

تجربة المستشارين

هذا وتوقف غزالي، عند تجربة الغرفة الثانية في هذا الموضوع، حيث أوضح أن مجلس المستشارين قام باعتماد عملية التصويت الإلكتروني عن بعد لأول مرة يوم 12 ماي 2020 بمناسبة الدراسة والتصويت على مشروع قانون رقم 23.20،  معتبرا أنّ هذا النموذج يمكن تعميمه على أشغال اللجان البرلمانية، على أن يتم بعد انتهاء فترة الحجر الصحي العمل على تعديل النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان بشكل يرسم عملية التصويت عن بعد ويحيطها بالضمانات التقنية والمسطرية والقانونية اللازمة.

وكان فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، قد جدد طلبه من أجل ضمان حضور أكبر في الجلسات العمومية واجتماعات اللجان الدائمة للمجلس، وإعمال المبدأ الدستوري المتعلق بالتمثيل النسبي، والعمل على توظيف التقنيات الحديثة في الحضور والمشاركة المباشرة لكل نواب الأمة في هذه الاجتماعات والجلسات عن بعد.

كما دعا فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب في بلاغ له، إلى المحافظة على كافة حقوق ممثلي الأمة سواء في طرح الأسئلة او التعقيب، ومناقشة النصوص القانونية الجاهزة وتعديلها، وكذا ممارسة حقهم في التصويت عليها في الحالات التي تستوجب ذلك باعتباره حقا دستوريا شخصيا لا يمكن تفويضه.

وذكر البلاغ، في السياق ذاته، بانخراط الفريق في التدابير الاحترازية والوقائية التي أقدم عليها مجلس النواب لضمان استمرارية عمل المؤسسة البرلمانية في أداء المهام المنوطة بها في التشريع والمراقبة، وتقديم الحلول والبدائل لمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.