حوار.. الرجواني: تمديد الحجر الصحي يشكل تحديا للدولة والمجتمع

قال عصام الرجواني، باحث في علم الاجتماع، إن قرار تمديد الحجر الصحي لم يشكل مفاجأة بالنسبة لعموم المواطنين بل كان أمرا متوقعا، خاصة بالنظر لعدم استقرار الوضعية الوبائية ببلادنا، وبالنظر للاستراتيجية التواصلية المتبعة من قبل وزارة الصحة.

وأضاف الرجواني، في حوار لـ “مجلة العدالة والتنمية” في عددها الصادر نهاية الأسبوع المنصرم، أنه، ومع تنامي مدة الحجر الصحي إلى جانب حجم التداعيات التي خلفها خاصة في الجانب الاقتصادي، تحول الحجر الصحي إلى تحدي كبير بالنسبة للدولة والمجتمع، خاصة في سياق وجود عوامل اختطار اقتصادية واجتماعية ونفسية تمس فئات واسعة من الأسر المغربية.

وأكد الباحث في علم الاجتماع، أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة للغاية، وهو وضع ينبغي الاستعداد له من الآن بجدية ومسؤولية حتى نجنب بلدنا الأسوأ، مردفا “وهنا على الدولة التفكير بوعي مركب في التعاطي مع هذه التحديات”.

وهذا نص الحوار كاملا:

ما تداعيات تمديد الحجر الصحي لمدة ثلاثة أسابيع إضافية على المجتمع؟

يجب الإقرار بأن قرار التمديد لم يشكل مفاجأة بالنسبة لعموم المواطنين بل كان أمرا متوقعا، خاصة بالنظر لعدم استقرار الوضعية الوبائية ببلادنا، فالاستراتيجية التواصلية المتبعة من قبل وزارة الصحة عملت منذ البداية على إمداد الرأي العام بتطورات الوضعية الوبائية باستمرار عبر ندوات صحفية راتبة وبشكل يومي، وهو الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تهيئة الرأي العام لقرار التمديد، لكن ظل التطلع مرتبطا أساسا ببعض حيثيات التمديد مثل مدة التمديد واستراتيجية الحكومة في مباشرة رفع الحجر الصحي وهل سيكون هناك تخفيف تدريجي لبعض إجراءات الحجر الصحي. وبالتالي لا يمكن الحديث بشكل خاص حول تداعيات تمديد الحجر الصحي، بل ينبغي الحديث عن تداعيات الحجر الصحي نفسه، وهي تداعيات متعددة الأبعاد سواء على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الاجتماعي أو على المستوى النفسي.

ومن الجيد أن نستعين هنا بنتائج الدراسة التي نشرتها المندوبية السامية للتخطيط خلال هذا الأسبوع والتي تهم “تأثير فيروس كورونا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للأسر”، حيث حملت هذه الدراسة عددا من النتائج الكمية التي ينبغي أن تشكل أرضية للتفكير في تحديات المرحلة المقبلة، ويكفي أن نشير إلى بعض هذه المؤشرات: 34% من الأسر المغربية لم يعد لها أي مصدر للدخل بسبب توقف أنشطتها خلال الحجر الصحي، وهي نسبة تصل إلى 44% بالنسبة للأسر الفقيرة و42% بالنسبة للأسر التي تعيش في مساكن عشوائية.

بالإضافة إلى ذلك نجد بأن الحجر الصحي يعيق الوصول للخدمات الصحية حيث كشفت دراسة المندوبية بأن حوالي نصف الأسر تقريبا والتي يعاني فرد واحد أو أكثر من أفرادها من أمراض مزمنة لم يستطيعوا الحصول على الخدمات الصحية وهي كتلة تمثل حوالي 30% من مجموع الأسر المغربية، ناهيك عن التداعيات النفسية للحجر الصحي حيث أبرزت نفس الدراسة بأن الشعور بالقلق هو أهم أثر نفسي للحجر الصحي بالنسبة لحوالي نصف الأسر المغربية.

كل هذه المؤشرات ينبغي استحضارها في علاقتها بمتغيرات أخرى هامة مثل حجم الأسر وظروف السكن والوضعية الاقتصادية لأرباب الأسر والفروق بين العالم القروي والعالم الحضري.

كيف يمكن التأقلم والتكيف مع طول مدة الحجر الصحي؟

لقد شكلت في البداية حالة الذعر والهلع التي خلقها انتشار فيروس كورونا عبر العالم بشكل عام وآثاره المدمرة في بلدان الجوار الأوروبي بشكل خاص إطارا لإقناع الناس بضرورة الالتزام بالحجر الصحي في المغرب، لكن مع تنامي مدة الحجر الصحي إلى جانب حجم التداعيات التي خلفها خاصة في الجانب الاقتصادي، تحول الحجر الصحي إلى تحدي كبير بالنسبة للدولة والمجتمع، خاصة في سياق وجود عوامل اختطار اقتصادية واجتماعية ونفسية تمس فئات واسعة من الأسر المغربية، ولذلك فالحديث عن قدرات المجتمع للتكيف مع طول مدة الحجر الصحي، ينبغي أن يستحضر بأن المدة التي قضاها المغرب في الحجر الصحي إلى حدود اللحظة ليست بالشيء الهين، كما لا ينبغي الرهان أكثر على صبر المجتمع وحده خاصة في ظل هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة. ولذلك ينبغي القول بأن التطبيق الصارم لمقتضيات الحجر الصحي يشكل مطلبا ملحا اليوم من أجل الحد من انتشار الفيروس، فالأسر المغربية نفسها وبقدر معاناتها من جراء الحجر الصحي فإن حوالي 86% منها ترى بأن الصرامة في تطبيق الحجر الصحي من التدابير الضرورية للحد من انتشار الجائحة بحسب نتائج دراسة المندوبية السامية للتخطيط، خاصة وأن الفترة الأخيرة قد شهدت تنامي بؤر صناعية وأخرى في بعض المؤسسات كالسجون والثكنات العسكرية.

ما الحلول التي تقترحونها للتخفيف من انعكاسات الأزمة على المجتمع؟

أعتقد بأن المرحلة المقبلة ستكون صعبة للغاية، فجميع المؤشرات الحالية تنبئ بانفجار احتجاجي غير مسبوق ببلادنا في مرحلة ما بعد الحجر الصحي، وهو وضع ينبغي الاستعداد له من الآن بجدية ومسؤولية حتى نجنب بلدنا الأسوأ، وهنا على الدولة التفكير بوعي مركب في التعاطي مع هذه التحديات، فالمدخل الاقتصادي أمر مطلوب ومهم لكن لا يمكن به وحده مواجهة آثار هذه الجائحة، وذلك بالنظر إلى عدد من الاعتبارات الموضوعية منها أساسا محدودية موارد الدولة وحجم الضرر الذي طال الاقتصاد الوطني والذي لم تظهر بعد كافة تجلياته الواقعية.

لذلك ينبغي استحضار المدخل السياسي من خلال التركيز على تعزيز منسوب ثقة الناس في المؤسسات، ومباشرة إصلاحات هيكلية ذات أثر مباشر في حياة الناس عبر إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم والتشغيل، وتقوية حضور الفاعل الحزبي في تأطير الحياة السياسية، وتعزيز روح التضامن الوطني ورفع القيود عن مبادرات المجتمع المدني الجاد.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.