هل يمكن الاستغناء عن الأحزاب السياسية المغربية؟

عبد المجيد أسحنون

عانت الأحزاب السياسية المغربية من حملات تبخيس كثيرة خلال السنوات الأخيرة، وبمناسبة وبدونها تطفو دعوات للمزيد من إضعافها وإنهاكها، والتقليل من أهمية أدوارها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سعى “البعض” إلى النيل منها في لحظة تتسم بإجماع وطني وارتفاع منسوب الثقة في المؤسسات والفعل السياسي؟ لذا يُطرح السؤال التالي: هل أصبحت الأحزاب السياسية حملا ثقيلا يجب التخلص منه؟.

الاستغناء عن الأحزاب السياسية؟

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، محمد العمراني بوخبزة، أكد أنه لا يمكن الاستغناء عن الأحزاب السياسية، لأن العملية الديمقراطية مبنية عليها، مشددا على أن المغرب في حاجة ماسة إليها، خصوصا في هذه الفترة الحرجة من تاريخه.

ويرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري عبد الحفيظ اليونسي، أن الواجهة المفضلة دائما في الهجوم، هي “الأحزاب السياسية”، لأنها تعتبر “الحيط القصير”، مضيفا أن الأحزاب السياسية التي نتحدث عنها اليوم في المغرب بهذه الطريقة رغم علتها، لننتبه إلى أنها هي التي نبحث عنها في اللحظات التي نبحث فيها عن الإجماع في القضية الوطنية، “وهي تعبر عن مواقفها الواضحة من هذه القضية”.

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية إدريس قصوري، أنه لا يمكن نهائيا الاستغناء عن الأحزاب السياسية والتفكير في بدائل لها، مؤكدا أنه لا يمكن الحديث عن البناء الديمقراطي في المغرب والتعددية دون الأحزاب السياسية، لذلك يجب تقويتها لكي تلعب أدوارها الوظيفية سواء داخل الحكومة أو خارجها.

أدوار الأحزاب السياسية

بوخبزة، أكد في تصريح لـ pjd.ma، أن أدوار الأحزاب السياسية، في مرحلة كورونا وبعدها “جوهرية جدا”، على اعتبار أنها ركن أساسي من أركان الديمقراطية، لذا فنحن نحتاج إلى أحزاب سياسية قوية، ولها مشاريع مجتمعية، وقادرة على أن تقدم البدائل والمقترحات، محذرا في الوقت نفسه، من تبخيس أدوار الأحزاب السياسية في هذه المرحلة، “لأننا نحتاج الآن إلى جميع الآراء والمبادرات والأفكار التي يمكن أن تقدم حلولا للوضعية التي نمر منها”.

اليونسي، تساءل من جهته في تصريح لـ pjd.ma، كيف نطلب من الأحزاب في قضايا الثوابت من قبيل الوحدة الترابية الحضور الوازن والفاعل وفي الاختيار الديمقراطي نقول بأن الأحزاب السياسية يجب تتوارى إلى الوراء، مؤكدا على أن هذا الكلام “لا يقول به عاقل”.

وأكد أن إضعاف الأحزاب السياسية يؤدي بالتبع إلى إضعاف الدولة، وإضعاف مؤسسات الوساطة، ومؤسسات الاقتراح، مضيفا أنه بدل الهجوم على الأحزاب السياسية لابد من تمكينها من أدوات الاشتغال، وفي نفس الوقت هذه الأحزاب السياسية يجب أن تدافع عن نفسها، وتبحث عن الاستقلالية وقربها من الشعب، لا أن تنتظر ما تجود به عليها المؤسسات الأخرى.

من جانبه، يرى قصوري، في تصريح لpjd.ma، أن للأحزاب دور داخل وخارج المغرب والقيم الديمقراطية تقوم عليها، والدستور المغربي يقوم على الديمقراطية والحقوق والمساواة وتكافؤ الفرص، لذلك هذه القيم تحتاج إلى تعميقها وتطويرها وليس التراجع عنها، مستدركا: لكن يجب أن تعرف ذاتها من هي، وتعرف نقط قوتها وضعفها، وتحدد المدى الزمني لتطوير نفسها على مستوى التخطيط والرؤى والفكر والأولويات والاستراتيجيات والتواصل مع القاعدة وحل مشاكلها الداخلية، ودمقرطة عملها، وقبول الرأي والرأي الأخر.

دعوات شاردة

يبقى السؤال المطروح، ما دامت الأدوار التي تقوم بها الأحزاب السياسية مهمة لهذه الدرجة كما أكد الأساتذة الجامعيون الثلاثة، فلماذا يتم تبخيس عملها سواء التي تشتغل من داخل الأغلبية أو المعارضة؟ لماذا بدل أن يتم دعم عملها يتم التشويش عليها وإطلاق دعوات شاردة من قبيل إحداث حكومات بتسميات مختلفة “حكومة وطنية”، “حكومة إنقاذ”، “حكومة تقنوقراط”، هل لأن هذه الأحزاب تعتبر “الحيط القصير” بتعبير اليونسي؟.

التحرش بالديمقراطية

في هذا السياق، أكد اليونسي، أن هذه الدعوات تندرج في إطار “التحرش بالديمقراطية”، الذي بدأ منذ انتخابات 2011، من أقلام وأصوات معينة، لحسن الحظ، أنها “هامشية”، متوقعا أن لا يلتفت عقل الدولة المغربية إلى هذا النوع من الأصوات.

وتابع أن “التحرش بالديمقراطية” يشوش على بلدنا وعلى المعارك الحقيقية التي يجب أن تخوضها، معتبرا أن “حكومة وحدة وطنية”، أو “حكومة إنقاذ وطنية” لا معنى لها بعد دستور 2011، وأي كلام من هذا القبيل يتنكر للدستور، مؤكدا أن أصحاب هذه الدعوات يغامرون بالمؤسسات السيادية ومؤسسات الاجماع في البلد.

الحكومة التي تدبر عملها اليوم، يضيف اليونسي، ناتجة عن انتخابات شهد الجميع بأنه فيها منسوبا كبيرا من الشفافية والمصداقية، وشارفت على نهاية ولايتها، والشعب له أن يختار إما استمرارها بهذه الطريقة أو أن تكون حكومة أخرى يرأسها حزب آخر عن طريق صناديق الاقتراع، مضيفا أن الأمور يجب أن تذهب في مسارها الطبيعي والعادي، لأنه في بلدنا لا نعاني من أزمة سياسية أو أزمة شرعية.

عبث سياسي كبير

من جانبه، تساءل قصوري، هل الواقع يفرض حكومة وطنية؟، مبرزا أن هذا الطرح تم طرحه من قبل ورافقته عدة انتقادات، قائلا: “إن إحداث حكومة وطنية معناه أن لا حاجة لنا للانتخابات وللديمقراطية، وهذا يعد إشكالا كبيرا بالنسبة للمغرب الذي حقق مكتسبات كبيرة في المسار الديمقراطي”، مضيفا أن تشكيل “حكومة وطنية” معناه أننا أصبحنا نعود للتوافقات من فوق وليس للانتخابات التي تعطينا الشرعية والمشروعية من “تحت”، وتشرك الجماهير والرأي العام في صناعة القرار.

إن الدعوة إلى تشكيل “حكومة وطنية” يردف قصوري، تفيد أن الرأي العام لم يعد له أي اعتبار في صناعة القرار، في الوقت الذي يساهم ويشارك من موقعه عبر ممثليه ومنتخبيه بكلمته في صناعة القرار، وبالتالي هناك تقاسم للمسؤوليات، مردفا أن الذي يجب أن يكون هو الحفاظ على القيم الكونية، ومنها الديمقراطية، وتقوية مؤسساتنا ومنها الحكومة ومنحها صلاحيات، وتكون لدينا أدوات للمحاسبة التي من بينها الانتخابات. ونبه إلى أن في الآليات الديمقراطية جهة تحكم وجهة تراقب وهي المعارضة. 

وأضاف المتحدث ذاته، أن الحديث اليوم عن “حكومة وطنية”، “عبث سياسي كبير”، لاسيما إذا طرح من طرف بعض السياسيين، لأن الحكومة الحالية تشتغل، وكل مؤسسات الدولة تتعاون فيما بينها لمحاصرة تفشي وباء كورونا وتشتغل بفعالية، وليس هناك “بلوكاج” سياسي، وليست هناك مصالح متوقفة بشكل اضطراري، متسائلا: إذن ما مبرر “حكومة وطنية”، وأردف “إننا في حرب مع عدو غير ظاهر الذي هو “فيروس كورونا” مثلنا مثل جميع الدول، ولسنا نحن في حرب مع عدو خارجي واضح”.

وخلص قصوري، إلى أنه ليس في مصلحة المغرب، أن يخسر ميزة الانتخابات التي تعطيه المصداقية.

وفي الوقت الذي يرى فيه قصوري، أنه لا يوجد أي مبرر لتأجيل الانتخابات التشريعية المقرر عقدها السنة المقبلة، لذلك وجب أن نثق في الحكومة الحالية، ونمكنها من أدوات الاشتغال، ونحاسبها يوم الانتخابات، قال بوخبزة، إنه لا زال يفصلنا عن موعد الانتخابات فترة ليست بالقصيرة، تقريبا سنة، أظن أن الكثير من المياه ستجري تحت جسر الفعل السياسي في المغرب وستتغير معطيات عديدة، وخلص إلى أن القول بتأجيل الانتخابات سابق لأوانه.

التعارض مع الدستور

وأكد بوخبزة هو الآخر، أن الدعوة إلى حكومة تقنوقراطية يعارض الدستور خاصة الفصل 47 منه، منبها إلى أنه بعد تعيين الحكومة من طرف جلالة الملك، تأتي مرحلة التنصيب من طرف البرلمان، وبالتالي فإن هذه الحكومة تحتاج إلى أغلبية داخل مجلس النواب. لأن تعيينها يكون بناء على نتائج الانتخابات، كما أن الدستور المغربي أقر مسألة المحاسبة، فالمحاسبة مرتبطة بالانتخابات والاقتراع، مضيفا أنه من الناحية الدستورية لا يمكن الحديث عن حكومة تقنوقراطية. وشدد على أن الحكومة في المغرب يجب أن تكون سياسية لكي تحاسب وتساءل سواء من خلال البرلمان أو عن طريق صناديق الاقتراع.

أما الحديث عن إمكانية تشكيل “حكومة ائتلاف وطني”، أي أن تكون مكونة من كل الأحزاب الممثلة داخل البرلمان، أوضح بوخبزة، أنه أصلا الحكومة الحالية حكومة موسعة لأنها تتكون من ستة أحزاب، مضيفا أنه إذا لجأنا إلى حكومة تتشكل إلى جميع الأحزاب بالبرلمان فسنغيب ركن أساسي من العمل البرلماني وهو المعتمد على المعارضة، المنصوص عليها داخل الدستور، مضيفا لذلك لا يمكن إلغاء مكون أساسي من مكونات العمل السياسي في المغرب الذي هو المعارضة، ونحن كثيرا ما طالبنا بمعارضة قوية ومنسجمة قادرة على أن تنتقد وتقدم بدائل.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.