هل باتت الظروف ملائمة لاستئناف العمل بالإدارات العمومية؟

أصدر وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، مؤخرا منشورا حول إجراءات وتدابير العمل بالمرافق العمومية بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، دعا من خلاله مسؤولي وموظفي وأعوان الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والعاملين بهذه المرافق للالتحاق بشكل تدريجي إلى مقرات عملهم.

وبالموازاة مع ذلك، أعدت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، دليلا تطبيقيا لمرحلة ما بعد حالة الطوارئ الصحية بالمرافق العمومية يهدف إلى تقديم مجموعة من التوجيهات والإرشادات الأساسية، وكذا توضيح عدد من المهام والأنشطة التي يمكن للإدارات استئنافها بشكل تدريجي، بما يضمن سلامة وصحة الموظفين والمرتفقين، وفي نفس الوقت ضمان استمرارية العمل بإدارات الدولة وديمومة تقديم خدماتها.

وفي هذا الصدد، أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط محمد غزالي، على ضرورة عودة الجهاز الإداري للاشتغال، لأن توقفه عن الدوران مدة أطول قد تكون له أضرار يصعب تداركها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

عودة ضرورية

لكن بالمقابل، يرى غزالي، في حديثه لـ” مجلة العدالة والتنمية” في عددها التاسع الصادر السبت الماضي، أن “قرار استئناف أنشطة الحياة العامة وعمل المرافق الإدارية العمومية والخاصة من عدمه، يظل مرتبطا بقرار أهل الاختصاص في مجال الأوبئة والصحة العامة، لأنهم أعلم بذلك من غيرهم”.

ومن جانب آخر، أوضح غزالي، أن بعض مهام الإدارة لا تظهر آثارها بشكل فوري ولا يلتفت أحد إلى غيابها لكن على المدى المتوسط والبعيد تظهر آثار هذا الغياب وتكون هذه الآثار وخيمة عندما تظهر”، معتبرا أن الانتظار إلى أن يصبح هامش المخاطرة صفرا، لكي يتم استئناف العمل الحضوري بالإدارات العمومية، ليس خيارا ملائما ولا ممكنا”.

وسجل المتحدث ذاته، أنه “مادامت هذه العودة ضرورية، فلا بد أن نقبل بحد أدنى من المخاطرة لأن الموظف العمومي في أي مصلحة إدارية لا يقل وطنية ولا استعدادا للتضحية عن الطاقم الصحي والأمني والتربوي وغيرهم من الأطقم التي ساهمت في صيرورة شبه عادية للحياة اليومية للمواطن.

شروط السلامة

وحول ما إذا كانت التدابير والإجراءات، التي تضمنها منشور وزير المالية، كافية لضمان السلامة والوقاية من الفيروس داخل المرافق العمومية، أكد أن هذا المنشور نص على تدابير مهمة ومواكبة لعودة آمنة لعمل المرفق العام، قبل أن يستدرك “لكن من الناحية الإجرائية نجد أن بعض التدابير عملية ويمكن تنزيلها فورا وبعضها الآخر يتطلب وقتا طويلا لتنزيله نظرا لطبيعته  كالتنصيص على مواصلة رقمنة الخدمات الإدارية وتبسيط المساطر الإدارية وتسريع رقمنتها”.

هذا، ونص منشور وزير الاقتصاد والمالية، على تعزيز تدابير مراقبة التزام الموظفين والمرتفقين بتوجيهات السلطات العمومية عند ولوج مقرات الإدارة، وتنظيم فضاءات الاستقبال باعتماد البرمجيات المتعلقة بأخذ المواعيد والتواصل مع المرتفقين عبر مراكز الاتصال والتوجيه، وضمان قضاء أغراضهم الإدارية عبر الانترنيت للحد من توافد المرتفقين على مصالح الإدارة إلا عند الاقتضاء.

وبهذا الخصوص، سجل أستاذ العلوم السياسية، أنه “على العموم يمكن اعتبار هذه التدابير كافية مادامت مستندة إلى آراء وخبرات علمية في ميدان الصحة العامة، مبرزا أن من شأن هذا المنشور أن يعطي دفعة قوية لبرامج الإدارة الالكترونية التي اتسم تنزيلها بالبطء رغم كثرة المخططات والحوافز المخصصة لتشجيع رقمنة أعمال الإدارة.

مخاطر وإكراهات

ومن ناحية أخرى، لفت غزالي، إلى أن المنشور، أغفل بعض الجوانب المواكبة لعمل المرفق العام كوضعية مستخدمي شركات المناولة خاصة في مجال الحراسة والنظافة، فضلا عن إغفال الحديث عن مشكل النقل الوظيفي الذي قد يعتبر نقطة سوداء وأرضية خصبة لتفشي العدوى، إضافة إلى مشكل التغذية، حيث سيصعب على الموظفين تناول وجبة الغذاء في ظروف الرفع التدريجي للحجر الصحي.

 وأضاف، في الواقع سنجد أن قلة قليلة من الإدارات العمومية هي التي يمكنها أن تلتزم بهذه التدابير، إما لغياب الإمكانات المالية واللوجستية، كما هو الحال بالنسبة لبعض الجماعات الترابية، التي قد لا تجد السيولة حتى لتأدية أجور موظفيها فبالأحرى الإنفاق على تنفيذ هذه الإجراءات، أو لاعتبارات متعلقة بطبيعة الإدارة كمؤسسة محافظة بطبعها ستقاوم بعض الممارسات التدبيرية الحديثة كالعمل والاجتماعات عن بعد.

وخلص غزالي،  إلى أن ضعف السلوك المدني لدى البعض،  قد يفسد انضباط والتزام أغلبية المرتفقين، مما يُصعّب مهمة تحقيق التباعد الاجتماعي والالتزام بالإجراءات الوقائية الموصى بها، مردفا “ولنا خير دليل في الكمامات الواقية التي يحرص بعض المواطنين على حملها لكن تحت الذقون أو فوق العنق أو أي مكان إلا مكانها المطلوب”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.