بويخف يكتب: الفشل حليف المقامرين والمغامرين

حسن بويخف

لا أحد، باستثناء متزعمي كبر الدعوة إليها، فهم دواعي فتح جدل سياسيحول تشكيل حكومة جديدة، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي. ومهما اختلفت التسميات التي يتوسل بها إلى هذا الأمر، فليس هناك في الوضع السياسي العام ولا الحكومي الخاص، ولا الاقتصادي ولا الاجتماعي، ما يبرر فتح ذلك النقاش اليوم. فكيف نفسر إقحام ذلك الجدل في الساحة السياسية في هذه الظرفية الحساسة؟
في التقدير، الأمر يتعلق بمحاولة تغيير توجه في الرأي العام أبانت عدة مؤشرات أنه يتطور لصالح دعم الاستقرار والانسجام بين مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع، ولصالح الحكومة، وبالتالي، وبناء على حسابات سياسوية ضيقة، لصالح الأحزاب المشكلة لها وخاصة حزب العدالة والتنمية.
فأزمة كورونا أعطت نتائج تعاكس انتظارات ورغبات أطراف تعمل بكل الوسائل على توجيه الرأي العام في وجهة مناقضة لوجهته الحالية. والتقت، بشكل موضوعي،  “الحاجة” عند أطراف أجنبية وداخلية إلى إحداث طفرات في تطور الرأي العام المغربي تدفعه إلى الانتكاسة السياسية. وما رأيناه من أعمال شغب كلامي في مواقع التواصل الاجتماعي ليس أكثر من ضجيج آليات صناعة راهنت على “مؤثرين” فيها وبعض جرائد رجع صدى تلك المواقع، لإحداث تلك الطفرات ورعايتها.
وفي ظل تدبير قضية حساسة تعتبر قضية شعب ودولة وتمس الصحة العامة والاقتصاد الوطني والأمن الاجتماعي، فتلك الأطراف الداخلية المغامرة، عكس محاولات الأطراف الخارجية اللعب بذلك، لا تجرؤ على الدخول في مواجهة الدولة والحكومة معا بمحاولة توظيف مؤشرات الأزمة، الاجتماعية منها والاقتصادية المرتبط بجائحة كورونا، لتحقيق أغراضها. وبعد فشل صناعة الشائعات والأخبار الزائفة التي مست جميع الجوانب المتعلقة بأزمة محاربة الجائحة، كان لزاما عليها البحث عن قضايا توفر فرصة التخفي خلف جدل ذي صبغة فكرية وسياسية ودستورية مجردة، للتشويش على المكاسب السياسية التي حققتها الحكومة على مستوى الرأي العام، من وجهة نظر تلك الحسابات السياسوية الضيقة.
وفي هذا الصدد يمكن التوقف عند أربع معطيات مهمة تؤكد صلابة الرأي العام الذي اصطدمت به محاولات زعزعته للتحكم فيه.
المعطى الأول يتعلق بالتجاوب الإيجابي الكبير للشعب المغربي مع مختلف الاجراءات المتعلقة بتدبير محاربة تداعيات جائحة كورونا، وتحمل قساوتها الاجتماعية والاقتصادية لأزيد من شهرين متتابعية. والذي تعكسه درجة الالتزام العالية بالإجراءات، وخاصة ذات الأثر السلبي على واقع الأسر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى إحدى نتائج البحث الوطني الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط حول “تأثير فيروس كورونا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للأسر” في الفترة من 14 إلى 23 أبريل 2020، والتي جاء فيها أن حوالي 8 أسر من كل 10 (79 %) احترمت بشكل كامل قواعد الحجر الصحي، بينما 21% من الأسر احترمتها بشكل جزئي. وهو ما يعني أن جميع الأسر المغربية احترمت بشكل عام تلك الاجراءات رغم قساوتها الكبيرة.
المعطى الثاني يتعلق بثقة المغاربة في الحكومة وفي التدابير التي اتخذتها فيما يتعلق بمحاربة الجائحة، بل واستعدادهم لتحمل المزيد! وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى نتائج دراستين الأولى ما أكدته الدراسة الميدانية الكمية التي أنجزها المعهد المغربي لتحليل السياسات في الفترة ما بين 14 و 19 مارس، أي يوما قبل إعلان الطوارئ الصحة، حيث جاء في نتائجها أنه فيما يخص الإجراءات التي قامت بها الحكومة لمواجهة الفيروس، عبر 77 في المائة من المستجوبين المغاربة عن رضاهم وتصل تلك النسبة  82 في المائة من النساء. وفيما يخص درجة الثقة في قدرة الحكومة على مواجهة الفيروس أكد 58 في المائة ثقتهم فيها. والدراسة الثانية هي بحث للمندوبية السامية للتخطيط المشار إليه سابقا، والذي جاء في نتائجها في محور “استعداد الأسر لتمديد الحجر الصحي” أن 89 بالمائة من الأسر مستعدة لتحمل تمديد الحجر الصحي، 53 بالمائة بصعوبة و36% دون صعوبة. وحول الفترة الإضافية التي يمكن تحملها قال 40 بالمائة من الأسر أنها مستعدة لتحمل تمديد الحجر الصحي كيفما كانت الفترة التي تقررها الحكومة. وبالطبع فمثل هذه الأرقام يؤكد متانة صمود الأسر واستعدادها لمزيد من التضحية في تجاوب من الاجراءات الحكومية.
المعطى الثالث ظهور توجه عام تجاوز مجرد الثقة في السياسات العمومية في تدبير الجائحة إلى نوع من الاعتزاز الوطني بالمنجزات المغربية مقارنة مع ما يجري في معظم دول العالم، جعل وسائل الاعلام الدولية تبرزه وتقدمه في كثير من الأحيان كنموذج ناجح.
المعطى الرابع يتعلق باستقرار الأسر رغم قساوة الضغط الذي تعيش تحت وطئته. وفي هذا الصدد سوف نورد مؤشرين دالين حطما الصورة السوداوية التي تم الترويج لها في مواقع التواصل الاجتماعي. الأول ما أكدته دورية رئيس النيابة العامة الصادرة بتاريخ 30 أبريل 2020 حول موضوع العنف ضد النساء، من أن المستفاد من المعطيات المتوفرة خلال الفترة من 20 مارس إلى 20 أبريل، هو انخفاض عدد المتابعات من أجل العنف ضد النساء خلال الفترة المذكورة عشر مرات عن المعدل الشهري لهذا النوع من القضايا. وتراجع مجموع عدد الشكايات المتعلقة بجميع أنواع العنف بنسبة 60%. والثاني ما جاء في بحث المندوبية السامية للتخطيط المشار إليه سابقا، حيث أكدت في محور “أثر الحجر الصحي على العلاقات الأسرية” أن  (72%) من الأسر عبر عن عدم تأثر العلاقات داخل الأسرة بظروف الحجر الصحي، و(10%) من الأسر عبرت أن  علاقاتها الأسرية سليمة وأكثر متانة. فيما عبرت 18% من الأسر عن شعورها بتدهور العلاقات الأسرية. وهذه المعطيات مجتمعة تؤكد تعليق رئيس النيابة العامة عن المؤشرات التي أوردها في مذكرته حين قال عنها إنها “تبشر باستقرار الأسرة المغربية، وانسجامها واستعدادها للتعايش والتساكن الطبيعي الهادئ، ولو في أصعب الظروف، كظروف الحجر الصحي الذي تعيشه المملكة حاليا لضرورات مكافحة فيروس (كوفيد 19)”.
وإذا اكتفينا بهذه المعطيات، واستحضرنا الأجندة السياسية الوطنية التي تقترب فيها محطتين انتخابيتين (الجماعية سنة 2021 والتشريعية سنة 2022)، واستحضرنا الهوس السياسوي والانتخابوي لدى بعض الأطراف، وخاصة رعاة الفساد المنتفعين من الريع السياسي والاقتصادي للاستبداد، سندرك ما معنى الخروج عن الخيار الديموقراطي والمطالبة بحكومة غير التي تشكلت وفق الدستور. وندرك أن النجاح في هذا المطلب، لا قدر الله، قد يحقق أمرين. الأول على مستوى الرأي العام، يعني إقبار حكومة ارتبطت بها النجاحات الوطنية المختلفة، وبالتالي انهيار ذلك البناء في الرأي العام المتعلق بالثقة في المؤسسات وفي السياست العمومية، وحلول الفوضى فيه، وهو ما يسمح بتشتيته والتحكم فيه من خلال إطلاق الاشاعات والأخبار الزائفة، والمبادرات المشككة. الثاني على المستوى العملي، فنجاح ذلك المطلب يعني تنصيب حكومة لا مسؤولية سياسية لها ما دامت مفصولة عن الأحزاب، يمكن تحويلها إلى أذاة هدم لكل ما تم بناؤه، وخاصة على مستوى الثقة في المؤسسات، وفي السياسات العمومية. وكل هذا يسمح بحفر الحفر ووضع المطبات في المتبقي من الطريق إلى المحطات الانتخابية، تسمح بإعداد الرأي العام لتوجيهه وفق أجندات انتخابوية لا ديموقراطية.
لكن مؤامرة إحداث الانقلاب في الرأي العام، والتمكين للمقاربات اللاديموقراطية في تدبير المتبقي من الزمن قبل المحطات الانتخابية، قد فشلت فشلا ذريعا. ويمكن رصد مؤشرين أساسيين في هذا الإطار.
المؤشر الأول، فشل جهود تجييش الحد الأدنى المطلوب من “المؤثرين” في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الأكاديميين والمحللين ذوي المصداقية، وفشل “المؤثرين” المنخرطين في “محاولة الانقلاب الافتراضي” في إنشاء توجه في الرأي العام ينطلق من مواقع التواصل الاجتماعي يكون متناغما مع مطالب تشكيل “الحكومة المتعددة الصفات”. بل الذي حصل إن تلك الدعوات ووجهت بزخم من الانتقادات، لم يستطع “المؤثرون” المتطوعين في المشروع الانقلابي الصمود في وجهها.
المؤشر الثاني، خروج الأحزاب السياسية عن صمتها حول ما يجري، حيث عبرت أربعة منها (العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية)، على الأقل بأشكال مختلفة عن رفضها لمقترحات تشكيل حكومة تكنوقراط.
فاللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أكدت في بلاغها الصادر يوم 28 ماي” رفضها لكل الدعوات الرامية إلى الالتفاف على المسار الديمقراطي والتطور السياسي ببلادنا، والعودة ببلادنا إلى ممارسات ماضوية بائدة، وتؤكد تتشبتها بالخيار الديمقراطي كإحدى الثوابت الدستورية التي لا يمكن المساس بها ، وبالآلية الانتخابية كمحدد أساسي في تشكيل المؤسسات المنتخبة وفي تدبير الشأن العام”. كما أكدت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ” رفضها لكل خطاب يستهدف المساس بالاختيار الديمقراطي تحت دعوى النجاعة في مواجهة تداعيات الجائحة”. وفي بلاغ المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية المنعقد في 28 ماي 2020 “يعتبر أن شروط إنجاح هذا التعاقد السياسي الجديد، بأبعاده التنموية والاقتصادية والاجتماعية، تقتضي في هذه الأوضاع الحرجة بالذات، تعزيز الديموقراطية في جميع أبعادها، …”. وفي تصريحه لموقع “كود” وصف الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، الدعوة إلى تشكيل حكومة “تكنوقراط” لإنقاذ الاقتصاد الوطني بأنه خارج دستور 2011، وأضاف أن ما هو خارج الدستور فهو غير قابل للنقاش، واصفا الداعين إلى تشكيل حكومة “تكنوقراط” في هذه الظروف، بأنهم لم يقرؤوا الدستور المغربي.
لقد كان الأمر مجرد بالونات اختبار، جاءت بنتائج عكسية لمطلقيها، وأكدت للجميع أن المغرب يعيش استقرارا سياسيا صلبا لن تنال منه المناوشات الافتراضية من أي جهة كانت. وحصد المقامرون باستقرار الوطن، لربح رهانات لاديموقراطية، خسائر فاذحة. وارتطمت بالونات التجارب التي اطلقوها من منصات التواصل الاجتماعي بجدار الاستقرار الصلب، لتعود إليهم وترتطم بقوة برؤوسهم المريضة.
إن وعي الفاعلين، الاعلاميين منهم والسياسيين والأكاديميين، بحضور أجندات أجنبية تسعى إلى التحكم في الرأي العام الوطني لزعزة الوضع في المغرب، جعلهم يدركون أن المشاركة في زعزعة الأمن الاعلامي وبالتالي زلزلة الرأي العام الخادم للمصلحة الوطنية في هذه الظرفية التي تحتاج فيها الأمة إلى جعل تلك المصلحة وحدها فوق كل الاعتبارات، انخراط موضوعي في مشاريع زعزعة الاستقرار، وإدخال المغرب في دوامة من التيه تتحكم فيه دول مجنونة، وفي ديناميكة مجهولة المصير مؤكَّدة التدمير.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.