تعليق دورات مجالس الجماعات الترابية يثير جدلا دستوريا

أثار قرار وزارة الداخلية، تعليق انعقاد الدورات العادية لمجالس الجماعات الترابية لشهري ماي ويونيو، بموجب دوريتين منفصلتين، جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية والأكاديمية بالمغرب، حول ما إذا كان جائزاً من الناحية الدستورية، إلغاء هذه الدورات المنصوص عليها وعلى القواعد المتعلقة بتنظيمها بموجب القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات.

وتساءل العديد من المراقبين والمتتبعين للشأن السياسي والترابي، عن الأسباب والدوافع التي منعت عقد هذه الدورات وفق إجراءات تنظيمية خاصة على غرار ما تم اعتماده في انعقاد أشغال البرلمان، وهي الإجراءات التي جرى تبنيها في إطار التدابير الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا بالمملكة.

وضعية استثنائية

وفي هذا الصدد، يرى أستاذ القانون الدستور والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، محمد الغالي، أنه ما دام أن الوضعية استثنائية وغير عادية، فإن منطق التعامل يقتضي اتخاذ إجراءات استثنائية، مضيفا أن الجنوح إلى ذلك “يتطلب أولا تهيئة الناس بأنهم في هذا الوضع الاستثنائي وبأن سلامتهم وحقهم في الحياة لا يمكن أن يكون إلا في ظل إجراءات متمايزة عن الوضع العادي سياسيا ومؤسساتها واقتصاديا”.

وسجل الغالي في حديثه لـ “مجلة العدالة والتنمية” في عدده السادس الصادر نهاية الأسبوع الماضي، “أننا نعيش ظرفية غير مسبوقة على مستوى سياق اتخاذ القرار العمومي في مختلف مستوياته التشريعية والتنفيذية والقضائية، مؤكدا أن هول المخاطر التي تفجرت مع انتشار كوفيد19 جعلت هامش المناورة ضعيفا من حيث التعامل مع عامل الوقت وحتى التعامل مع مقاربة معالجة الوباء، الذي يتطلب التعامل معه بمنطلقات الاستعجال وفورية الأثر الذي يعكس التحكم فيه.

قرار التعليق قانوني

وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أن مقتضيات المادة 3 من المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، أعطت للسلطات العمومية المعنية الحق في اتخاذ كل ما يلزم لحماية سلامة وحياة الناس من خلال مختلف الصيغ الإدارية الممكنة مناشير أو مقررات أو غيرها.

وتابع أنه مادامت السلطة الحكومية، المكلفة برقابة عمل الجماعات والمتمثلة في وزارة الداخلية، رأت بأن أي تجمع أو اجتماع في دورة المجالس أو غيرها، يشكل مصدر قلق بالتهديد فإن إعمال الاحتياطات يدخل في صميم واجباتها طبقا لقواعد الملاءمة والمشروعية الغير متعارضتين، مادام أن التقدير يدخل في صميم سلطتها طبقا لمقتضيات قانون حالة الطوارئ الصحية السالف الذكر.

وبناء على ذلك، اعتبر أستاذ القانون الدستوري، أن قرار عدم عقد دورات المجالس المنتخبة يعتبر قانونيا مادام أنه يتماشى وتحقيق السلامة ويضمن تحصين الحق في الحياة، بتجنب الالتماس البشري البيني أو المتعدد”.

وفي سياق متصل، دعا الأكاديمي ذاته، إلى التفكير مستقبلا في صيغ قانونية لتحقيق المشاركة في الدورات عن بعد بنسب معقولة، لتفادي حالة الغياب في الدورات بسبب بعد المسافة أو تعقد التضاريس خاصة بالنسبة لمجلسي البرلمان، ومجالس الجهات، مبرزا أن هذا الأمر “من شأنه تخفيف الأعباء المالية التي تثقل كاهل ميزانية الدولة”.

رأي دستوري مخالف

وفي المقابل، يرى عبد الصمد حيكر، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أنه بالرغم من أن المادة الثالثة، من المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، منحت الحكومة إمكانية “تعليق” العمل بعدد من الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في الأحوال العادية، فإن ذلك “لا يمكن أن يرقى إلى مستوى تعليق العمل بأي قانون تنظيمي، وذلك أخذا بمنطق تراتبية القواعد القانونية الناتج عن إعمال مبدأ “سمو الدستور”.

حيكر، أوضح في مقال له تحت عنوان: “رأي دستوري في دورية وزارة الداخلية حول انعقاد دورة ماي العادية لمجالس الجماعات”، أن سمو القواعد الدستورية، ينتج عنه عدم جواز أن تلغي قاعدةٌ قانونية أدنى العملَ بقاعدة قانونية أعلى، كما سبق بيانه.

وأكد أنه بالرغم من المشروعية الكاملة للمرسوم بقانون، وبالرغم من حق  الحكومة  الاستنادَ وبأريحية إلى مادته الثالثة و”تعليق” العمل بكافة القوانين العادية طيلة فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها، إلا أن ذلك يبقى داخل دائرة القوانين العادية وفي مستواها وما تحتها من نصوص تنظيمية (المراسيم الصادرة عن الحكومة)، ولا يمكن بأي حال أن تطال القواعد القانونية المقررة في أي قانون تنظيمي.

مشروعية دورية الداخلية

 وتساءل حيكر، عن مشروعية إصدار دورية وزارة الداخلية المذكورة، في ظل القواعد التي تُقَرِّرها الفقرة الثالثة من المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، علما أنها تنص على أنه “لا تَحُول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين”.

وفي هذا الصدد، تساءل حيكر، “هل يمكن اعتبار الجماعات والمرافق الجماعية ضمن قائمة المرافق العمومية الحيوية أم لا، أو هل تعتبر الخدمات التي تقدمها الجماعات للمرتفقين من ضمن قائمة الخدمات التي يتعين تأمينها، ومن يحدد هاتين القائمتين، وماذا عن ماهية المعايير التي يتم على أساسها تصنيف المرافق العمومية إلى حيوية وغير حيوية، ومن هي الجهة المخولة لوضع هذه المعايير واعتبار كل ما يصدر عنها ملزِما للجميع”.

وبناء على ذلك، شدد الباحث في القانون الدستوري، على أنه “لا سبيل، إلى الاستناد إلى المرسوم بقانون والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، من أجل تعطيل العمل بأي مقتضى من مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات”.

احترام تراتبية القوانين

وفي الإطار ذاته، اعتبر حيكر أنه، “لا يمكن للحكومة أن تقرر بموجب أي نص تشريعي (قانونا عاديا كان أو مرسوما) إلغاء عقد الدورات العادية لمجالس الجماعات المنصوص عليها، وعلى وجوب عقدها وبشكل محدد لا مجال فيه إلى التراخي والسلطة التقديرية لأي كان”.

وأوضح أنه “لئن كان عدم جواز ذلك بمقتضى قانون عادي (المرسوم بقانون)، فإنه -ومن باب أولى- لا يجوز أن يتم ذلك بموجب دورية صادرة عن وزارة الداخلية وتحمل توقيع الوالي المدير العام للجماعات الترابية بتفويض من الوزير”، مسجلا  أن الدورية من حيث شكلها  تبقى سليمة في استنادها إلى المرسوم بقانون لأنه ينص على إمكانية اللجوء إليها”.

وفي نفس السياق، شدد حيكر، على أنه “لا يمكن للدورية أن تضطلع، بما لا يمكن للمرسوم بقانون الوصول إليه وإدراكه، لأن علاقة الدورية بالمرسوم بقانون هي علاقة الفرع بأصله، وإذا سقط الأصل سقط الفرع”.

وخلص الباحث في القانون الدستوري، إلى التأكيد على “عدم جواز الاستناد إلى مرسوم بقانون بوصفه قانونا عاديا، لتعطيل أحكام القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، بوصفه قانونا أعلى منه درجة من الناحية القانونية والدستورية، ومشهود له، من لدن المحكمة الدستورية، بمطابقته للدستور، مسجلا أن دورية وزارة الداخلية، “دعت إلى مخالفة قانون تنظيمي مكتسِب لصفة المطابقة للدستور”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.