العمل عن بعد.. حاجة ظرفية أم تغيير جذري في سوق الشغل؟

تركّز النقاش لدى العديد من المختصين في مجال تطوير عمل الإدارة المغربية وإنتاجية المؤسسات والمقاولات الوطنية، حول الحاجة الملحّة لتحول سوق الشغل نحو التوسع في تطبيق آلية العمل عن بعد، من أجل الحفاظ على استمرارية الأعمال وقت الأزمات، وخفض كلفة التشغيل والاستغلال الأمثل للموارد البشرية والوقت المبذول من جانب الموظفين، إضافة إلى تقليل الضغط على المرافق العمومية والخاصة على حد سواء.

 “كورونا” تسرع التحول الرقمي

وفي هذا الإطار، قال مولاي حفيظ بنسليمان أستاذ القانون العام بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، إن ظهور العمل عن بعد، سبق زمن “كورونا”، إذ ارتبط بظهور وسائل تكنولوجية حديثة، خصوصا وسائل التواصل والاتصال وذلك منذ ظهور الهاتف الذكي، مستدركا “غير أن الذي سرّع التحول نحو اعتماد الرقمنة بصفة عامة في مختلف المجالات وعلى مستوى القطاعين العام والخاص، هي جائحة “كورونا”.

وأضاف بنسليمان، خلال حديثه لقناة “ميدي 1 تي في” مساء أمس الأربعاء، أن الاشتغال عن بعد يحتاج اليوم إلى إطار قانوني يؤطره وينظمه، مشددا على  ضرورة ملاءمة قانون الشغل، حتى يستجيب لحاجيات السوق ومطلب تنظيم العمل عن بعد.

من جهته، أكد محمد طارق أستاذ القانون العام، بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، أن الحديث عن العمل عن بعد مرتبط بثلاثة عقود مضت حيث بدأ العالم يتحول بشكل عميق إلى اعتماد الرقمنة، مضيفا أنه “تحول مرتبط بتطور التكنولوجيا التي أفرزت مجموعة من الخيارات وأنماط العمل، حيث تم الاتجاه إلى أنماط جديدة، أحدثت مرونة في مجال إدارة وتدبير العمل والموارد البشرية”.

وأشار طارق، في حديث مماثل لقناة “ميدي 1 تي في”، إلى أن العالم انتقل من العمل الجماهيري التقليدي، الذي يعتمد على الوحدات الإنتاجية الكبرى والمركزية إلى عالم المعرفة، مبرزا أن “الدول التي تعتمد المعرفة والتكنولوجيا يكون لديها تأثير على القرار الاقتصادي يفوق 80 في المائة، في مقابل الدول التي تعتمد على الثروات الطبيعية التي لا يزيد تأثيرها على القرار الاقتصادي أكثر من 20 في المائة”.

طفرة تكنولوجية منتظرة

وسجل طارق، أن العديد من المهن، التي لم تكن معروفة من قبل، ظهرت بفعل التطور الرقمي والتكنولوجي، وستظهر مهن أخرى أيضا، عما قريب، نتيجة لهذا التطور الرقمي والتكنولوجي.

وفي مقابل ذلك، لفت المتحدث ذاته، إلى أنه يرتقب أن تندثر بعض المهن الأخرى، إلى جانب تجاوز المعايير التقليدية للولوج إلى مناصب الشغل والاعتماد في هذه العملية على وسائل التواصل عن بعد والاشتغال عبر الانترنت، مما سيحتم على العالم أمام تنامي أنماط وأشكال العمل، الانتقال من عالم الشغل التقليدي إلى عالم تكنولوجي متطور.

وأشار أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني، إلى أن المغرب بدأ الحديث عن التحول الرقمي داخل الإدارة الإلكترونية منذ خمس سنوات، إلا أن الجائحة سرعت بشكل كبير من خطوات اعتماد الرقمنة، والدخول إلى العصر الإلكتروني.

وتعليقا على عزم الحكومة تداول مشروع مرسوم يؤطر العمل عن بعد، يرى بنسليمان، أن هذه الخطوة القانونية، ستحدث طفرة نوعية في الوظيفة العمومية، منوها بالمناسبة بجهود الحكومة التي وفرت جميع الوسائل لتمكين الموظفين من مزاولة مهامهم خارج مقرات العمل خلال مرحلة الحجر الصحي.

تعديل قانون الشغل

وأوضح بنسليمان، أن قانون الشغل، الذي لم يطرأ عليه أي تغيير في المغرب منذ سنة 2003، يحتاج اليوم إلى مواكبة التطور العالمي، والتفكير في قوانين جديدة تؤطر هذا التطور على مستوى أنماط الاشتغال إن في القطاع العام أو الخاص، مضيفا أن “آليات الاشتغال عن بعد تختلف عن آليات النمط التقليدي، مما يفرض البحث عن الإطار القانوني الملائم لحل العديد من الإشكاليات.

من جهته، دعا محمد طارق أستاذ القانون العامة بجامعة الحسن الثاني، إلى إدخال تعديلات قانونية على مدونة الشغل، تمكن المغرب من الانتقال إلى العمل الرقمي المعرفي، معتبرا أنه بالرغم من كون مدونة الشغل، تطرقت لموضوع “العمل في المنزل” إلا أنه لا يعني أبدا “العمل عن بعد”، حيث أشار إلى وجود فراغ تشريعي واضح على مستوى قانون الشغل وفي النظام الأساسي الوظيفة العمومية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.