عيد الأضحى وموسم الحج وتدابير رفع الحجر الصحي

محمد يتيم

دار مؤخرا بيني وبين أحد أصدقائي الخبراء في مجال الصحة والسلامة في الوسط المهني، حديث حول التدابير التي يتعين اتخاذها في المجال المهني، ودلف بنا النقاش إلى ما ستطرحه عدد من المناسبات والأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية، خاصة عيد الأضحى وأسواقه والحركة الاجتماعية المكثفة التي ترتبط به عادة، وهل ستفتح أسواق بيع الأضاحي أمام المواطنين أم سيتم اعتماد نظام  آخر مستبعدين فرضية إلغاء الأضحية لأسباب اقتصادية واجتماعية تتعلق بالدورة الاقتصادية وخاصة بالنسبة للكسابة وكل من يستفيد في هذه المناسبة من تلك الدورة.

 ثم توقفنا عند موسم الحج وعند التدابير التنظيمية والصحية التي نتصور أنه يتعين اتخاذها، فأوحى لي ذلك بهذا المقال ….

موسم العمرة الذي تهفو إليه قلوب المسلمين من أجل إدراك فضله الوارد في الحديث النبوي الشريف: “عمرة في رمضان تعدل خمس حجة ” أو “حجة معي”، ولذلك أصبحت مواسم العمرة في رمضان لا تقل إقبالا عن مواسم الحج ، كما كان رمضان هذه السنة رمضان بدون تراويح جامعة ودون صلاة عيد جامعة، وذلك في ضوء تدابير الحجر الصحي التي استلزمها الموقف.

 افتقد المسلمون مشاهد صلاة التراويح وصلاة القيام ومشاهد اكتظاظ باحة المسجد الحرام بالطائفين والركع السجود. كما تم تعليق الصلوات الخمس في المساجد عبر العالم وصلاة الجمعة.

وكان عيد الفطر على غير العادة  في السنوات السالفة مختلفا إذ لم يخرج الناس كبارا وصغارا ونساء ورجالا ليشهدوا دعوة الخير ومشاهد الجموع الغفيرة من المسلمين مهللين مكبرين متعطرين ولابسين أجمل الثياب، كما اكتفى المسلمون بمعايدات هاتفية أو “زيارات” رقمية، وتضررت مداخيل الأطفال الذين كان العيد عندهم مقترنا بالهدايا والعطايا المالية من الأقارب.

الأضحى والحج في سنة الجائحة ومخلفاتها

وعلى بعد بضع أسابيع على موعد عيد الأضحى المبارك وهو عيد له أبعاد دينية وأبعاد اجتماعية وأيضا أبعاد اقتصادية وهي أبعاد تتداخل وتتكامل في تقدير طريقة الاحتفال بهذه المناسبة وكيفية تدبير مقتضياتها في حالة رفع الحجر الصحي.

وينطبق الأمر على موسم الحج الذي هو  أكبر تجمع ديني في العالم في بقعة محددة في المكان والزمان، كما يشهد أكبر موجة من الحركة البشرية خلال يوم واحد ألا وهو يوم التروية ويوم الإفاضة من عرفات، ناهيك عن الحركة من المدينة إلى مكة ومنهما إلى المطارات وإليها وعبر الطرقات والوديان والشعاب.

التدابير المفترضة لموسم حج يضمن سلامة الحجيج

سيكون موسم الحج هذه السنة أكبر امتحان لمختلف الدول الإسلامية في تدبير عملية الحج، وسيكون القسط الأكبر ملقى أساسا على المملكة العربية السعودية.

ستكون السلطات الصحية والدينية في المقام الأول في هذا البلد في واجهة تدبير هذه الشعيرة خلال هذه السنة، من حيث ضمان شروط التباعد الاجتماعي في حالة إمضاء قرار تنظيم موسم الحج، وذلك من خلال تقدير عدد الحجيج، ويفترض أنه لن يكون هو نفس عدد الحجاج الذي كان يؤدي المناسك في السنوات الماضية، وذلك من أجل احترام تدابير التباعد الاجتماعي خلال الموسم وعبر مختلف تنقلاته ومشاعره، هذا إذا تم رفع تدابير الحجر الصحي عن موسم الحج هذه السنة.

قد يكون من المفيد بالنسبة للسلطات الحكومية المختصة في العالم الإسلامي اشتراط شروط خاصة بهذا السنة إذا تم الاتفاق على تقليص عدد الحجيج الاتفاق من قبيل الوضعية الصحية للحاج وشرط السن وعدم تعريض الأطفال والمسنين والحوامل لمخاطر الاختلاط خلال موسم الحج.

سيكون على علماء الدين من منطلق التيسير ورفع الحرج، الذي هو من أحد خصائص هذا الدين وخاصة خلال موسم الحج كما تواتر في عدد من توجيهات النبي صلى الله حيث إنه حين ما كان يسأل عن التقديم والتأخير في شعائر يوم العيد (الرمي والحلق والنحر) إلا ويجيب: “افعل ولا حرج”.

 سيكون من المفيد بيان ما هي الشعائر التي لا حرج إذا قدمت أو أخرت، وفتح باب التسيير (الفدية بالطعام أو النسك) بناء على ما هو مفصل في الفقه الإسلامي إذا اقتضى نظر السلطات الصحية أو اقتضت تدابير التباعد الاجتماعي أنه من المتعذر بالنسبة لجميع الحجيج  بكل الواجبات من غير الأركان.

ومن الممكن تقليص فترة إقامة الحجاج إلى أقل وقت ممكن إذ من المعلوم أن أركان الحج أي الإحرام الوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والإحرام، والسعي بين الصفا والمروة. يمكن أن تقضى في يوم واحد.

 وأن واجباته أي المبيت بمنى، والوقوف بالمزدلفة، وطواف الوداع، ورمي الجمرات يمكن أن تقضى في أقل من ثلاثة أيام علما أن منها ما يمكن أن يجبر بدم أو فدية، وأن ما عدا ذلك هو من السُنن التي لا يترتب على عدم أدائها بطلان الحج أو فدية من طعام أو نسك  من قبيل طواف القدوم، والتّوجه إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة.

وقد يكون من اللازم القيام  بتفويج دقيق يمكن من التناوب على مناسك الحج خلال أيامه ولياليه وساعات نهاره، وأن يتم وضع نظام وبطاقات رقمية وغير ذلك من الوسائل التي تساعد على ذلك وتسهله.

وقد يكون من المفيد بالنسبة لمن كانت له سابق عمرة أو زيارة للمدينة المنورة أن لا يؤذن له في ذلك بطريقة استثنائية خلال موسم هذه السنة.

وسيكون لكل ذلك تأثيراته على توقيت الرحلات الجوية والبرية وعلى شروط توفير كل ضمانات التباعد الاجتماعي وعلى المراقبة الصحية للحجيج قبل السفر مباشرة ( التشخيص ، كشف درجة الحرارة وغير ذلك ) …. وأيضا على الإقامة في الفنادق والسكن وعلى الحركة في المتاجر والأسواق.

وفي ذلك كله سيكون على المغاربة الذين قد يؤذن لهم في الحج، أن ينتظروا فتاوى المجلس العلمي الأعلى وفق مقتضيات الفقه المالكي في هذه النازلة كما كانت له فتوى فيما يتعلق بإقامة صلاة الجمعة والجماعة وصلاة التراويح وصلاة العيد.

وهي فقط أمثلة من عشرات الأمثلة التي هي دون شك  موضوع تفكير من السلطات القائمة على الحج في دولة الحرمين الشريفين، وفي الدول الإسلامية المعنية بسلامة حجاجها وسلامة مواطنيها عند العودة من موسم الحج إلى أرض الوطن .

عيد الأضحى لهذه السنة وتدابير التباعد الاجتماعي

أما النسبة لشعيرة العيد الأضحى شأنها شأن شعيرة الحج، وبالنظر لأبعادها الدينية والاجتماعية والاقتصادية، فإنها هي الأخرى تحتاج إلى تدبير متكامل يجتمع فيه النظر الديني (فتوى المجلس العلمي الأعلى برئاسة أمير المؤمنين) والتدبير الصحي والاجتماعي والاقتصادي ( السلطات الحكومية  المختصة).

ودون شك فإنه حتى ولو تقرر الرفع الجزئي أو الكلي للحجر الصحي في أفق موسم الحج وعيد الأضحى المبارك ، فإنه يتعين اصطحاب نفس المنهجية التي حكمت استراتيجية المغرب في تعامله مع جائحة كوفيد19 وتداعياتها التي تجعل صحة المواطن في المقام الأول، ووضعت خططا للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي مع الالتزام بالتدابير الوقائية والاحترازية اللازمة، في ظل التوجيهات السامية لملك البلاد أمير المؤمنين، رئيس المجلس العلمي  والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية .

سوابق تاريخية تم فيها تعطيل موسم الحج

 وتذكر كتب التاريخ أنه  وقع تعطيل موسم الحج في ما يقرب من أربعين مرة على مر التاريخ الإسلامي ومن هذه السوابق ما فعله القرامطة لأسباب ترجع لعقيدتهم الدينية حيث اعتبروه من بقايا أعمال الجاهلية بحسب ما ذكره الذهبي في كتاب تاريخ الإسلام بل إنهم اقتلعوا الحجر الأسود وحملوه معهم إلى البحرين

وفي سنة 375 ه لم يصل من  الحجيج إلا القليل إلى مكة بسبب انتشار الوباء كما يروي ذلك ابن كثير كما توقف الحج كم خراسان والعراق سنة ً 417 ه بسبب برد شديد جمد فيه الماء في دجلة والأنهار والسواقي على ما يذكره ابن كثير

وانقطع الحجاج المصريون في عهد العزيز بالله الفاطمي لشدة الغلاء، وفى سنة 419 هجرية لم يحج أحد من أهل المشرق ولا من أهل مصر، وفى سنة 421 هجرية تعطل الحج أيضا سوى عدد قليل من أهل العراق ركبوا من جمال البادية من الأعراب ففازوا بالحج، وفى سنة 430 لم يحج أحد من العراق وخراسان، ولا من أهل الشام ولا مصر

ومهما يكن من أمر، وإذ نأمل أن لا يتعطل موسم الحج هذه السنة لا يمكن لأي عاقل إلا أن يتخذ كل التدابير لتأمين صحي آمن لموسم الحج لأن حفظ النفس في هذه الحالات مقدم على حفظ الدين ، خاصة وأن مسألة الحجر الصحي مسألة معروفة في ديننا لقول النبي صلى الله عليه وسلم  “َاذا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا ” ولعمل المسلمين بهذا التوجيه على عهد عمر بن الخطاب في التعامل مع طاعون عمواس.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.