الشعر الأمازيغي في بعده الفلسفي عند مولاي علي شوهاد.. قصيدة “ماخ” نموذجا

عبدالله العسري

إذا كان الشعر أقدم من الفلسفة وذلك رجوعا إلى بعض الملاحم الشعرية القديمة من قبيل ملحمة “كَلكَاميش”  (حوالي 2000 ق.م) في العراق وملحمة ” أقهات ” (منتصف 1300 ق.م ) في سوريا، فإن ماهية كل منهما ما زال يكتنفها خلط ولبس، إذ ما هو الشعر؟ وما هي الفلسفة؟، والمتتبع لإنتاجات بعض الشعراء الأمازيغ يلمس بقوة توظيفهم لمواضيع فلسفية في نظمهم الشعري إما من خلال سلسلة من التساؤلات التي يطرحونها بأسلوب شعري أو تطرقهم إلى مساءلة الظواهر الطبيعية  لفك جملة من الرموز الحياتية التـي تؤرقهم .

وقبل شوهاد بسنوات غنى الشاعر التامري الحاحي “أحمد بيزماون” في بداية الثمانينات قصيدة بعنوان: “ماتا غيكادي؟” (ما هذا؟) استهلها بجملة من الأسئلة  قائلا :

ماتا غيكادي ؟ مايكا غايادي؟

يات  ها تياضي !!

ءار كا  ن حركي ،

زوند ءاكشودي ..

ماتا غيكادي ؟

ءاتبودل ءاخوتي دونيت ءيبادل ءاك ؤزمزي ،

ءيبادل ءيموريك  ءيبادل  كولشي لحسابي ،

ماتا غيكادي ؟

ؤلاه ءاسيدي ءاي ؤريرين ءاد ؤرين  ءاريغ تن تكرازي  ،

ءايايت  لمعنى د لعاقل مايكَا غيادي ؟

ترجمة :

كيف هذا ؟ وما هذا الذي أراه أمامي ؟

واحدة تلو الأخرى !!!

ها نحن نكتوي بالنار ،

كما يكتوي الحطب

ما هذا ؟

تغيرت الدنيا أيها الإخوة وتغيرت الظروف ،

وتغير الشعر وتغير كل شيئ

ما هذا ؟

والله من أبى أن يتوب سيحصد الندم ،

يا أصحاب العقول والرأي السديد ما هذا ؟؟

شوهاد يبدع في الشعر الفلسفي …

وفي القصيدة ” ماخ؟” يعرج الشاعر إلى عالم اللعب باللفظ ” ماخ؟ ” ( لماذا؟) ليصيغ منه أبيات شعرية رائعة  ذات معاني  متناسقة  ، إذ لا تختلف هذه اللفظة لكن سياقاتها تختلف من بيت شعري إلى آخر مما يوحي أنها ألفاظ تتنفس من رئة واحدة لتنسج لنا مشهدا فلسفيا  معقدا يخفي وراءه معان ودلالات …وبعد هذا هل نحن إذن أمام احتفاء الخيال بالشاعر ؟ أم أننا أمام هموم تؤرقه فنسجها شعرا بهذه الصيغة ؟ …أم أننا أمام رغبة لتشكيل وعي ابداعي  يتجاوز المألوف الشعري الأمازيغي ؟ ..هذا ما ستجيب عنه قصيدة ” ماخ ؟ “(لماذا؟) حيث يقول الشاعر شوهاد في مقدمتها :

ماخ غمكان ماخ غكاد ؟

ءيس ءيسرمي ماخ !!

ءسكاسن ءاد ءيسيكَيل ماخ ءينو وينون !!

كين ءيد ماخ ءيكَودين غ واكال ءار ءالان !!

ءيكا نيت ماخ لقاضي ؤر ءسمفاصل ماخ !!

ءيما ماخ يادلي دارمي ءاغا  فرون ؟

ءيرزم ييد يان لباب نكشم سرس ءينا ماخ ؟

ؤر ءيرور س ؤزلماض ؤر رورن س ؤفاسي

ماخ ءيزدي بدا داحمون  ف ؤغاراس

كَر سَا ءيغاراسن كَر مراوت تالاتين ءاغ ءيلول  ماخ ،

ءيكَن كيس والي تن يورون .

ترجمة :

” لماذا ” كذلك ” لماذا ” هكذا ؟

لقد أتعبني ” لماذا ” !!

سنين عديدة و ” لماذا “يَ  يبحث عن ” لماذا”كُمْ !!

وتراكمت ” لماذا “تٌ عديدة على الأرض تبكي !!

أضحى ” لماذا ” قاضيا ، غير أنه لم ينصف ” لماذا” !!

وأين يا ترى يُقاضَى ” لماذا” ؟

فَتَح لي بابا فولجته فخاطبني ” لماذا” ؟

ولم يفر لا إلى اليمين وإلى اليسار ..

” لماذا ” يتزاحم دوما على الطريق ..

بين سبع طرق وبين عشر تلال ولد ” لماذا ” ،

بل هناك يرقد من أنجبه ..

وقد لا يتحمل المتلقي العادي متابعة أطوار هذه القصيدة الفريدة من نوعها لأحد أهرامات الشعر الأمازيغي المعاصر، لكن مع ذلك مَن استطاع أن يتمالك حيرته ويحكم تركيزه على كل كلمة كلمة سيجد أن معاني كثيرة مبثوثة في النص ككل ، وكباقي النصوص الشعرية تظل قصيدة  “ماخ ” مفتوحة في وجه قراءات متعددة ، حسبنا أننا أوجدناها لكل شغوف للإبداعات الشعرية الأمازيغية ، ونمر إلى مواصلة قصيدة  “ماخ ” ..قائلا :

“ماخ ” ءينتلن  ئيزنزارن ءيسنتلن  ءايور

“ماخ ” ءاد يورون لهم “ماخ “ؤر ءيلي ماس

ءيلا “ماخ ” نوفاتيد دار ويلي ءاغ  ؤرونين   !!

هايي راد ءاويغ  “ماخ “ءينو فلغاون  وينون

ءاراد ءيد “ماخ ”  كرا دار”ماخ ” ءينا “ماخ ” نس

نسكر  يان “ماخ ” ءاد ءيكوتن  ؤكان  نموناس

ءاد نزوزف  ءازرف ءاكيس سول ؤر ييلي “ماخ “

ماد ءيسن “ماخ ” ليغت  ؤر ءيسن مات ءينان ؟

ترجمة :

” لماذا؟” هو من حجب أشعة الشمس وحجب القمر ،

” لماذا؟” هو من أنجب الهَمَّ ، و لا أمَّ له

” لماذا؟” عَمَّرَ كثيرا وجدناه عند آبائنا !!

ها أنا سأحمل ” لماذا؟” يَ  وأترك لكم ” لماذا؟” كُمْ ،

آتوا بـ ” لماذا؟” كُم ،  وليُفْصح كل بـ  ” لماذا؟” هُ ،

لنبدع ” لماذا؟” واحدا كبيرا  فنلتئم حوله

لنُزيل القناع على الحق ويُرفع عنه ” لماذا؟”

من يعرفْ ” لماذا؟” لمَّا لم يعرفه من قاله ؟

إلى أن قال متسائلا :

“ماخ ”  ؤر ءيسن ءامطا ءامر ءيغ كفان ءيريش  ،

ن تيط ءيزريتن ءييودم كفيتن ءيواكال ؟

ترجمة :

وهل ” لماذا؟” لا يعرف الدموع إلا إذا ،

سالت من العيون لتهوى على الأرض ؟

وختم الشاعر قصيدته بإشارات تعين المتلقي على استكناه  ماهية ” ماخ ؟” (لماذا ؟) ، إنه بشكل من الأشكال – يلمح شوهاد- هم يؤرق العباد  فهو ماهر فقط في صنع العقد والهموم ولا يحسن حلها  ..قائلا :

ماك ءيهولن ءاياضو دا ءيسوفن تالاتين ؟

ءار تْنتوت ءيغروبا  س تيلاس ن وامان

“ماخ ” ءيسمون كراض لحروف سرميناغ

“ماخ ” ءيلا كيك لهم نيك ءاغ  ؤر لان

مليي ماد ءيزوارن ليغ  حرا ءيتلالا “ماخ ” ؟

واش ءايكا “ماخ ” ءاد ءيسحرا تيميمت

ؤر ءيطاف “ماخ ” ءيضوضان ماتن ءيفسين

ءي سار ءيكرس ختيد ءيفسين ؤكان .

“ماخ ” “ماخ ” “ماخ ” “ماخ “…  “ماخ ” ؟

ترجمة :

ما بكِ أيتها الرياح العاتية ..من كل اشُّعَبِ  ؟

تسوقين الزوارق صوب ظلمات المياه

“ماخ” جمعته ثلاثة حروف أنهكتنا

” لماذا؟” يؤرقك الهم ولا يؤرقني ..

أروني من الأول لما بدأت ولادة ” لماذا؟” ؟

لئيم هو ” لماذا؟” حول حلونا إلى المر ،

لا يملك ” لماذا؟” أصابع يفك بها العقد

بل يعقد التي حلت من قبل .

لماذا؟  لماذا؟  لماذا؟  لماذا ؟…..لماذا ؟

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.