الحمدوشي يكتب: كفانا تبخيسا للسياسة!

عبد الإله حمدوشي

مؤسف ما يحدث للسياسة والسياسيين في هذا البلد الذي اختار أن يخط مساره نحو الديمقراطية بروية وتدرج ومراكمة.. مؤسف ما يتعرض له المنتخبون ورجال السياسة من تغييب وإقصاء وتشويه وتبخيس لأدوارهم، واحتقار لأدائهم، واتهامهم بالغياب عن جهود مواجهة جائحة كورونا.

ففي الوقت الذي يجب فيه العمل على تقوية مؤسسات الدولة، بما فيها تقوية دور الأحزاب في النهوض بالحياة السياسية، وتكريس الاختيار الديمقراطي عبر احترام إرادة المواطن المغربي في الانتخابات، أظهرت أزمة كورونا أن هناك تغييبا للدور الذي تقوم به الأحزاب السياسية ومنتخبوها، على مستويات عدة، خاصة على مستوى المساهمة في تتبع ومواكبة تنزيل الإجراءات والتدابير الاحترازية في إطار حالة الطوارئ الصحية التي تعرفها البلاد.

صحيح أن ما قامت به السلطات العمومية من مجهود كبير في عملية تنزيل التدابير الاحترازية، يستحق التنويه والإشادة، لكن بالمقابل، نجد أنه من غير المعقول أن يسعى البعض في وقت تحتاج فيه الدولة إلى مجهودات جميع مؤسساتها بدون استثناء، لمواجهة هذا الخطر الذي يتهددنا جميعا، إلى تحويل المؤسسات المنتخبة إلى مؤسسات صورية لا حاجة إليها، وتصويرها في شكل ديكور مُؤثِّث للمشهد السياسي ليس إلا.

في هذا الإطار، وجب الانتباه إلى أن بعض الحملات والدعوات المروج لها مؤخرا، تحمل في طياتها إشارات مهمة تترجم خلفياتها البعيدة عن احتمال الصدفة والاعتباط، خاصة تلك المتمثلة في خرجات بعض «المحللين السياسيين»، الذين خبروا حرفة تسفيه عمل الأحزاب وتبخيس أدوار المنتخبين، والتي يطالبون من خلالها بتسليم مفاتيح تدبير الشأن العام للتكنوقراط، الذي يعرف الجميع أن عديد المشاكل والاختلالات التي يعانيها المغرب اليوم، يقف وراءها بالضبط التدبير التكنوقراطي الخالي من روح السياسة والمفتقر للنفس الديمقراطي المؤطر بتعاقد تنتجه صناديق الاقتراع ويخضع لسلطة الرقابة الشعبية.

جميعنا تابع النقاش المثار مؤخرا حول طبيعة الحكومة التي ينبغي أن تدبر المرحلة القادمة لما بعد جائحة كورونا بإكراهاتها وتحدياتها، وكلنا شاهدنا كيف خرج علينا بعضهم فجأة وبلا سابق إشعار، للمناداة بحكومة تكنوقراطية بدل حكومة تفرزها صناديق الاقتراع، ضاربين بذلك الفصل 47 من دستور المملكة عرض الحائط، في مناورة مكشوفة تهدف إلى تبييض محاولة انقلاب على مقتضيات دستور 2011، كان يجري الترتيب له بالترويج الإعلامي وتغليط الرأي العام، في أفق توفير الأجواء المواتية للانقضاض على السلطة بأية طريقة كانت، مادامت المؤشرات المتوفرة تقول بإمكانية تصدر حزب العدالة والتنمية قادم الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما لا يريد مناهضو التيارات ذات المرجعية الإسلامية بالداخل والخارج معاودة حدوثه مجددا.

إن دفاعنا اليوم عن المنتخبين، هو دفاع عن مؤسسة البرلمان (السلطة التشريعية) بدرجة أولى، وعن ثوابت الدولة المغربية، باعتبار الاختيار الديمقراطي رابع ثابت يأتي بعد الدين الإسلامي والمؤسسة الملكية والوحدة الترابية. والديمقراطية ليست مجرد شعار اختاره المغاربة لغرض دعائي، بل هي آلية اعتمدوها لممارسة العمل السياسي والتنافس للوصول إلى السلطة عبر صناديق الإقتراع، كما هو متعارف عليه عالميا. فالمنتخب في الدول الديمقراطية نتاج عملية ديمقراطية اختاره من خلالها المواطن لخدمته، ثم محاسبته، إما بتجديد الثقة فيه مرة أخرى، أو بتغييبه عن المؤسسات واستبداله بمنتخب آخر.

ومنه، وجب التأكيد على أن التبخيس الذي يهدد اختيار بلادنا الديمقراطي، ليس في مصلحة الوطن، بقدر ما يخدم مصلحة النخبة المهيمنة على اقتصاد البلد، والمستفيدة من استقرار الوضع القائم على الريع والفساد السياسيين، وهو ما يستدعي وقف انحدار السياسة وتبخيسها، والعمل على استعادة الانتخابات لمصداقيتها، وتمكين الأحزاب من أدوات الممارسة السياسية السليمة، ومن استقلالية قراراتها. لأن إضعاف الأحزاب السياسية، سيضعف بكل تأكيد الجبهة الداخلية للبلاد، وهو ما يعني إضعاف مناعتنا أمام مختلف التحديات الداخلية والخارجية، الآنية والآتية البادية مؤشراتها في الأفق.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.