المنظومة الصحية المغربية بين تداعيات مواجهة الجائحة وأولويات ما بعد “كورونا”

في كل محنة تظهر منح ربانية، وفي خضم كل أزمة تظهر دروس وعبر وأولويات، وفي جائحة كورونا تبين فعلا أن أولويتنا الوطنية يجب أن تركز على مزيد من الاهتمام بالقطاع الصحي، حيث لم نجد في وقت الشدة الذي ارتهن فيه مستقبل بلادنا إلا أطرنا الصحية الوطنية.

وفي هذا الصدد، أكد الدكتور أنس العايض، الاختصاصي في طب المستعجلات والطب العام، أن فيروس كورونا أعاد إلى القطاعات الصحية والطبية  قيمتها، بعد أن كان كثيرون ينظرون إليها نظرة “غير محترمة”.

وفي تصريح لـ”مجلة العدالة والتنمية” في عددها 12 الصادر نهاية الأسبوع الماضي، قال العايض، إن “المنظومة الصحية بالمملكة، ستكسب أشياء كثيرة بعد هذه المرحلة، وستصبح أقوى بعد أزمة “كورونا”، مشددا على أن “قطاع الصحة سيخرج منتصرا من المحنة، وسيصبح قويا، وسيسعى المسؤولون إلى إعادة النظر في تعاملهم معه، وفي ترتيب الأولويات من أجل تحقيق الاكتفاء الوطني على مستوى قطاع الصحة، وإعطاء أولوية أكثر لإنشاء مستشفيات جديدة وتكوين أطر مناسبة، وتعزيز البحث العلمي والطبي، حتى يتمكن القطاع  من تلبية كافة احتياجات المواطنين”.

وقال العايض، إن المنظومة الصحية المغربية، ستعرف تطورا في السنوات المقبلة، لأنه على الأقل انتقلنا من حوالي 500 سرير للإنعاش قبل الجائحة، إلى حوالي 3 آلاف سرير متوفر حاليا، كما استطعنا اختراع عدة أجهزة تنفس متطورة، وتمكنت السلطات من إنشاء عدة مستشفيات ميدانية، مما سيشجعها على بناء مستشفيات ثابتة أخرى مستقبل الأيام.

معركة مع الوباء على الطريقة المغربية

وأوضح العايض، أن المغرب كان يعرف محدودية بخصوص تجهيزاته الطبية، خاصة أن الدول المتطورة وقفت عاجزة في مواجهة “كورونا”، لذا سارع إلى أخذ الدرس وفرض حالة الطوارئ الصحية، وجابه الفيروس بالطريقة المغربية، التي أثبت نجاعتها، مردفا أن بلادنا تمكنت رغم ضعف تجهيزاتها من ربح الوقت وتكييف إمكانياتها وتجنب السيناريو الأسوأ الذي سقطت فيه دول متقدمة طبيا.

وكمثال على النبوغ المغربي، ذكر العايض، أن منطقة الصخيرات تمارة، لم تكن تتوفر في بداية الأزمة إلا على حوالي 30 من البدل الطبية والألبسة الواقية ذات المواصفات الدولية الخاصة، مبينا أنه في ظرف قياسي تمكن المغرب من تغطية كل حاجياته من هذا النوع من الألبسة، وقام بتصنيعها محليا وهذا ينطبق أيضا على الكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها من التجهيزات والأدوات الطبية.

وأضاف طبيب المستعجلات، أن المغرب عمل أيضا على تقوية منظومته الصحية وتعزيز الطاقة الاستيعابية لمستشفياته، وإحداث مستشفيات ميدانية متطورة، إضافة إلى أنه لجأ أيضا إلى فتح باب المباريات أمام طاقات طبية جديدة لاستيعاب ما يستطيعه من طاقات وكوادر طبية رغم قلتها والاستعانة بالطاقات الطبية لضخ دماء جديدة في المنظومة الصحية للتمكن من تقديم المساعدة وعلاج الحالات المصابة بالفيروس الوافدة على المستشفيات.

ومن الأمور التي يجب معرفتها في هذا الصدد، يضيف الدكتور العايض، أن المغرب نجح في مواجهة الفيروس الوافد عبر أربع منظومات متكاملة: “الإقتصادية” و”الاجتماعية” و”الأمنية” و”الصحية”، حيث تمكن أيضا من إحداث لجان متخصصة لإدارة الأزمة والتنسيق في بينها لحماية المواطنين وتقديم المساعدة لهم.

رهان لا بد من كسبه

ويرى العايض، أنه بالإضافة لضرورة وأهمية المحافظة على المكتسبات، يجب الشروع في تقوية مستشفيات القرب والمصحات وبناء أخرى جديدة، وتزويدها بالمعدات الطبية الحديثة، إضافة لإعادة هيكلة المستشفيات وتصنيفها إلى مستويات والاشتغال على اللوجيستيك والمعدات، وإعداد كوادر طبية جديدة ومتخصصة في كل المجالات الطبية من “جراحين، ممرضين، ومروضين ومسعفين، وأخصائيين في الأشعة والكشف والتحليل المختبري”.

وعلى سبيل المثال، أشار المتحدث ذاته، إلى أن العديد من المستشفيات لم تكن تتوفر على أجهزة للتنفس، مردفا أن هذا الأمر كان يتسبب في موت المرضى الذين كانوا في أمس الحاجة للإنعاش عبر تلك الأجهزة، وتابع أنه استجابة لتجدي مواجهة الجائحة تمكن المغرب من صناعته محليا وبمواصفات عالمية ومتميزة، وهذا من الدروس المستفادة من الجائحة، التي أبانت على أن المغرب قادر على رفع التحدي وكسب الرهان.

تقوية المناعة الجماعية

واعتبر العايض، أنه لن يتم القضاء على الفيروس بشكل نهائي، إلا إذا توفرت لدينا مناعة جماعية، رغم أن  كلفتها تبقى صعبة للغاية ومقاربتها أصعب، مضيفا أن هذا يستوجب علينا في غياب لقاء مضاد، تقوية منظومتنا الصحية عبر ثلاث ركائز وهي المستشفيات والعامل البشري والوسائل اللوجيستيكية والمعدات.

وسجل الأخصائي في طب المستعجلات، من خلال تجربته الشخصية، أنه أثناء مرحلة الحجر الصحي، طفت إلى السطح أعداد هائلة من ذوي الأمراض المزمنة الذين توقفوا عن متابعة فحوصاتهم الطبية وعلاجاتهم بسبب الأزمة الناتجة عن انتشار فيروس “كورونا”، ولانشغال كل الطواقم الطبية في التصدي للوباء المستجد.

وقال في هذا الصدد، “كنت قبل الجائحة أعاين خلال سنة كاملة أربع إلى خمس حالات مصابة بجلطة الدماغ، بينما خلال فترة الحجر الصحي التي لم تتجاوز لحد الآن أربعة أشهر تقريبا، عاينت حالتين كل أسبوع خصوصا في بداية الأزمة، أما جلطات الرئة فقد كنت أعاين حالتين في السنة، وفي فترة كورونا فقط عاينت خمس حالات إصابة من هذا النوع، أما أزمات القلب فتضاعفت بشكل كبير قياسا بالفترات العادية”.

ولأن الجائحة أثرت على الخدمات الصحية واستنزفت الأطر الطبية، أطباء وممرضين، الذين تأثروا بالضغط الكبير، خصوصا أنهم كانوا أمام مواجهة غير متكافئة، ويشتغلون دون توقف ويلبسون اللباس الواقي طيلة الوقت، ويتعاملون مع مرض فتاك مجهول الهوية، يوضح المتحدث ذاته، فإن جهود الدولة تركزت بداية الأمر على حث المواطنين على الالتزام بالحجر المنزلي وطمأنتهم خوفا من انتقال العدوى في صفوفهم، وشرح وسائل وطرق الوقاية من الفيروس، خصوصا على المستوى الإعلامي قبل أن تتنفس الصعداء، وتعود للتنبيه على ضرورة عدم إغفال بعض العلاجات كالتلقيح بالنسبة للأطفال الحديثي ولادة، وضرورة أخذ الأدوية المضادة وإجراء الفحوصات اللازمة بالنسبة لذوي الأمراض المزمنة كمرضى القلب والسكري وغيرهم.

وشدد العايض، على أن المغرب استفاد من تجربة الدول المتقدمة طبيا ومن تجربتها في مواجهة الوباء، وكان ذكيا في التعامل مع الجائحة، وقال منذ البداية تعامل مع الوضع بطريقة استباقية وجادة من خلال الحجر الصحي العام وعدة تدابير أخرى، مضيفا  أن المستقبل واعد.

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.