تباشير الصباح في شعر مولاي علي شوهاد

عبدالله العسري

الصباح هو زمن  يحمل تباشير يوم جديديغمر الكون بالدفء وينشر البسمة، يأتي بعد أن طوى الليل قبله هموم  يوم مضى، إنه يوم جديد جاء لينشر في الجو عبقا سعيدا، ويضيئ الكون بوعد جديد،  للصَّباح عطر يفوح عبر نسيمه لا يدركه إلا من ذاق نعمة البكور، وها هو نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم دعا لأمته قائلا: “اللهم بارك لأمتي في بكورها” أي في أول نهارها وفي صباحها ليتسع هذا الوقت لأعمالهم التي يزاولونها ولتكون مباركة.

التفاؤل رمز الصباح المشرق..

وعلى مر الدهور ظلت نكهة الصباح حاضرة في حياة البشر، وخاصة لدى الشعراء الذين يتميزون برقة الاحساس ودقة التفاعل مع الزمن، ففي العصر الجاهلي، شكا أمرؤ القيس من طول الليل الذي أنزل عليه أنواعا من الهموم ، وناشده ليرحل ويفسح المجال لنور الصباح  قائلا:

وليلٍ كمَوجِ البحر أرخى سدولَه *** عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لمّا تمطّى بصُلبه *** وأردف أعجازًا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويلُ ألا انجلي *** بصبح وما الإصباحُ منك بأمثلِ
فيا لك من ليل كأن نجومَه *** بكل مُغار الفَتلِ شُدّتْ بيَذْبُلِ

أحب الشعراء التغني بالصباح لخلق سعادة وتفاؤل في أول النهار، إيمانا منهم أن هذا الصباح هو عنوان التفاؤل والسعادة، وقد فطن بذلك الشعراء الأمازيغ كغيرهم من عرب وعجم فنظموا قصائد صباحية تعبر عن جمالية الكون.

 ويُعد مولاي علي شوهاد من الشعراء الذين أبدعوا في وصف الطبيعة، واهتم شوهاد بأدق التفاصيل هو سحر الطبيعة في قصيدة قصيرة  له تحت عنوان “فال ؤمليل” (البشرى البيضاء)  حيث قال:

ءا فال ؤمليل ءاريح ن صباح ءاياس لجديدي

ءاد ءينكرن ءيكَاد تاضصا  غ ءيمي زود لُّوزي

ءا ماد ءينكرن ءيكاد تاضصا غ ءيمي زود لوزي

ءيكَد تالدرار ءيرعي واضو ن ؤجديكي

ترجمة:

يا لبشرى بيضاء ويا لريح صباح يوم جديد!

مشرق بثغور مبتسمة كاللوز،

ويا من فاق بثغور مبتسمة كاللوز!

مصادفا الربيع حيث امتزجت روائح الزهور،

ويواصل شوهاد تناغم كلمته الشعرية مع لوحة فنية طبيعية يرسمها الصباح الباكر في فصل الربيع، وهي تجسد معنى واحدا هو جمال الطبيعة وهدوءها  بكل مكوناتها المتحركة في  سمائها وأرضها على السواء، إنه بكل معاني الجمال صباح اختلط فيه عطر الزهور  وفاحت الروائح الزكية في كل مكان، وكان الجو صحوا ومعتدلا، غير بارد ولا حار،  تتنفس فيه الطبيعة كتنفس رضيع صغير، وعبرّ الشاعر عن تلك الجنة على الأرض قائلا:

ءا صباح  ن تالدرار ءيرعي  واضو ن ؤجديكَي

تولبوت  ن واس ؤر ترغ ؤر ءيل ؤسمِّيدي

زوند ؤنفوس  ن وازَّان مزين  غ ؤمزلوغي

ءا تولبوت  ن واس ءا لجنت ؤر ءيل ؤسميدي

ترجمة:

ويا صباح ربيع امتزجت فيه روائح الزهور!

في يوم معتدل لا بارد ولا حار،

كشهيق رضيع صغير في حمالته

ويا ليوم معتدل كالجنة لا بارد ولا حار!

واستطاع  الشاعر شوهاد أن يرسم لنا لوحة فنية رائعة بمادتها الأولية “الحناء”، حيث وظف أشعة الشمس الملقاة على الصخور وقت شروق الشمس، الذي تبتهج له نفوس كل مخلوقات الكون، من إنسان وحيوانات وطيور وفراشات، حيث يقول:

ؤر ءيل فاد ؤر ءيل لحما  ءيلا نيت ؤجيكَي

كَينت تمراغت سنات سنات زون ءيغ ييلين ءيزنكاضي

يوتن ءيفيل ن تافوكت  س لحنَّا ف ؤغوليدي

ءيميك س ءيميك ءايليغ ءيسِّيلي ءي لْبروجي

ترجمة:

لا عطش ولا حرارة والورد الجميل حولنا،

والصخور مصطفة مثنى مثنى كالغزلان،

وشروق الشمس أضفى على الصخور لونا كالحناء، 

وينتشر نور الشمس رويدا رويدا حتى بلغ الأعالي،

“تامدولت” ملهمة شوهاد…

ما أن أنهى شاعرنا من رسم لوحته الشعرية حتى ذكرته بالمدينة التاريخية “تامدولت”، التي بنيت في القرن التاسع الميلادي بالطوب الأحمر، على يد الأدارسة على ضفاف وادي درعة، جنوب شرق مدينة آقا بإقليم طاطا وقد  اختفت آثارها،  وتزاحمت الصور الفنية في دهن الشاعر مستحضرا جمال لوحات  بابلو بيكاسو الرسام العالمي والنحات كأعظم الفنانين وأكثرهم تأثيرًا في القرن العشرين، والمؤسس للمدرسة التكعيبية، ومن تم وأدار عيناه صوب الأفق فإذا بأسراب من الطيور محلقة في السماء في مشهد فني رائع ، وتساءل شاعرنا بقوة: أية لوحة  “بيكاسو” قادرة على أن تجمع لنا هذا الجمال الرائع ؟  قائلا:

تابيا نكتيد داغ تامدولت  داغ سول تبيد

وا كْلونْ ءيكَضاض ءيكَنوان كيوان د غيلي ءيقصادي

مان تالوحت  ن “بيكاسو”  غ راد ءيمون لخير ءادي؟

ترجمة:

وذكرني المشهد ببناية “تمدولت” يوم كانت قائمة،

ولونت الطيور السماء كل واتجاهه المقصود،

وأية لوحة ” بيكاسو” ستجمع لنا هذا المشهد الرائع؟

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.