العدالة والتنمية.. مدرسة النزاهة والشفافية

تعلمنا الأحاديث النبوية أن “كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”، وتعلمنا القواعد الفقهية أن “الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس”، وتعلمنا الحكم العربية أنه “كفى بالمرء فخرا أن تعد معايبه”.

استحضارا للحديث والقاعدة والحكمة وأمثالها مسألة ضرورية في تقييم سلوك الأفراد والجماعات، مع استحضار أنه فيما يتعلق بالأخطاء التي تدخل فيما يعرف الآن في الحياة الخاصة، فإن الأمر متروك فيه للتوبة الخاصة بين الإنسان وربه، فالله أفرح ما يكون بتوبة عبده من رجل فقد راحلته في صحراء قاحلة، فلما يئس من العثور عليها واستسلم للموت المحقق تحت ظل شجرة وجد بعد إغفاءة راحلته واقفة عند رأسه، ومن فرط فرحه أخطأ وهو يناجي ربه فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك بدل أن يقول اللهم أنت ربي وأنا عبدك.

حزب العدالة والتنمية لم يدع يوما ولا يمكن أن يدعي بأنه ملاك أو أن مسؤوليه ومناضليه ملائكة بل هم بشر ممن خلق يسري عليهم ما يسري على غيرهم من البشر حين  يتعلق بأخطاء في سلوكهم الشخصي أو في معاملاتهم ومسؤولياتهم  الفردية أو الاجتماعية العادية، كما أنه لم يدع يوما ولن يدعي أن أعضاءه ومسؤوليه محصنون من خرق مبادئ النزاهة والشفافية وهم يدبرون الشأن العام.

نقول هذا لمناضلي العدالة والتنمية كما نقول لغيرهم من المحبين والمتعاطفين  فيما يتعلق بالأمرين، لأن المسألة ترتبط بحقيقة بشرية ما فتئ القرآن يذكرها بها،  بل إن الله تعالى في محكم كتابه استدرك على النبي صلى الله عليه وسلم بعض تقديراته في عدد من المواقف والاجتهادات والتصرفات، كما استدرك على الجيل الأول نفسه، ودعا المؤمنين دعوة عامة إلى التوبة في قوله تعالى: “وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون”.

ومعناه في حالة مناضلي ومسؤولي العدالة والتنمية العمل المتواصل من أجل الامتثال لمقتضيات المرجعية الإسلامية في حياتهم الخاصة وفي ممارستهم للمسؤوليات العامة، والعمل الدائم على مراجعة أنفسهم وكسبهم على ضوء ذلك.

غير أنه فيما يتعلق بتدبير الشأن العام، فإن حزب العدالة والتنمية وضع قواعدا فيما يتعلق بالنزاهة والشفافية وآليات لضمان التزام المناضلين والمسؤولين الذين يتصدون له بتلك القواعد كما أنشأ  لجنة خاصة تتابع ذلك وتسهر عليه.

لقد استشكل البعض ما خلص إليه بلاغ الأمانة العامة الصادر بحر الأسبوع الذي ودعناه، من إقرار من جهة  بأن عدم التصريح بالمستخدمين خطأ، ومن التأكيد من جهة ثانية  بأن الأخوين المصطفى الرميد ومحمد أمكراز لم يخرقا قواعد النزاهة والشفافية.

 واستنتج بعضهم بطريقة آثمة أن الأمانة العامة للحزب قد حاولت تبييض صفحتهما وإخراجهما من المسألة كما تخرج الشعرة من العجين.

ومن أجل وضع النقاط على الحروف، ورفع ما قد يكون من استشكال في الجمع بين الأمرين خاصة عند المناضلين والمتعاطفين ولدى المنصفين ولدى الرأي العام الوطني،  فينبغي إقرار ما يلي:

أولا: إن قواعد النزاهة والشفافية كما وضعتها الأوراق المؤسسة لها وللجنتها تنصرف أساسا لما يرتبط كما أشرنا أعلاه لتدبير الشأن العام ومقتضيات تحمل المسؤوليات العمومية، ومعناه أن لجنة النزاهة والشفافية حين أكدت أن الرميد وأمكراز لم يخلا بمبادئ النزاهة والشفافية أنهما لم يضبطا متلبسين بممارسات فاسدة تتعلق بممارستها للمسؤولية العامة، ولو ثبت ذلك لما تأخر الحزب في ترتيب ما ينبغي أن يرتب عليه من خلاصات ونتائج.

ثانيا: يحق للحزب ومناضليه أن يفتخروا بالرصيد  المشرف لمناضليه ممن يتولون مسؤولية في مجال النزاهة والشفافية، وهو رصيد غني وكبير يمكن أن نرجع إليه بتفصيل، لا ينقص منه ما يمكن أن يصدر من بعض مناضليه من أخطاء فيما دون ذلك، حيث يسارع مناضلوه من تلقاء أنفسهم ومؤسساته إلى تصحيحها.

ثالثا: لقد أثبت حزب العدالة والتنمية  من خلال هده الواقعة أنه حزب مؤسسات يعلو فيه  منطقها وقوانينها وتعلو فيه أنظمته الداخلية  فوق كل اعتبار،  حيث يتساوى أمامها المناضلون مهما كانت مواقعهم التنظيمية أو الاعتبارية، حيث إنه في هذه النازلة، لم تمنعه مكانة الرجلين وموقعهما وتاريخهما النضالي المشهود لهما به، من عرضهما على لجنة النزاهة والشفافية للاستماع لهما، بل إن يدها كانت  طليقة في استجماع كل المعطيات المحيطة بالملفين بالاستماع لأشخاص آخرين ولإفاداتهم واتخاذ ما تراه من قرارات وتوصيات .

رابعا: إن ما صدر عن الأمانة العامة في بلاغها الأخير كان مبنيا على ما ورد في تقرير اللجنة التي عملت بكل استقلالية ودون تدخل من الأمانة العامة أو غيرها.

خامسا: إن حزب العدالة والتنمية يكون بذلك قد رفع سقف المنافسة عاليا في مجال احترام العمل المؤسسي ومساواة المناضلين أمام قوانينه وأنظمته، كما أنه لم يجد غضاضة في اعتماد خلاصات تقرير لجنة النزاهة والشفافية وتعميمها من باب استيفاء حق المواطن في المعلومة.

سادسا وأخيرا:  لقد تابعنا محاولات ركوب من قبل بعض الجهات غير المؤهلة في تقديم دروس في النزاهة والشفافية من أجل تصفية حسابات سياسية ضيقة مع حزب العدالة والتنمية بغية شيطنته، مقابل تغاضيهم مع سبق إصرار وترصد عما يقترفه غيره مما قد يصل إلى درجة الجريمة أو الجناية وخيانة الأمانة العامة .

نقول إن هؤلاء لا مصداقية ولا اعتبار لهم، ولا نعبأ بهم، لأنه ليس هناك إمكانية لإقناع من ساءت نيته كما قال الحسن الثاني رحمه الله. وفي المقابل تابعنا انتقادات موضوعية مبعثها الغيرة الوطنية الصادقة وتقدير الحزب مما جعل بعض أخطاء بعض مسؤوليه تكبر في عيونهم.

هؤلاء يستحقون منا كل الشكر وسيظل الحزب على الدوام منصتا ومتواصلا معهم،  لأن الحزب لم يعد ملكا لمناضليه  فقط بل كل المواطنين والخيرين الذين يأملون في مواصلة الإصلاح رغم صعوباته وإكراهاته، ونؤكد لهم أن الحزب سيظل كما كان مدرسة للنزاهة والشفافية .

افتتاحية العدد 14 لمجلة العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.