حوار.. بروحو: توجهات ومرتكزات قانون المالية التعديلي تستجيب للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الحالية

أكد عبد اللطيف بروحو، نائب رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، أن توجهات ومرتكزات قانون المالية التعديلي تستجيب بشكل كبير للتحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة في الوقت الراهن، مبينا أن مرتكزات قانون المالية التعديلي إضافة إلى الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الحكومة منذ بداية الجائحة “يمكن أن تسهم في استرجاع النشاط الاقتصادي عافيته في المدى المتوسط بشكل تدريجي وبأقل الخسائر الممكنة”.

وأضاف بروحو، في حوار لـ “مجلة العدالة والتنمية” في عددها 15 الصادر نهاية الأسبوع الماضي، أن قانون المالية التعديلي جاء بعد المتغيرات الجذرية التي عرفتها الفرضيات التي وضعت في قانون المالية 2020، مما جعله متجاوزا ويتعين تغيير محاوره المالية بالدرجة الأولى، إضافة إلى الحاجة لتضمين مقتضيات تهم ضمان استعادة القطاعات الاقتصادية لديناميتها تدريجيا، ومعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة.

وهذا نص الحوار كاملا :

في البداية نريد أن نعرف الإطار المرجعى الدستوري والقانوني المنظم لقانون مالية تعديلي؟

يجب التأكيد بداية على أن تقديم مشروع قانون مالية معدِّل لقانون المالية 2020 لحظة دستورية بامتياز. وهو نص ينطلق من تغير الأسس المرجعية لقانون المالية للسنة الحالية، ويتضمن عناصر السياسة الاقتصادية لمواجهة آثار الجائحة، والسياستين المالية والضريبية.

فإذا كانت الفرضيات والتوجهات الأساسية التي حكمت قانون المالية 2020 قد أصبحت متجاوزة في ظل الوضعية الاقتصادية والمالية الحالية، مع تغير جذري في توقعات النمو الاقتصادي ونسبة عجز الميزانية ونسبة المديونية، فإننا كنا أمام ضرورة عرض هاته التوجهات والفرضيات الجديدة أمام المجلس الوزاري، وذلك طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، قبل أن يتم اعتماد مشروع قانون المالية التعديلي في المجلس الحكومي طبقا لمقتضيات لقانون التنظيمي للمالية.

فالمادة الثانية من القانون التنظيمي للمالية تصنف هاته الوثيقة ضمن أصناف قوانين المالية، والمادة الرابعة تتعلق بضرورة اللجوء لمثل هاته الآلية التشريعية لتعديل قانون المالية السنوي. كما تحدد المادة 51 الشكليات المتعلقة بمسطرة التصويت وآجاله والتداول بين مجلسي البرلمان.

ما الخصوصية التي تميز مراحل المصادقة على القانون المالية التعديلي؟ هل هي نفسها تلك المؤطرة لقانون المالية العادي؟

مبدئيا يخضع مشروع قانون المالية المعدل لنفس المسطرة المطبقة على قانون المالية السنوي، مع بعض الخصوصيات المرتبطة بالآجال وبمضامين وبشكليات وبخصوصية هذا المشروع.

فمسطرة الإعداد من قبل وزير المالية تحت إشراف رئيس الحكومة والتقديم أمام الجلسة المشتركة لمجلسي البرلمان  تبقى نفسها، غير أن الأجل المخصص للدراسة والتصويت في كل من مجلسي البرلمان ومضامين وطبيعة مشروع القانون التعديلي تميزه عن القانون الأصلي.

فعدم وجود الميزانيات القطاعية وتقارير الأداء المرتبطة بالقطاعات الوزارية، وتقلص آجال الدراسة بمجلسي البرلمان، يجعل لجنة المالية مختصة بشكل منفرد بالدراسة  والتصويت على مشروع قانون المالية التعديلي، لكن طريقة التصويت في اللجنة وفِي الجلسة العامة تبقى نفسها بالنسبة للصنفين معا.

لماذا قانون مالية تعديلي وما درجة الحاجة إليه في هذه الظرفية؟

تبعا لما ترتب عن هاته الظرفية الصعبة من آثار اقتصادية ومالية واجتماعية واضحة، فإن الفرضيات الأساسية والتوقعات المالية تغيرت جذريا، فنسبة النمو ستصبح سالبة -5% بعد أن كانت إيجابية في قانون المالية للسنة. وهذه النسبة التي تعكس دينامية النشاط الاقتصادي، والمتحكمة في الموارد العمومية، ستغير جذريا توقعات موارد الميزانية العامة التي ستنخفض بما لا يقل عن 20%.

وهاته المتغيرات الجذرية تجعل قانون المالية لسنة 2020 متجاوزا ويتعين تغيير محاوره المالية بالدرجة الأولى، إضافة إلى الحاجة لتضمين مقتضيات تهم ضمان استعادة القطاعات الاقتصادية لديناميتها تدريجيا، ومعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة. وهو ما يجعل اللجوء لقانون مالية تعديلي ضروريا وليس فقط مبررا، على اعتبار أن تعديل مضامين القانون الأصلي لا يمكن أن يتم إلا بقانون مالية معدِّل.

ما الفرضيات التي بني عليها مشروع قانون المالية التعديلي؟ وكيف تقرؤون الفرضيات الجديدة؟

تبعا لمراجعة الفرضيات والتوجهات والتوقعات المرتبطة بالوضعية الاقتصادية والمالية، فيتوقع أن يعرف النمو الاقتصادي تراجعا ليحقق نسبة سلبية-5% عِوَض 3,7% التي كانت متوقعة لهذه السنة، وهو فارق كبير جدا على مستوى الناتج الداخلي الخام، ويعكس حجم الضرر الذي لحق بالاقتصاد الوطني.

وتراجع النمو الاقتصادي يعني أن حجم الاقتصاد الوطني سيتقلص بشكل سلبي، ولن يكون قادرا على خلق القيمة المضافة وإحداث مناصب الشغل، بل إن الأمر قد يؤدي لفقدان جزء من مناصب الشغل الحالية، وهو ما يزيد من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية.

ومن جانب آخر، ستحتاج القطاعات الاقتصادية المتضررة لبعض الوقت لاستعادة ديناميتها المعهودة، وهاته الفترة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين ونصف في المتوسط، حسب نوعية القطاعات وحجم الأضرار ومدة التوقف، وكذا مدى قدرتها على امتصاص الصدمات، وأيضا على مدى وسرعة تعافي الاقتصاد العالمي.

ومن جانب آخر، يتوقع انخفاض الموارد العمومية بنسبة إجمالية تقترب من 20%، وهي أيضا نسبة سلبية عالية تؤثر على البرمجة الميزانياتية بشكل كبير، وهو ما جعل توقع عجز الميزانية المتوقع يرتفع إلى -7,5بعدما كان في حدود -3,5% في قانون المالية لهذه السنة.

ما المرتكزات التي ارتكز عليها قانون المالية التعديلي؟ وكيف ترون أهميتها في إنعاش الاقتصاد الوطني؟

بالنظر لحجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الوطني، وأثر ذلك على القطاعات الاجتماعية، فقد بدت الحاجة ملحة للتركيز بشكل أساسي على ثلاثة مرتكزات أساسية تؤطر مشروع قانون المالية التعديلي.

ويمكن القول هنا بأن هاته التوجهات والمرتكزات تستجيب بشكل كبير للتحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة في الوقت الراهن، خاصة أمام الأثر العميق لتعطل الآلتين الإنتاجية والاستهلاكية خلال فترة الحجر الصحي والذي سيستمر جزئيا خلال الشهور مقبلة.

فإضافة إلى تسريع الإصلاحات الإدارية، كان من المفيد التركيز بشكل أساسي على مواكبة الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي، إضافة إلى هاجس الحفاظ على مناصب الشغل، باعتبار أن آثار توقف القطاعات الإقتصادية تحد بشكل مباشر من القدرة التشغيلية لمختلف القطاعات الاقتصادية، مما يعني بالضرورة تأثيرا سلبيا على مناصب الشغل الموجودة والمحدثة على حد سواء وعلى القدرة الشرائية للمواطنين.

هناك مجموعة من الإجراءات التي جاء بها مشروع قانون المالية التعديلي للاشتغال على المرتكزات الثلاث، ما هي هذه الإجراءات وكيف ترون نجاعتها في المدى القريب والبعيد؟

هناك العديد من التدابير والإجراءات المندرجة في هذا الإطار، ويتعلق الأمر من جهة بالتدابير التي اتخذتها لجنة اليقظة الاقتصادية وتم ترسيمها وضمان استمراريتها في قانون المالية التعديلي.

ومن جهة ثانية بالإجراءات المندرجة في مجال السياسة النقدية، ويتعلق الأمر بتخفيض نسب الفائدة المرجعية وضمان الدولة للقروض اللازمة لتمويل المقاولات وتمكينها من استئناف أنشطتها، وهي كلها أدوات تنسجم مع السياسة الاقتصادية المعتمدة من قبل الحكومة لمواجهة آثار الجائحة.

كما تعتزم الحكومة إعادة هيكلة صندوق الضمان المركزي وتحويله لبنك للمقاولات، وهو إجراء استراتيجي جد مهم لتمكين الدولة من آلية مالية وبنكية للشراكة وتحفيز وإنعاش القطاع الخاص.

هل يمكن اعتبار بعض الإجراءات التي جاء بها مشروع قانون المالية التعديلي من قبيل تحديد المناصب المالية العمومية، وتخفيض ميزانيات (الموجهة للجماعات الترابية مثلا) هي اجراءات تقشفية؟

يجب التمييز هنا بين الإجراءات الآنية والعاجلة المرتبطة بالأشهر المتبقية من السنة المالية الحالية، والتدابير ذات البعد الاستراتيجي التي تستهدف إعادة النظر في طرق التدبير المالي العمومي. وفِي كلتا الحالتين لا توجد أية مؤشرات على اللجوء لسياسة انكماشية، أو ما يعبر عنه بالتقشف.

فتجميد التوظيف إجراء مؤقت واستثنائي ومرتبط بالفترة الحالية، أما مناصب الشغل المفتوحة بالميزانية فستبقى مفتوحة ولن تلغى بأي حال من الأحوال، وسيتم استعمالها لفتح مباريات التوظيف ابتداء من فاتح يناير  لغاية نهاية يونيو 2021 طبقا لمقتضيات القانون التنظيمي للمالية، لذا فإنه يمكن الحديث عن تأجيل عمليات التوظيف بسبب الوضعية الحالية وليس إلغاؤها.

أما موارد الجماعات الترابية فستتعرض لانخفاض كبير في مواردها الذاتية والمحولة، وهذا أمر متوقع بالنظر للظرفية الحالية وتوقف الأنشطة الاقتصادية. كما أن حصتها من الضريبة على القيمة المضافة ستعرف بدورها انخفاضا تبعا لانخفاض موارد هاته الضريبة على مستوى ميزانية الدولة. وهو ما سيضغط على ماليتها بشدة خلال السنوات المقبلة ويحد من قدراتها التدبيرية والتنموية.

هل يمكن لهذه الإجراءات أن تنعش الاقتصاد في المدى القريب؟ وماذا لو تغيرت المعطيات في ظل التحولات التي تفرضها الحالة الوبائية غير المستقرة حيث نجد مثلا فرنسا عدلت قانون ماليتها عدة مرات؟

أعتقد بأن المنهجية المتبعة من قبل الحكومة لمواجهة آثار الجائحة كانت فعالة ومشجعة، ومن شأنها ضمان أفضل السبل للاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي بالمملكة، إضافة إلى نجاعة التدابير لإعادة إطلاق دينامية تشغيلية، تضمن الحفاظ على معظم مناصب الشغل الحالية التي تتهددها مخاطر حقيقية في ظل الركود الاقتصادي.

ولا أعتقد أننا سنكون في حاجة لمراجعة هاته المرتكزات والتوجهات الأساسية، بالنظر لفعالية هاته المنهجية التي ذكرتُها، ولقرب تقديم مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، والذي شرعت الحكومة فعليا في إعداد معظم محاوره ومضامينه.

ووضعنا الحالي قد لا يحتاج لمراجعة جذرية لهاته المرتكزات، خلافا لما حدث في فرنسا التي سارعت باعتماد قانون مالية تعديلي في بداية إغلاق الاقتصاد، وفِي غياب أية رؤية لحجم الخسائر المحتملة ولمدة توقف الاقتصاد وللمدة التي سيتطلبها إعادة إطلاق الدينامية الاقتصادية، لذا كانت مضطرة لاعتماد قانون تعديلي آخر قبل شهرين، وهي بصدد اعتماد قانون مالية تعديلي ثالث.

كيف تستشرفون أفق الاقتصاد الوطني، بناء على مدى قدرته على امتصاص الصدمات الاقتصادية وبناء على الإجراءات التي قامت بها الحكومة إلى حد الآن؟

أعتقد أن الفعالية والنجاعة اللتان أبانت عنهما الحكومة في تدبيرها للوضع الحالي سيساعدها على تنزيل إجراءات وتدابير اقتصادية ومالية ونقدية لمواكبة الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي وإنجاحه.

فمواكبة الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي وإعادة إطلاق الدينامية الإنتاجية سيخفف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، ومن شأنه ضمان عودة الآلتين الإنتاجية والاستهلاكية، واللتين تعتبران أساس النمو الاقتصادي الذي سيتضرر بشكل كبير خلال الفترة الحالية.

لكن بالمقابل لا يكفي هنا الاقتصار على التدابير التي تضمن التمويل البنكي للمقاولات، وإنما تكلفة التمويل تمثل تحديا حقيقيا أمام السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة النقدية (بنك المغرب)، وستحتاج القطاعات الاقتصادية المتضررة لتخفيض فعليا تكلفة هذا التمويل لأدنى حد ممكن.

كما تتطلب الوضعية انخراطا فعليا لمنظومتنا البنكية في مجهود مواجهة وتخفيف آثار الجائحة على القطاعات الاقتصادية المتضررة.

وأعتقد أن السياسة النقدية التوسعية يمكنها أن تلعب دورا حاسما في إنجاح ورش مواكبة الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي والحفاظ على مناصب الشغل، وذلك إذا ما انسجمت مع السياستين الاقتصادية والمالية اللتان اعتمدتهما الحكومة بفعالية ونجاعة، ويمكن للنشاط الاقتصادي أن يسترجع عافيته في المدى المتوسط بشكل تدريجي وبأقل الخسائر الممكنة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.