حوار.. اليازغي: تحولات جوهرية ستعرفها كرة القدم العالمية ما بعد جائحة كورونا

أكد منصف اليازغي، الباحث في السياسات الرياضية، أن كرة القدم العالمية ستعرف تغيرات وتحولات جوهرية ستمس بالخصوص المنظومة القانونية للاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” تراعى فيه هذه الظروف الاستثنائية التي لم تعرفها الرياضة العالمية حتى في عز الحربين العالميتين.

وأضاف اليازغي، في حوار مع pjd.ma، أن الرياضة الوطنية تأثرت بدورها كباقي الرياضات العالمية، وبالخصوص كرة القدم الوطنية التي ستستأنف منافساتها نهاية هذا الشهر، مشيرا إلى أن تداعيات الجائحة كانت أقل على البطولة والأندية الوطنية “ليس لأن كرة القدم المغربية محصنة أو لديها مستوى عال في التدبير والنجاعة المالية، إنما يتعلق الأمر بأن أغلبية الأندية المحترفة تعتمد على الدعم العمومي بشكل كبير”.

وهذا نص الحوار كاملا:

ما قراءتكم لتداعيات كورونا على الرياضة بصفة عامة، وعلى كرة القدم بصفة خاصة دوليا ومحليا؟

أولا، نؤكد أن جائحة كورونا ليست كغيرها من الأزمات السابقة، إذ عرف العالم سابقا أزمات وكوارث وحروب، لكن لم تصل إلى هذه الحدة التي توقفت معها كل الأنشطة الرياضية، فحتى أثناء الحربين العالميتين نُظمت بطولات رياضية، فهذه سابقة لم يتوقعها أحد، بل أكثر من ذلك، لا يعرف أحد متى وأين وكيف سينتهي هذا الوباء.

أكيد أن هذه الجائحة كانت لها تداعيات، فيكفي أن نتحدث عن الدوريات الأوربية الخمسة الكبرى (اسبانيا، المانيا، فرنسا، ايطاليا، ثم انجلترا) التي تكبدت في الشهر الأول من الجائحة خسائر بلغت 5 مليار أورو، فيما بلغت خسائر الدوري الانجليزي لوحده حوالي 2 مليار أورو، وبالتالي كانت رغبة هذه الدوريات كبيرة في العودة السريعة للتنافس ولو بدون جمهور من أجل تفادي خسائر كبرى ستمس أيضا المعلنين والمستشهرين.

إلى جانب ذلك، أعلنت دوريات أوربية موسما أبيضا مثل هولندا، فيما أعلنت أخرى إتمام الموسم كما حصل في دوريات انجلترا وألمانيا وايطاليا واسبانيا وغيرها، فيما اختارت أخرى تتويج المحتل للصف الأول كبلجيكا وفرنسا، لكن هذا القرار لم يكن سهلا، ففي فرنسا مثلا رفع فريق ليون دعوى قضائية أمام مجلس الدولة الفرنسي بدعوى أن قرار تتويج “باريس ان جرمان” ليس قانونيا، وأنه حال بينه وبين احتلال الصفوف المؤهلة للدوريات الأوربية، أما في أسفل الترتيب ففريق تولوز احتج باعتبار أن إنهاء الموسم حكم عليه بالعودة إلى القسم الثاني، وانه كان بالإمكان في الدورات المقبلة أن يحافظ على مكانته في القسم الأول، وبالتالي اختلفت الحلول والقرارات ولكل قرار تداعياته وأيضا سلبياته وإيجابياته.

على المستوى الوطني، كان قرار المغرب جريئا، ولم يكن محل نقاش، فكان المغرب من البلدان الأولى عالميا التي أوقفت النشاط الرياضي تفاديا لانتشار الوباء، لكن هذا القرار يجعلنا نطرح سؤالا آخر مرتبط بكيفية إنهاء الموسم الرياضي في مجموعة من الرياضات، فالإشكال بالمغرب على مستوى الرأي العام أو الإعلام الرياضي هو الحديث فقط عن كرة القدم كأن المغرب فيه كرة القدم فقط، وهذا فيه إجحاف في حق باقي الرياضات الأخرى.

في المغرب، وعلى مستوى البطولة الوطنية، فتح نقاش هل يتم إنهاء الموسم بتتويج فريق الوداد الرياضي بكل ما يستدعيه ذلك من أضرار للفرق الأخرى أو الإعلان عن موسم ابيض، وبالتالي الإضرار بالفرق التي تريد الصعود أو الفرق التي تحتل ترتيبا متقدما وتبحث عن المشاركات الإفريقية والمنافسات الأخرى، ولكن في الختام تم اتخاذ قرار العودة مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الإحترازات والتدابير، وتسجيل، أنه، ومنذ إعلان الحجر الصحي إلى تاريخ اتخاذ قرار استئناف البطولة الوطنية سُجّل الغياب الكلي للجامعة التي أبانت في هذه الفترة عن ضعف في التواصل، إذ لم تعقد أي اجتماع رغم انه مرت مدة طويلة طرحت فيها الكثير من النقاشات والإشكالات وتساؤلات المتابعين والرأي العام الوطني.

الملاحظ أن الاتحادات الوطنية والدولية كانت بين نارين، نار التوقف ونار الاستمرار بهذا الشكل الذي تغيب عنه الفرجة والحماس الذي يخلقه الجمهور؟

في حالتنا هذه ووضعنا الاستثنائي لا يجب أن نفكر في الجمع بين الحسنيين، أن تكون هناك مباريات ويكون هناك جمهور وحماس وشغف، نحن نعيش حالة استثناء، والاستثناء لا حكم عليه، فلابد أن نضحي ببعض الأشياء لنضمن على الأقل استمرار بعض القطاعات بأقل الأضرار، فنحن نعيش حالة اضطرار، فالمفروض أن تكون التضحية في بعض الأشياء، إلى درجة التضحية بلحظات الفرح عند تسجيل الأهداف مثلا وهي لحظة العناق بين اللاعبين، إذن الأمر عادي جدا بالنسبة إلي لأنه يتعلق بحالة استثنائية.

أظهرت جائحة كورونا أن فئة عريضة من الفاعلين في المجال الرياضي من مسيرين وأطقم ولاعبين تضرروا اجتماعيا، هل عرت كورونا وضع الرياضة ببلادنا؟

كورونا فضحت أشياء كثيرة، ففي الجانب الاجتماعي هناك عدة مغاربة لم يكونوا مسجلين في الضمان الاجتماعي، والأمر فوت عليهم فرصة الاستفادة من دعم صندوق مكافحة الجائحة، ونفس الأمر بالنسبة للقطاع الرياضي المغربي، إذ كان المفروض أن يكون القطاع مهيكلا، قطاعا منتجا قادرا على تحمل الأضرار التي تصيبه من حجم كورونا.

 إن تحدثنا عن الرياضة، وكرة القدم بالخصوص فالضرر لم يكن كبيرا، ليس لأن كرة القدم المغربية محصنة أو لديها مستوى عال في التدبير والنجاعة المالية، إنما يتعلق الأمر بان أغلبية الأندية المحترفة تعتمد على دعم الجامعة المغربية لكرة القدم وذلك في إطار حصتها من عائدات النقل التلفزيوني، وأن هذه الأندية تستفيد من دعم الجماعات الترابية، إذن فهي موارد قارة من طرف الدولة حتى جامعة كرة القدم التي تعتبر أكبر ممول لهذه الأندية، فهي بدورها تعتمد على الدعم العمومي كبنك المغرب والمكتب الشريف للفوسفاط، مع تسجيل استثناءات لفرق تعتمد إضافة للدعم العمومي على عائدات جماهيرها كالوداد والرجاء، اللذان يعتمدان على مداخيل الجمهور، ففي مباراة واحدة يمكن أن تترك الجماهير في خزينة أحد الفريقين ما مجموعه 3 مليون درهم، في حين أن مداخيل الفرق الأخرى لا تغطي حتى مصاريف إقامة تلك المباراة.

ويمكن أن نضيف إلى هذا كله، أن الأندية في هذه الظرفية استفادت من المنحة التي قدمتها الجامعة التي وصلت لـ 400 مليون سنيتم، لكن هذا كله لا ينفي ضرورة هيكلة القطاع وتسجيل جميع اللاعبين في صندوق الضمان الاجتماعي، وأيضا مراجعة القوانين المنظمة للجامعة والمنظمة للعلاقة بين اللاعب والنادي لتجنب أي مفاجآت مستقبلية.

في نظركم كيف ترون واقع الرياضة ما بعد الجائحة ما الذي سيتغير بعد كل هذا الذي خلفته كورونا خاصة على اقتصادات كرة القدم الدولية؟

مما لاشك فيه أنه سيتم الحديث عن الرياضة قبل كورونا والرياضة ما بعد كورنا، وهي نفس المقولة عن العالم ما قبل أحداث 11 سبتمبر وما بعد تلك الأحداث مع اختلاف السياقات طبعا، فهناك تغييرات كبيرة ستعرفها الرياضة العالمية، أولها، مرتبط بالترسانة القانونية، لماذا؟ لأن قوانين كل الاتحادات الدولية والاتحادات الوطنية لا تتضمن بندا عن ماذا ستفعل هذه الاتحادات حين وقوع وباء مثل وباء كورونا، فالعقود المبرمة بين الفرق واللاعبين والفرق والمستشهرين لم تتضمن المسؤولية المدنية والمالية في حالة حصول وباء، إذن ستكون تغييرات على مستوى القانون، وثاني هذه التغييرات، تتعلق بمستجد تدبير بعض الإجراءات الرياضية عن بعد، فمثلا في كرة القدم بعض الأندية قامت بمتابعة تداريب بعض لاعبيها عن بعد من خلال تتبع النظام الغذائي وبعض التداريب فرغم أن هذه المحاولة لن تعطي نتائج كاملة لكنها على الأقل جنبت الفرق خسائر أكبر، إذن فتدبير النشاط الرياضي عن بعد سيكون ناجعا، إن اشتغلت عليه الأندية والقطاع الرياضي بشكل جيد في المستقبل.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.