حتى يكون الوطن هو الفائز في الاستحقاقات القادمة

فتح تشاور حول الانتخابات القادمة يعطي إشارة واضحة أن بلادنا حسمت قرارها بجعل سنة 2021  سنة انتخابية بامتياز، بتوقيع المواعيد الانتخابية كلها في توقيتها الدستوري، وتكون بذلك  قد اختارت بوعي وإرادة الانسجام مع روح الدستور ومنطوقه، والنظر الى الموعد الانتخابي ليس كموعد عابر في الحياة السياسية، ولكن باعتباره جوهرا أساسيا لمضمونها المفترض أن يكون ديمقراطيا، ودليلا على الالتزام الواعي والإرادي بمناطات التنزيل الديمقراطي والسليم للدستور.

ما يرشح عن مقترحات البعض فيما يخص تعديل القوانين الانتخابية، يقدم إشارات مقلقة في اتجاه تعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة وفي صدقية العملية الانتخابية، مما يكشف على أن “داء العطب قديم” في الفاعل السياسي ذاته، فمن المفروض أن يكون هاجس الفاعلين الحزبيين  منصبا على كيفية ربح رهان المشاركة السياسية وتقويتها واستعادة أدوار الأحزاب السياسية ودورها في التأطير مما يقتضى احترام هذه المنطق ولو لم يكن يخدم المصالح الانتخابية لهذا الطرف أو ذاك، مما يقتضي ضخ جرعات من الجاذبية على العمليات الانتخابية المقبلة، لكن ما يتداول  من “اقتراحات” يدعو لها البعض فيما يتعلق بمراجعة القوانين الانتخابية يدل على العكس، وسيمثل اعتمادها  ردة عن المكتسبات التي تحققت منذ أن فتح المغرب ملف “التناوب الديمقراطي”، ورفع شعار احترام “المنهجية الديمقراطية”.

 فبعد أن فشلت على ما يبدو عملية “دوباج” في خلق منافسة في الحقل السياسي، ينسب إلى بعض مكونات المشهد الحزبي أطروحات في غاية العبث بالقوانين الانتخابية ذاتها، ومنطقها الديمقراطي والمبادئ العامة التي تحكمها في العالم وفي التجارب  المقارنة، أي عبث أكبر من أن نجعل من لم يصوت إما مقاطعةً أو تهاوناً أو لسبب ما، يتحكم في مخرجات العملية الانتخابية، ويكون  “لا صوتُه” لاغيا لأصوات من تجشم واقتنع بالعملية الانتخابية وأدلى بصوته؟!
أي عبث أكبر من أن يكون احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، في حين أنه في العالم بأسره هناك ما يشبه الإجماع على أن من لم يصوت فلا قرار له ولا سلطة له بالتبع على نتائج ومخرجات العملية الانتخابية؟!

أي عبث أن يتطوع البعض باقتراح الزيادة في عدد مقاعد البرلمان في هذا التوقيت بالذات، وأي رسالة سياسية نوجهها للمغاربة بخصوص المؤسسة التمثيلية التي تعاني أصلا من كل أصناف التبخيس سواء منه ذلك الذي يجد له ما يشهد له في ممارسات البعض أو مما هو مواقف رافضة أصلا لفكرة التمثيل السياسي؟

أي رسالة توجهها فكرة تقليص تمثيلية الشباب ولائحتهم الوطنية ومقترح فتح المجال في  ما “سمي بالكفاءات” غير إرسال رسالة مفادها تنفير الشباب من العمل السياسي والانتماء الحزبي واعتباره طريقا غير سالكة، وحجز مقاعد آمنة لبعض الرموز والقيادات الحزبية دون النزول لأرض الميدان لإقناع المواطنين على أرض الميدان وفي الدوائر؟

أي رسالة معاكسة وسيئة للغاية يقدمها أصحاب المقترح، تقول لمن عقد العزم  للمشاركة في الانتخابات المقبلة،  أن لا فائدة من صوتك، وأنه لن يغير من الواقع شيئا، مادام أن من يجلس في بيته مقاطعا أو متهاونا هو من سيحسم  في عدد المقاعد، كلها رسائل في الاتجاه المعاكس للتاريخ ولمتطلبات المرحلة، التي تقتضي من الفاعل السياسي رفع أسهم السياسة والعمل على تنمية المشاركة السياسية، عوض البحث عن سرقة فوز انتخابي غير مستحق من خلال المناروات وتفصيل القانون ليس على منطق الاختيار الديمقراطي وإنما على مقاس الأهواء ودق آخر إسفين للثقة في المؤسسات المنتخبة ومؤسسات الوساطة في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون إليها؟

للأسف الشديد  تذكرنا هذه المعطيات بأن “داء العطب قديم!” وأنه متجذر في عقليات البعض وأنماط تفكيره، وأن البعص يمكن أن ينقلب 180 درجة على مواقفه السابقة وعليه فإن معركة اليوم ليست معركة مواقع في التدبير أو في المعارضة ولكنها معركة مصداقية ومعركة من ينتصر للديمقراطية، معركة التصدي للنكوص وإنتاج للبؤس، لأن العبرة في النهاية ليس بمن سيفوز بالانتخابات، وإنما بفوز الوطن الذي لن يكون إلا تحت دوحة الديمقراطية وظلالها.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.