تصفية معاشات البرلمانيين.. حقائق ومعطيات

 طفا إلى سطح النقاش العمومي في الأيام الأخيرة من جديد، نقاش حول معاشات البرلمانيين، خصوصا بعد رسالة رئيس فريق  العدالة والتنمية إلى السيد  رئيس مجلس النواب يخبره فيها بسحب توقيع الفريق على مقترح قانون لإصلاح الصندوق كان قد تم تقديمه بمعية عدد من فرق المجلس والمجموعة النيابية، وأكد له احتفاظ الفريق بمقترح سابق تقدم به لوحده والقاضي بتصفية معاشات البرلمانيين .

  من المفيد وضع الأمور في نصابها على هامش ذلك النقاش، وقد رجع الجميع إلى الصواب وربط هذا الموقف بسياقاته الحاضرة والتاريخية.

لقد اعتبر البعض أن الرسالة التي وجهها فريق العدالة والتنمية إلى رئيس مجلس النواب بسحب توقيع الفريق على مقترح قانون لإصلاح الصندوق هو مجرد محاولة شعبوية للركوب على المطالب التي يتبناها قطاع من الرأي العام الذي يعبر عن نفسه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن بالرجوع إلى معطيات التاريخ ومستندات الحاضر سيدرك المنصفون، أن موقف فريق  العدالة والتنمية هو موقف موضوعي غير شعبوي مؤسس أولا على قناعة علمية: وهي أن أنظمة التقاعد على العموم هي أنظمة تضامينة تقوم على التوازن بين الموارد المتأتية أصلا من اكتتابات المنخرطين ومن مساهمة المشغل وهو في هذه الحالة الدولة، وأنه حين يختل التوازن المذكور فإنه في سائر التجارب الدولية يتم إدخال إصلاحات مقياسية إما من خلال الزيادة في نسبة المساهمات من قبل المنخرطين أو من قبل المشغلين أو من خلال الزيادة في السن الذي بمقتضاه يستحق فيه المنخرط المعاش، أو مراجعة قيمة المعاش والنسبة التي يتم على أساسه احتسابه أو غيرها من الإصلاحات المقياسية.

وبالرجوع إلى المعطيات  والدراسات الاكتوارية التي قامت بها الهيئة المسيرة، تبين أن نظام معاشات البرلمانيين كان يحمل منذ البداية عناصر موته، وأن مسألة نهايته هي مرحلة وقت، وأنه غير قابل للاستمرار، لسبب  جوهري: هو أن قاعدة النشطين المساهمين ( أي البرلمانيين الحاليين )  أقل من قاعدة “المتقاعدين” أي الذين لم يجدد لهم، وهو ما تأكد بانقطاع معاشات البرلمانيين منذ سنة   2017 ، وأنه كان يتعين الانتباه المبكر إلى ضرورة إعادة النظر في النظام وإدخال التعديلات اللازمة عليه  بعد أن ظهرت مؤشرات الاختلال في توازنه واضحة  كما تنص على ذلك المادة 4 من نظام المعاشات، المادة 10  التي أحدثت لجنة للتأكد من توازنات النظام وهي لجنة مشتركة بين الحكومة والبرلمان والصندوق المشرف على تسييره .

وعلى الرغم من كل المحاولات والدراسات التي قامت بها الجهات المختصة والسيناريوهات التي وضعت، فقد تبين استحالة استمرار هذا النظام،  ومن بين عناصر تلك السيناريوهات اقتراح بعضهم أن تضخ الحكومة مبالغ مالية هامة من أجل إنقاد نظام غير قابل للحياة، وهو ما رفضه رفضا باتا السيد رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني، وينبغي أن نقر أن هذا القرار  كان له الأثر الأكبر في تعجيل تصفية هذا النظام غير  .

وللتاريخ وإلى كل المغرضين الذين شككوا في موقف فريق العدالة والتنمية الذي تمسك بمقترح القانون القاضي بتصفية نظام المعاشات وجب التذكير بالحقائق التاريخية التالية:

– هذا الصندوق تم إحداثه سنة 1992 بمقتضى قانون ولم يكن حينها فريق أو حزب اسمه العدالة والتنمية.

– في سنة 2002 تم الاتفاق بين وزير المالية والخوصصة آنذاك فتح الله و لعلو ورئيسي مجلسي البرلمان على زيادة  6000 درهم في تعويضات البرلمانيين وألف درهم لصندوق تقاعد البرلمانيين قي كل شهر و لكل برلماني، وقد لقي ذلك الاتفاق معارضة شديدة آنذاك من فريق العدالة والتنمية وأعلن في بلاغ صادر يوم 09 يناير 2002 أنه يرفض رفضا باتا أي مقترح من شأنه ان يزيد في تحميل خزينة الدولة أعباء لفائدة النواب أيا كان نوعها، مجددا دعوته للتخلي عن المقترح ليعاد فتح الموضوع في الولاية التشريعية الموالية.

وعنما عرض مقترح قانون يقضي بتعديل وتتميم القانون الخاص بمعاشات البرلمانيين والزيادة في قيمة استفادة البرلمانيين منه سنة 2005 وفي جلسة عمومية يوم 20/12/2005 وصوت فريق العدالة والتنمية ضده..

ودون شك فإن تلك الزيادات هي إحدى العوامل المسببة في اختلال توازنات النظام والتعجيل بنهايته

ثم لما اتضح بما لا يقبل شكا أن النظام مقبل على الإفلاس  2018 طالب فريق حزب العدالة و التنمية بتصفية ملف صندوق تقاعد البرلمانيين ، ورفض أن يتم دعمه من أموال الدولة، سيرا على موقف السيد رئيس الحكومة الذي رفض ضخ أموال عمومية منظومة وقال في جلسة برلمانية: لقد قررت أن لا أدعم صندوق معاشات البرلمانيين  من صندوق الدولة بسنتيم.

 وفي الختام، نقول إنه ما دام الإجماع قد تحقق بخصوص هذه النتيجة، فالكسب جماعي لكل مكونات المجلس ولعموم الشعب المغربي وللممارسة السياسية في هذا البلد، والانتصار فيه للمغرب ولأبناء المغرب كلهم.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.