جائحة كورونا …وجائحة النكوص الديمقراطي

قد يستغرب البعض هذا الربط بين جائحة فيروسية كونية لا دخل في الظاهر ليد البشر فيها وبين النكوص الديمقراطي واعتباره جائحة هو الآخر،

 ولكن عند التأمل سيظهر أن الارتباط بين تعزيز الخيار الديمقراطي وبين تعزيز قدرتنا الجماعية على مواجهة جائحة كورونا و تداعيات كورونا الاقتصادية والاجتماعية هو ارتباط وثيق ومتين لا يخفى على العقلاء  .

هناك بعض الأطروحات التي تسعى أن تجعل من قانون الطوارئ الذي هو تدبير قانوني وضع لمواجهة أوضاع استثنائية ويسمح للسلطات المعنية حفظا على الأمن الصحي ومن ثم على الأمن الاقتصادي والاجتماعي ،   باتخاذ تدابير استثنائية في الزمان والمكان ، ذريعة للحد من بعض الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا أو الإجهاز عليها .

والواقع أنه مهما تكن التدابير الاستثنائية التي يمكن أن تتخذها السلطات الإقليمية أو الحكومية في مجال تدبير مخاطر الجائحة ، فإن أيا تدخل فوقي لوحده  لن يفلح في التصدي للجائحة ما لم ينخرط المواطنون في الالتزام بالتدابير الاحترازية وتدابير التباعد الاجتماعي .

ومهما تكن لدي السلطات الإقليمية والأمنية من قدرات ردعية ،  فإنها لن تتمكن لوحدها من تعبئة المواطنين في الانخراط في التدابير الوقائية ، لأن الأمر يتعلق بمسؤولية فردية وثقافة مواطنة ، مما يقتضي الحرص على مشاركة الجميع من جماعات محلية ومنتخبين ومجتمع مدني وأحزاب سياسية  في التصدي للجائحة ، ومن ثم بالحرص المتواصل على تعزيز الخيار الديمقراطي .

 وإذا كان من الصحيح أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، فإنه يتعين قراءة الجانب الآخر من هذه الحكمة  التي تقول بطريقة ضمنية  : إن الله يزع بالقرآن ما لا يزع بالسلطان ، في إشارة إلى سلطة الإيمان والإقناع والاقتناع ودورها في تعزيز الانخراط في مشاريع الإصلاح

في هذا الإطار وفي سياق الاستعداد للانتخابات والنقاش حول القوانين الانتخابية – ولا ندري لماذا نحن ملزمون أن نعدل في هذه القوانين في كل استحقاق – هناك  من يسعى لتفصيل تلك القوانين في اتجاه التشريع لجائحة أخطر ألا وهي جائحة النكوص الديمقراطي ، وإفراغ  الاختيار الديمقراطي كثابت من الثوابت الدستورية من محتواه ، وأيضا مبدأ  ربط المسؤولية بالمحاسبة ، في اتجاه بلقنة الحياة السياسية والمؤسساتية ، وإضعاف مؤسسات الوساطة   .

ومن باب التذكير ، وبالنظر إلى التداعيات المحتملة للجائحة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، فإن أي تدبير في مجال تعديل القانون الانتخابي يتجه نحو إفراغه يفرغ الاختيار الديمقراطي من محتواه من خلال حيل ” قانونية ” بئيسة  من قبيل احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين ، سيكون إجهازا على ما تبقى من مصداقية للحياة السياسية ومصداقية المؤسسات ولمبدأ المشاركة السياسية ، وبالتبع لذلك تكريسا لمسار إضعاف مؤسسات الوساطة من محتواها وتكريسا للعزوف ،

 وهو ما يعني  ترك الدولة في مواجهة مباشرة مع المجتمع الذي ستتزايد حاجاته ومطالبه ، وقد تتزايد معاناته بسبب ما هو متوقع من تداعيات اقتصادية واجتماعية للجائحة سائلين المولى عز وجل أن يرفعها عنا ، وذلك في انتظار أن تترجم المشاريع ألكبري التي أعلن عنها جلالة الملك إلى إنجازات ملموسة .

من المفيد أن نتذكر أن الجواب المغربي في اللحظات الحاسمة وخلال التحولات الكبرى كان دوما جوابا سياسيا ، وكان تعزيز الخيار الديمقراطي ، كما كان الاستثناء المغربي في الجواب على الحراك المغربي ل 20 فبراير الذي تزامن مع سمى أنذاك ب ” الربيع العربي ” جوابا قائما على تعزيز الخيار الديمقراطي بدءا بخطاب 09 مارس 2011 ومرورا بإقرار دستور 2011 والانتخابات التشريعية السايقة لأوانها .  لقد كان ذلك هو اللقاء المضاد للفيروس المسؤول عن جائحة النكوص الديمقراطي ,

من المفيد أن نؤكد أن نذكر أن الأمر لا يتعلق هنا بالدفاع عن موقع سياسي أو موقع في التدبير . من المفيد أن نؤكد أن التداول على تدبير الشأن العام لا يكون منتجا ومفيدا إلا إذا كان تداولا ديمقراطيا تكون في الكلمة للمواطن وتعبيره الحر من خلال مكاتب الاقتراع وليس من خلال الحيل ” القانونية ” والحجج ” السوفسطائية ” المتقلبة القادرة على إثبات الشيء ونقيضه .

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.