معركة القاسم الانتخابي وسؤال الاولويات

مريمة بوجمعة

إذا كانت مسيرة ولد زروال الأولى أبطالها أشخاص بسطاء تم استغلال هشاشتهم المعرفية و الاجتماعية، فإن مسيرة ولد زروال القانونية أبطالها أحزاب مهووسة ومسكونة برهاب مخرجات صناديق الاقتراع و أحزاب فقدت أو تكاد تفقد وجودها السوسيولوجي فتشبثت بأهذاب “القاسم الانتخابي على قاعدة المسجلين في اللوائح الانتخابية” علها تكسب معركة البقاء.

و إذا كان البعض منها خرج اليوم ليوهم الرأي العام بأن معركة حزب العدالة و التنمية ضد القاسم الانتخابي على قاعدة المسجلين في اللوائح الانتخابية يحكمها المنطق الحسابي و المنطق الحزبي الضيق، وأنه منشغل بمسألة تقنية لا تشكل أولوية لدى المواطن عوض الانشغال بالجواب على الأسئلة الكبرى لتداعيات الجائحة، هو  محاولة منها لتغليط الرأي العام و الاختباء وراء سؤال الأولويات و تداعيات الجائحة بعد كشف المستور عن مسيرة ولد زروال الثانية وغير بعيد أن ينتهي الجميع بالتنصل منها كما حدث مع المسيرة الاولى.

و هنا لا بد من توضيحين:

التوضيح الأول هو أن محطة الاعداد للانتخابات وما وجب أن يواكبها من نقاش عمومي هي فرصة لتقييم وقياس مدى فاعلية الآليات الديمقراطية المعتمدة ومدى تطور ونضج الوعي السياسي لأطراف العملية الانتخابية ومدى تملكها وتمثلها لهذه الآليات الديمقراطية ومدى التراكم الحاصل في التجربة الديمقراطية والانتخابية ومدى قدرة الاحزاب السياسية على تأطير المواطنين والمواطنات وقبلها مناضليها ومناضلاتها على الانضباط، وكذا مدى تواجدها المجتمعي، كما أن  النظام الانتخابي بكل مشمولاته ومنه نمط الاقتراع بكل جزئياته ومنها القاسم الانتخابي ليس مسألة تقنية أو إدارية بل له أبعاد وخلفيات وتداعيات سياسية قد تصب في اتجاه دمقرطة حقيقية أو صورية للعملية الانتخابية، وقد تؤدي إلى إفراز مؤسسات ذات مصداقية تعبر عن الإرادة الحرة للناخبين والناخبات أو مؤسسات منتخبة فاقدة للمصداقية والمشروعية وفاقدة للقرار، لذا فإن الهدف الأسمى من أي نمط من أنماط الاقتراع بكل جزئياته ومنها القاسم الانتخابي و جب أن يسهم في :

– تعميق الخيار الديمقراطي بالعمل على دمقرطة العملية الانتخابية،

– تمثيل مختلف التيارات والتوجهات بما يضمن التعددية السياسية وليس البلقنة السياسية، وعقلنة المشهد السياسي وليس تمييعه، واحترام العدالة الانتخابية وليس الوزيعة الانتخابية لأن البعد الكمي للديمقراطية ممثلا في التعددية السياسية لا يمكن أن ينقض البعد الجوهري للديمقراطية القائم على التنافس الشريف والشفاف و النزيه.

– تحقيق الاستقرار والفعالية والكفاءة للهيآت المنتخبة وإفراز أغلبيات متناغمة متماسكة عوض أغلبيات هجينة تعرقل وتحول دون أداء الأدوار الدستورية لهذه الهيئات.

– أن تعكس الهيئات المنتخبة الإرادة الحرة للمواطنين والمواطنات.

لذا فإن المنطق الذي يحكم حزب العدالة والتنمية في مذكرته بخصوص الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وفي مشاوراته وفي معركته ضد القاسم الانتخابي القائم على قاعدة المسجلين هو المنطق الدستوري والمنطق الديمقراطي ومنطق البناء التراكمي في اتجاه تحصين المكتسبات وتمنيع الخيار الديمقراطي والذي يعتبره جزءا من أولوياته.

التوضيح الثاني، وهو أن حزب العدالة والتنمية لم يشغله انخراطه الفاعل واليقظ في ورش المشاورات اعدادا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة عن الأسئلة الكبرى لتداعيات الجائحة و انخراطه في التعبئة الجماعية لتنزيل التوجهات الملكية في هذا الخصوص، وهو ما عبرت وتعبر عنه دينامية الحزب منذ بداية الجائحة في التحسيس بمخاطر الجائحة من خلال حملاته و مبادراته التأطيرية والتواصلية، وفي التصدي لتداعياتها من خلال مساهمته في تدبير الفعل العمومي وطنيا من خلال ترأسه للحكومة وتواجده الحكومي والبرلماني، وترابيا من خلال الجهات والمجالس الترابية التي يرأسها أو يساهم في تسييرها .

ونظرا للتداعيات الصعبة والمعقدة للجائحة وامتداد تأثيرها في المستقبل المنظور، فإن التصدي للتداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية بما يحفظ للمواطن حياته وقوت يومه ومصدر رزقه وكرامته، يحتاج إلى مؤسسات منتخبة ذات مصداقية ومشروعية تعبر عن الإرادة الحرة للمواطنين والمواطنات، مستقلة في قرارها، تتميز بالفعالية والكفاءة والاستقرار وتناغم مكوناتها، وتضمن حق المواطن في التنمية والديمقراطية لذا فإن رهان مواجهة التحديات التي تطرحها الجائحة والتصدي لها لا ينفصل عن رهان دمقرطة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.