معبر الكركرات بين مدينة العيون ومخيمات تندوف

سعيد الغماز*

 العملية النوعية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية المغربية لفتح الطريق الدولية الرابطة بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية، جعلت معبر الكركرات يكتسي شهرة كبيرة وتتحدث عنه وسائل إعلام عالمية وعن التدخل المغربي السلمي والمسؤول الذي تم وفق القوانين الدولية. وبعد تحرير المغرب لمعبر الكركرات، لم يبق أمام ميليشيات البوليساريو وحكام الجزائر سوى خطابات الحرب وصور جنود بلباس عسكري جزائري وسيارات حربية من تمويل جزائري. وبدل الانصات لصوت العقل، وفضيلة الحكمة، ووضع يد الشقيقة الجزائر في يد المشروع التنموي الذي يعمل المغرب على إنجازه بكل طاقته وبكل ما أوتي من قوة، والقائم على أساس تعاون جنوب-جنوب وفق منهجية رابح-رابح، اتجه القعل العسكري في الجزائر إلى صنع أشرطة مزيفة تتحدث عن وقائع في بقاع الصراع في العالم وتدعي وقوعها في مناطقنا الجنوبية. والحقيقة البارزة في أرض الواقع تقول بأن معبر الكركرات يشهد حركة كثيفة للبضائع والشاحنات، وهو ما لا يستطيع تصويره أصحاب الفيديوهات المفبركة، لأنه يعكس الحقيقة الكاملة. كما أن المغرب حصَّن مناطقه الجنوبية بجدار أمني لا يستطيع جيش مُدرب  الاقتراب منه وبالأحرى ميليشيا لا تتقن سوى منطق قُطاع الطرق. الوضع الحالي جعل الصحراء المغربية محصنة من أي اعتداء والمليشيات محصورة في الزاوية كما هو شأن ديبلوماسية جنيرالات الجزائر.  معبر الكركرات ليس معبرا عسكريا وإنما هو معبر مدني يقع بين المغرب والشقيقة موريتانيا. ويكتسي أهمية اقتصادية وتجارية كبرى. يشكل هذا المعبر جزء من الطريق الوطنية رقم 1 التي تمتد من أقصى شمال المغرب مدينة طنجة، إلى أقصى جنوبه الكويرة وحتى معبر الكركرات على طول 2379 كم. هذه الطريق تربط المغرب مع دول غرب افريقيا، كما أنها الطريق التي تربط أوروبا مع القارة الافريقية. ويَعبُر معبر الكركرات عدد كبير من الشاحنات التي تزود سوق دول الغرب الافريقي بالبضائع المغربية على رأسها المنتجات الفلاحية التي تصل حتى السينغال. كما تمر عبر هذا الطريق البضائع القادمة من هذه الدول الافريقية على رأسها الشاحنات المبردة التي تنقل الأسماك نحو السوق الأوروبية المشتركة. القيمة التجارية التي أصبحت تكتسيها هذه الطريق الوطنية، جعلت المغرب يَشرع في إنجاز مشروع كبير وطموح لتثنية هذه الطريق من مدينة تزنيت حتى مدينة الداخلة، لتصبح طريقا سريعا على مسافة 1055 كلم وبتكلفة مالية تصل إلى 10 ملايير درهم. وهو مشروع سيمكن من تقليص مدة وكلفة التنقل وتحسين سيولة حركة السير ومستوى الخدمة والسلامة الطرقية.  الدول التي تهتم بشعوبها، وتبحث عن توفير شروط التنمية لخدمة اقتصادها الوطني، وتحسين ظروف عيش مواطنيها  بالرفع من دخله الفردي وتعزيز قدرته الشرائية، تقف إلى جانب هذه المشاريع التي تجعل من تعزيز البنية التحتية قاطرة نحو التنمية. وتطوير البنيات التحتية كانت هي الخطوة الأولى التي اعتمدتها جميع الدول المتقدمة في بناء نموذجها التنموي. ولو كان حكام وجنيرالات الجزائر يتوفرون على مشروع تنموي لبلدهم لساندوا المشروع الكبير الذي يقوم به المغرب في توسيع الطريق الرابطة بين شماله وجنوبه، ولكانوا شركاء في جعل الطريق السريع الذي ينجزه المغرب يتجاوز معبر الكركرات ليعبر التراب الموريتاني ويصل إلى السينغال. ولاستفادة الجزائر من البنية التحتية التي يعمل المغرب على تطويرها مع بلدان غرب افريقيا بما فيها خط الأليالف البصرية لتعزيز التواصل الرقمي بين مختلف دول المنطقة. لكن حكام الجزائر لا يتوفرون على نموذج تنموي يقدمونه لشعوبهم، لذلك كانوا طرفا في محاولة عرقلة الحركة التجارية عبر معبر الكركرات. وهو سلوك لا يقوم به إلا متهور لا يملك رؤية تنموية ولا بعد اقتصادي. لو كان النظام الجزائري يتمتع بقدر بسيط من بُعد نظر، لالتقف إشارة ما قامت به مؤخرا دول جنوب شرق آسيا التي أعلنت عن إنشاء أكبر تكتل اقتصادي على الصعيد الدولي يساهم بأكثر من 30% من الناتج العالمي، وذلك لتجاوز مخلفات جائحة كوفيد19 على الاقتصاد العالمي. هذه الدول تعرف جيدا أن الجائحة بقدر ما هي سيئة، بقدر ما تتيح فرصة للإقلاع الاقتصادي الواعد بالنسبة للدول التي تستطيع أن تخرج مبكرا من الأزمة الاقتصادية التي خلفتها هذه الجائحة. لو كان النظام الجزائري يريد فعلا تحقيق التنمية والرفاه لشعبه وللشعوب المغاربية الشقيقة، لاستجاب بعد التدخل المغربي الحازم لتحرير معبر الكركرات من الميليشيات، لليد الممدودة من قبل المملكة المغربية، ولانخرط في المشروع التنموي المغربي المتوجه نحو العمق الافريقي، ولعمل على إحياء اتحاد المغرب العربي لتدخل جميع مكوناته مرحلة ما بعد كورونا بتكتل قوي بإمكانه فرض وجوده الاقتصادي والتنموي في الساحة الدولية. فالعروض العسكرية وإطلاق الصواريخ المستوردة من روسيا في الهواء الطلق، لا تبني التنمية ولا تقيم النموذج التنموي الناجح الذي يحقق العيش الكريم للمواطنين. كما أنها استعراضات لن تنال من وحدة تراب المملكة المغربية ولا من المضي قدما في المشاريع  المغرب التنموية.  لنعد إلى التاريخ وبالضبط سنة 1975 التي استرجع فيها المغرب أقاليمه الجنوبية، وفي المقابل قامت الجزائر بخلق كيان البوليساريو وجعلت تندون مقرا له وأنشأت حوله مخيمات لاحتجاز سكان المنطقة. ثم لنقارن بين ما قدمه المغرب لمناطقه الجنوبية، وما قدمه حكام الجزائر للساكنة المحتجزة في تندوف والمخيمات المجاورة. الحقيقة قائمة ولا تحتاج للأخبار الزائفة ولا للتضليل الإعلامي عبر صور مفبركة وأشرطة مصطنعة. رغم أننا نعرف جيدا أن لا مجال للمقارنة بين مدن بناها وطورها المغرب كالعيون والداخلة وبوجدور والسمارة، ومخيمات متكونة من خيام ومنازل من طين تفصل بينها أزقة من تراب، ظلت على حالها منذ سنة إنشائها ولم يقم حكام الجزائر بأي مجهود لتوفير على الأقل العيش الكريم لهؤلاء المحتجزين ونحن في الألفية الثالثة. وكل ما قام به النظام الجزائري هو تسليم البدلات العسكرية للميليشيات وبعض قطع السيارات الحربية التي لا نراها إلا في المناطق التابعة للتراب الجزائري.  استلم المغرب مناطقه الجنوبية من المستعمر الاسباني وهي عبارة عن مدن من الطين ولا تتوفر على حتى البنيات التحتية الضرورية من طرق وشبكة للماء الصالح للشرب وشبكات التطهير السائل. السمارة كانت عبارة عن قلعة عسكرية، والعيون كانت هي المركز الكبير وفيها تستقر القيادة العامة للمستعمر الاسباني، بل أكثر من هذا كان سكان المنطقة لا يدخلون العيون إلا إذا توفروا على رخصة من المستعمر الاسباني. هكذا يمكننا اختصار صورة الوضع حين تسلم المغرب أقاليمه الجنوبية. فكيف هو حال هذه الأقاليم اليوم؟  مدينة العيون تتوفر على شبكة من الماء الصالح للشرب ومحطتين لتحلية مياه البحر وشبكة كهربائية وبنية طرقية لا تختلف عما هو موجود في الرباط والدار البيضاء. ناهيك عن المطار والميناء وما يتوفر عليه من منطقة صناعية. بل أكثر من ذلك، تنمية المدينة تأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي والمحافظة على التنوع الطبيعي للمدينة خاصة وادي الساقية الحمراء، من خلال مشاريع بيئية على رأسها محطة معالجة المياه العادمة وإعادة استعمالها كما هو موجود في مدن العالم التي انخرطت في برامج التنمية المستدامة.   باختصار نقول إنها مدينة تليق بأن يعيش فيها انسان القرن 21 لما تتوفر عليه كذلك من وسائل الاتصال الضرورية لهذا العصر. دون أن ننسى ذكر المجهود الاستثنائي الذي بدله المغرب في تطوير الفلاحة في هذه المنطقة وكذلك الصناعات المرتبطة بها. فأصبحت مدينة العيون تتوفر على وحدات صناعية لإنتاج الحليب والالبان، خاصة ألبان الابل، حيث تطور رعي الابل في المنطقة، وأصبحت تشكل الأقاليم الجنوبية المركز الأول في تربية الابل ب 67% من مجموع قطعان الابل في المغرب.  مدينة الداخلة لا ينقصها شيء مما هو متوفر في كبريات المدن المغربية. وأصبحت تتوفر على أجمل كورنيش وتستقطب رواد الرياضات البحرية من العالم كله وتنظم مسابقات دولية في هذه الرياضات. ولها مطار يربطها جوا بالعديد من الأماكن. كما أن برنامج التنمية الفلاحية الذي اعتمده المغرب، ساهم في تحدي غير مسبوق للطبيعة الصحراوية للمنطقة، حيث تم تأهيل 800 هكتار من الأراضي القاحلة، وتجهيزها بأحدث التقنيات كالسقي بتقنية التنقيط الالكتروني والبيوت المغطاة. بفضل هذا التحدي للطبيعة الصحراوية، وبعد أن كانت لا تعرف أي نشاط فلاحي، أصبحت اليوم مدينة الداخلة لها منتوجها الفلاحي خاصة البواكر بقدرة إنتاجية تفوق 65 ألف طن سنويا وتوفر 2،5 مليون يوم عمل سنويا. منتوج فلاحي متنوع على رأسه الطماطم خاصة الطماطم الكرزية والبطيخ الأحمر والأصفر والخيار والزراعة العلفية. وإذا علمنا أن هذا الابداع المغربي في مجال الفلاحة انطلق من لا شيء في 1975، نعلم مدى قيمة المجهود المبذول. إنه التحدي في أكبر تجلياته لمواجهة الطبيعة الصحراوية ومشكل التصحر. فمن كان يتصور أن المنتوج الفلاحي لمدينة الداخلة سيصل إلى الكثير من الدول الافريقية و كندا وروسيا والاتحاد الأوروبي.  مدينة بوجدور أصبحت بدورها تتوفر على جميع المقومات الضرورية التي تتوفر في المدن الكبرى. ويكفي السير في طريق المدخل الرئيسي لشمال المدينة، ليعطيك نظرة عن المستوى المعماري الذي بلغته المدينة ومدى تطورها وتطور بنياتها التحتية.  مدينة السمارة منطقة نبات السِّمار، عاصمة الصحراء الروحية والعلمية، مدينة علماء كبار كالشيخ ماء العينين وسيدي احمد الركيبي والشيخ سيدي احمد العروسي، لم تكن سوى قلعة عسكرية في عهد المستعمر الاسباني، تحولت إلى مدينة تتوفر على جميع المقومات التي يجب أن تتوفر في أي تجمع سكاني ينطبق عليه وصف المدينة. ونكتفي بذكر الساحة الجميلة، ساحة المسجد الكبير التي تحتضن أكبر مسجد في الأقاليم الجنوبية، وهي معلمة تعكس معالم النموذج التنموي الذي يعتمده المغرب والقائم على تثمين الموروث الثقافي والحفاظ على الرأسمال اللامادي المتمثل في الثقافة الحسانية بالنسبة للأقاليم الجنوبية. مقارنة بسيطة بعين مجردة بين المباني التي تركها الاستعمار الاسباني والمعمار الحديث الذي أنشأته المملكة المغربية، تعطيك صورة واضحة حول التطور الذي عرفته المدينة.  تطرقنا باختصار شديد للتطور العمراني الذي شهدته المدن المغربية الجنوبية، ولم نتطرق لجوانب أخرى كالاقتصاد والصناعة والثقافة والمؤسسات التعليمية والتعليم العالي التي تتوفر عليها الأقاليم الجنوبية. مدينة العيون مثلا، عرفت إنشاء مدارس للتعليم العالي كالمدرسة العليا للتكنولوجيا وأخرى في طور الإنجاز ككلية الطب التي تندرج في إطار الدينامية المستمرة لتطوير الأقاليم الجنوبية على غرار ما تشهده الأقاليم الشمالية من بنيات متطورة وغيرها. ولا ننسى ذكر الجامعة الدولية بمدينة العيون التي عرفت النور في هذه المدينة الجنوبية بدعم من مجلس جهة العيون الساقية الحمراء، وهو ما يعكس البعد التنموي الذي يمكن أن تقوم به سياسة الجهوية التي تعتمدها المملكة المغربية.  لنسأل الآن حكام الجزائر ماذا قدمتم للسكان المحتجزين في مخيمات تندوف؟ الواقع القائم والذي لا يمكن أن ينكره أحد يقول إن مخيمات تندوف لا زالت تعاني الوضعية التي كانت تعيشها في 1975 وكأن التاريخ توقف في هذه المنطقة. بعد 45 عاما لا زال سكان مخيمات تندوف يعيشون في الخيام ومساكن الطين وفي ظروف أقل ما يمكن وصفها به هي أنها ظروف بدائية. عار أن يبقى هؤلاء السكان في هذه الحياة البدائية التي تمس بالكرامة الإنسانية. أين هي مخيمات تندوف من البنية التحتية التي أصبحت تتوفر في المدن المغربية الجنوبية. أين المطارات، أين الموانئ، أين شبكات الماء الصالح للشرب، أين شبكات التطهير السائل؟ لنترك الجواب للواقع الذي تشهده المناطق المغربية الجنوبية، والواقع الآخر الذي تعيشه مخيمات تندوف، ونقول إن الاستفتاء الحقيقي يجب أن يُستفتى فيه السكان المحتجزون في مخيمات تندوف، ها يريدون البقاء في مساكن الطين وأزقة الأتربة، أم أنه يريدون أن يعيشوا في المدن الجنوبية التي طورها المغرب ليعيشوا بكرامة تحفظ لهم انسانيتهم وفي مستوى يضمن لهم عيشا يلائم القرن 21، في إطار حكم ذاتي منسجم مع الجهوية المتقدمة التي اعتمدها المغرب كرافعة للتنمية من طنجة إلى الكويرة وحتى معبر الكركرات على الحدود مع الشقيقة موريتانيا.
نخلص إذا إلى أن منطقة الكركرات تفصل بين صحراء مغربية تتطور وتتطلع لموقع لها في القرن 21، ومخيمات تندوف توقف فيها التاريخ منذ 1975.          

*كاتب وباحث

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.