حوار.. ابراهيمي: البرلمان احتل موقعا متميزا في معركة مواجهة جائحة “كورونا”

خالد فاتيحي

يكاد يجمع عدد من المراقبين والمتتبعين للشأن البرلماني المغربي، أن المؤسسة التشريعية، كانت على مدار هذه السنة الاستثنائية التي نودعها، محط متابعة من قبل الرأي العام الوطني، لما شهدته من نقاش بين مكوناتها وبين الحكومة بشأن العديد من التدابير المتعلقة بكيفية التعامل مع الواقع الصعب الذي أفرزته الأزمة الصحية لفيروس كورونا.

وفي هذا الصدد، يُسلّط رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، مصطفى ابراهيمي، الضوء على  أهم القضايا والملفات التي استأثرت باهتمام المؤسسة التشريعية، خلال هذه السنة الاستثنائية التي نودعها، كما يقدم في حوار مع “pjd.ma ” تقييمه لأداء المؤسسة التشريعية ضمن معركة المغرب لمواجهة جائحة كورونا، ويرد أيضا على بعض الاتهامات التي وجهت للبرلمان، بخصوص تعاطيه مع التحديات التي طرحها الوباء على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

وفي ما يلي نص الحوار كاملا:

بداية، برأيكم دكتور ابراهيمي، ما هي أبرز القضايا والملفات التي استأثرت باهتمام المؤسسة التشريعية، خلال هذه السنة الاستثنائية؟

فيما يتعلق بحصيلة البرلمان خلال السنة الاستثنائية التي نودعها، نظرا للظروف الصحية المرتبطة بتداعيات جائحة “كورونا”، وما تطلبه ذلك من تدابير استعجالية للحد من آثار وانعكاسات الوباء على الساكنة، يمكن التأكيد على أنه وقع إجماع وطني لجميع مؤسسات المملكة التي نهضت بمسؤولياتها بمستويات متفاوتة.

وهنا لابد من الإشارة، إلى أن المؤسسة البرلمانية إلى جانب الحكومة والقضاء والجيش والجماعات الترابية، كلها قامت بأدوارها في هذا المجال، وذلك تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، غير أنه من المؤكد أن البرلمان احتل موقعا متميزا في معركة مواجهة جائحة “كورونا”، بالنظر إلى حجم الإجراءات التي جرى إقرارها بهذا الخصوص، خاصة ما يتعلق بمشروع سن حالة الطوارئ الصحة وإجراءات الإعلان عنها، فضلا عن مصادقته على عدد من النصوص التشريعية، التي بموجبها تم صرف تعويضات للمتضررين من الجائحة.

يتعين أيضا الإشارة في هذا السياق، إلى أن جلسات الأسئلة الشفهية، شكلت مناسبة للتفاعل بين أعضاء مجلسي البرلمان والحكومة حول مستجدات الحالة الوبائية بالمملكة وكافة التدابير المتخذة لمكافحة تداعياتها، حيث حظيت هذه الجلسات بمتابعة من قبل الرأي العام الوطني، الذي وقف على طبيعة اشتغال البرلمان في سياق الجائحة.

وفي هذا الصدد، خصصت الجلسات الشهرية الخاصة بتقديم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، لتناول المواضيع المتعلقة بواقع وآفاق مواجهة تداعيات أزمة كورونا، وسياسة الحكومة لما بعد رفع الحجر الصحي، والسياسات العمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، في ضوء الدروس المستخلصة من تداعيات أزمة كورونا.

كما عقد مجلسا البرلمان، طبقا لأحكام الفصل 68 من الدستور، جلسة عامة مشتركة خصصت لتقديم رئيس الحكومة لبيانات تتعلق بتطورات تدبير الحجر الصحي ما بعد 20 ماي، ليشهد العمل البرلماني المغربي بذلك لأول مرة في تاريخه عقد جلسات عمومية لتقديم ومناقشة البيانات المقدمة من قبل رئيس الحكومة.

علاوة على ذلك، صادق البرلمان على نصوص تشريعية مرتبطة بتدبير جائحة كورونا تتمثل على الخصوص في مشروعي قانونين يرميان إلى المصادقة على مراسيم قوانين، تم إصدارهما خلال الفترة الفاصلة بين دورتي أكتوبر وأبريل، ويتعلق الأمر بمرسوم بقانون المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، ومرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها؛ ومشروع قانون يتعلق بسن تدابير استثنائية لفائدة المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والعاملين لديهم المصرح بهم، المتضررين من تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا.

كيف تقيمون أداء المؤسسة خلال هذه المرحلة؟ وهل كانت في الموعد في سياق معركة مواجهة الوباء؟

البرلمان، حرص منذ افتتاح السنة التشريعية الحالية، على برمجة عدد من القضايا الملحة، حيث تمحورت أغلب الجلسات الرقابية حول مواضيع تتعلق بشكل مباشر بالمعيش اليومي للمواطن المغربي، وكذا الانشغالات المرتبطة بتطور الوضع الوبائي وإجراءات الحكومة للتعاطي مع آثار الجائحة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

وبالتالي، فإن المؤسسة البرلمانية كانت في الموعد، وحرصت على تفعل أدوارها الدستورية في الرقابة والتشريع والتقييم، علاوة على ذلك، تجاوبت المؤسسة التشريعية، بشكل إيجابي وبحس وطني مع كثير من النصوص التشريعية المحالة عليها من طرف الحكومة، حيث سعت إلى تسريع مسطرة المصادقة على هذه النصوص، لما لها من دور في معالجة كثير من الأضرار الناجمة عن جائحة “كورونا”.

وبرأيي، فإن البرلمان، اضطلع بدور محوري خلال هذه المرحلة، خاصة ما يتعلق بالجانب الرقابي على أعمال الحكومة، حيث تابع الرأي العام الوطني لأول مرة على المباشر، الجلسات التي عقدتها اللجن الدائمة بمجلس النواب، والنقاشات الساخنة والحادة أحيانا، التي عرفتها أشغال هذه اللجن، وكيف ساهمت الفرق والمجموعات النيابية في إدخال تعديلات وفي تقديم مقترحات جوهرية ومهمة لتجويد عدد من النصوص التشريعية.

هل لك، أن تقدم لنا أمثلة واقعية عن قرارات وإجراءات، كان للبرلمان لمسات واضحة في إقراراها واعتمادها؟

كل ما ذكرته هي وقائع حقيقية كانت موضع متابعة من لدن الرأي العام الوطني، لكن يكفي في الصدد، أن أشير إل أن حوالي 60 في المائة من الإجراءات التي أقرتها لجنة اليقظة الاقتصادية، لدعم الأسر المتضررة من جائحة “كورونا”، تعود إلى اقتراحات قدمها أعضاء لجنة المالية بمجلس النواب، من خلال مذكرة تم رفعها إلى الحكومة تضمنت حزمة من الإجراءات المواكبة لمواجهة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للجائحة، وهو ما يؤكد من جديد قوة البرلمان الاقتراحية، رغم ما يشاع عن ضعف تعاطي المؤسسة التشريعية مع القضايا المجتمعية.

 فضلا عن ذلك، كان للبرلمان دور كبير في تسريع وضع وإعداد قانون مالية تعديلي، للتعاطي مع مختلف التحولات والتطورات التي طرأت فيما يتعلق بالفرضيات الاقتصادية التي وضعها قانون مالية 2020، واستند هذا القانون على مرتكزات أساسية تتمثل في مواكبة الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي، والحفاظ على مناصب الشغل، وتسريع تنزيل الإصلاحات الإدارية.

وهنا لابد من التأكيد، على أن المؤسسة التشريعية، حرصت بهذا الشأن على تقديم تعديلات للحفاظ على مناصب الشغل وإقرار تعويضات مالية مباشرة، للمتضررين من الجائحة، ودعم المقاولات الوطنية وإنعاش القطاعات الاقتصادية المتأثرة من تداعيات الوباء، وعلى رأسها قطاع السياحة، إلى جانب إدخال تعديلات مهمة على قانون مالية 2021.

إضافة إلى ذلك، أشير في هذا السياق، إلى أنه ضمن النصوص التي تمت المصادقة عليها، خلال هذه السنة أيضا، مشروع قانون يتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات.

بالرغم من كل ما ذكرت، هناك من يقلل من دور البرلمان خلال هذه المرحلة، ويعتبر أنه تحول فقط إلى مجرد غرفة للتسجيل، حيث أن أغلب القرارات جاءت بها الحكومة، كيف ترد على ذلك؟

لابد من التوضيح، على أنه وخلافا لما يشاع، أن دور المؤسسة البرلمانية واضح وفق ما حدده الدستور، في الرقابة والتشريع وتقييم السياسات العمومية، وكما ذكرت سالفا المؤسسة التشريعية لعبت دورا أساسيا وجوهريا خلال هذه المعركة، انطلاقا من اختصاصاتها الدستورية، حيث حرصت على تحسين وتجويد عدد من النصوص التشريعية التي جاءت بها الحكومة.

وفي هذا الصدد، أود التأكيد أنه في ظل هذه السنة الاستثنائية، وبالرغم من تراجع مداخيل الدولة بفعل الجائحة، حرص البرلمان على التصدي لبعض الإجراءات الضريبية التي وردت ضمن مشروع قانون مالية 2021، من قبيل المساهمة التضامنية، التي عملت المؤسسة التشريعية على إدخال تعديلات عليها تتعلق بالفئات المشمولة بها والشركات المعنية بأدائها، حيث انتقلت لتشمل الأجور ما فوق 20 ألف درهم عوض 10 ألاف درهم، و5 مليون درهم بالنسبة للشركات عوض مليون درهم.

وأضف إلى ذلك، التعديل الجوهري، الذي أدخله البرلمان، على قانون مالية 2021 فيما يتعلق بمشروع التغطية الصحية الشاملة، بحيث كانت المساهمة تهم الأفراد الذين يؤدون الضريبة بطريقة جزافية، خاصة المهن الحرة وذوي الدخل المحدود، قبل أن تعمل المؤسسة التشريعية على إدراج المقاولين الذاتيين أيضا.

(مقاطعا) لكن ما ذكرته هي مشاريع حكومية، وهناك من يقول أن مصادقة البرلمان، هو تحصيل حاصل؟

أبدا، البرلمان هو من يشرع بموجب الدستور، وهو من يرخص ويعطي الإذن للحكومة، بموجب آلية التفويض التشريع، وهذا ليس مجالا للخوض في هذا الأمر، لأن القوانين التنظيمية والدستور، فصلت في ذلك، لكن لا يجب أن ننسى مصادقة مجلس النواب خلال هذه السنة على عدد من المقترحات، وعلى رأسها مقترح قانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب.

 وهنا، أود التأكيد، وخلافا لما يروج البعض، أن فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، كان له دور بارز  ومهم في إنهاء هذا النظام وتصفيته، واليوم نجح مجلس النواب، في تجاوز هذه العقبة ومعالجة هذا الوضع، بعد المصادقة على المقترح وإحالته على مجلس المستشارين، وهو المقترح الذي نص على توقف اقتطاعات واجبات الاشتراك برسم نظام المعاشات المحدث لأعضاء مجلس النواب من التعويض الممنوح لكل نائب عضو، وتوقف أداء مساهمات مجلس النواب برسم النظام المذكور، وكذا توقف صرف المعاشات المستحقة برسم نفس النظام.

إلى جانب ذلك، أحدث البرلمان خلال هذه السنة، مجموعة من المهام الاستطلاعية، تهم عددا من القطاعات، حيث تمت إعادة إحياء المهمة الاستطلاعية المتعلق بالدقيق المدعم، فضلا عن مهمة استطلاعية للأبناك، وأخرى تهم للتدقيق في صفقات وزارة الصحة، التي أثارت الكثير من الجدل، فضلا عن المهمة الاستطلاعية البرلمانية المتعلقة بمقالع الرمال.

أضف إلى ذلك، أن مشروع قانون المالية برسم 2021، الذي سهر البرلمان على المصادقة عليه في الآجال المحددة دستوريا، رغم الظروف الاستثنائية التي تمر منها المملكة، تضمن حزمة من التدابير والإجراءات للتخفيف من آثار الجائحة على الأسر المتضررة ودعم القطاعات الاجتماعية، وفي مقدمتها الصحة والتعليم، حيث شهدت ميزانيتهما ارتفاعا غير مسبوق،  ( التعليم 72 مليار درهم، والصحة 20 مليار درهم(  فضلا عن مشروع التغطية الصحية الشاملة، الذي خصص له قانون مالية 2021، غلافا ماليا بقيمة 14 مليار درهم، بالإضافة إلى ميزانية الاستثمار  التي بلغت 230 مليار، وضمنها صندوق محمد السادس للاستثمار الذي تم احداثه بقانون صوت عليه  مجلس النواب مؤخرا، وهي الإجراءات والتدابير التي حظيت بدعم وموافقة وتنويه مكونات البرلمان، على اعتبار أنها إجراءات معقولة، جاءت في سنة استثنائية بكل المقاييس.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.