الهجرة الجماعية من حزب العدالة والتنمية

ينبغي أن نؤكد أولا أن حزب العدالة والتنمية هو تنظيم سياسي وليس طائفة أو زاوية، هو تنظيم ديمقراطي وليس تنظيما ستالينيا، هو تنظيم مفتوح من الجهتين قد اختار وجهته النهائية هناك من يصعد وهناك من ينزل، شأنه شأن كل التجمعات البشرية تسري عليه قوانين العمران أو الاجتماع البشري.

تبعا لذلك فكما أن الانضمام إليه هو اختيار فردي حر مبني على اقتناع شخصي، فإن الانسحاب منه هو اختيار فردي كذلك .

 وإذا كان الإيمان الديني ينضبط بمبدأ الاختيار والحرية، فما بالك بالاجتماع في إطار تنظيمي يعمل من أجل تحقيق مشروع إصلاحي في المجال السياسي.

إن تقريرنا لهذه القضية التي هي جزء من المنظومة الفكرية والمذهبية للحزب مسألة ضرورية في معرض توقفنا على ترويج بعضهم  كذبا وزورا لما سموه بـ”الهجرة الجماعية” من حزب العدالة والتنمية.

 من الضروري أولا الوقوف على النفخ الإعلامي من بعض الجهات المغرضة في مثل هذه الاستقالات الواقعة أو الاستقالات المزعومة وتغاضيها عما يشبهها بل ما يتجاوزها كما ونوعيا في هيئات أخرى.

 والأدهى من ذلك أن يربطها البعض بالاختيارات السياسية للحزب من قبيل قرار مشاركته في الحكومة وتقييم هذه المشاركة أو من قبيل التطورات الأخيرة المرتبطة بتداعيات القرار الأمريكي بالاعتراف بمغربية الصحراء وارتباطه بالإعلان الثلاثي المشترك الذي وقع بين يدي جلالة الملك حفظه الله. فظاهرة مغادرة الحزب سابقة على كل ذلك وستبقى لاحقا، سنة الله في التجمعات البشرية ولن تجد لسنة الله تبديلا .

تجدر الإشارة إلى أن من يراهنون على ترويج خبر الاستقالات و”الانقسامات” و “صراع الأجنحة” و”الصقور والحمائم” وهلم جرا… دأبوا على رفع كل مستقيل مهما كان وضعه التنظيمي إلى مرتبة “قيادي” وهو ما تكرر خلال السنوات الأخيرة، وكان يبرز من حين لآخر على مانشيطات بعض الجرائد المعروف توجهها بالبنط العريض وبعناوين مثيرة من قبيل: نزيف داخل حزب المصباح، هجرة جماعية، استقالات جماعية تهز حزب المصباح… وغير ذلك وهي عناوين كثرت هذه الأيام وستكثر في الأيام المقبلة.

وثانيا، هو حديث يروج أصحابه كذبة ويصدقونها، كذبة تعبر عن أماني في أنفسهم وإن هم إلا يظنون، أماني أن يتشظى الحزب وينقسم على نفسه، ثم ينشق كل منشق ليشكل مجموعته إلى أن يصل الأمر إلى ما قاله الشاعر أحمد مطر في حديثه عن قانون التشظي والانقسامية حين قال: ثم إني أعلنت عن نفسي انشقاقي .

والواقع أن عددا كبيرا من أخبار الاستقالات التي راجت في السابق وتروج هذه الأيام بعض منها هو ادعاء استقالة من أشخاص لم ينتموا قط للحزب مثل ما حدث في استقالة في جماعة افريحة أو لأشخاص سبق أن أصدرت هيئات التحكيم في الحزب في حقهم قرارات تأديبية انضباطية كما حدث بإنزكان حيث إن اثني عشر ممن ادعوا الاستقالة تم التشطيب عليهم بقرار من الكتابة الإقليمية منذ شهر نونبر 2020 .

ونقول في النهاية إن الاستقالة حين تحدث فهي حق، فالعدالة والتنمية حزب حي، يقوم على مبدأ الحرية عند الانتماء إليه، ومبدأ الحرية في مغادرته فلا إكراه في عضويته، والحرية في النقد وإبداء الرأي المخالف داخله، والحرية في التعبير عن المواقف ضمن الضوابط الأخلاقية والتنظيمية للتعبير عن الرأي وفق القاعدة الذهبية التي عمل بها دوما: الرأي حر والقرار ملزم، وتقييم المواقف والاجتهادات وليس الطعن في المقاصد والنيات.

لا خطر يتهدد العدالة والتنمية إلا حين يتخلى عن تلك الحرية أو يتخلى عن مقتضياتها التنظيمية وبالأساس مقتضياتها الأخلاقية التي تقوم أساسا على الإنصات والحوار والحصانة ضد الأخبار الزائفة والإشاعات، وتجنب خطاب الاتهام في النيات والمقاصد، مصداقا لقوله تعالى: “لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.