عبادي لـــــ”الوطن الآن”: من حسنات حكومة ابن كيران رفعها للتكلس عن خمسة أوراش

13-01-17

تحدث ادريس عبادي، أستاذ  التعليم  العالي  بكلية  الحقوق  بالدار      البيضاء، عن الصورة  الجديدة التي بات يقدمها رئيس الحكوم عبد الإله ابن كيران، موضحا في حواره  مع  اسبوعية “الوطن الآن”، في عدد  الأسبوع الجاري، أن رئيس الحكومة قدم صورة جديدة ومخالفة للمسؤول لم يعهدها المغاربة كثيرا، “حيث اكتشفوا فيها الرجل البسيط، الصريح، المباشر، الجدي، لا يقول كلاما خشبيا ولا يتلاعب بالكلمات، صادق في حبه وتقديره للشعب وللملك، يستعمل في تواصله قاموسا بسيطا ولا يتخفى وراء التأويلات التي كثيرا ما تضيع الحقيقة    “.

وأضاف بأن وزراء حزب العدالة والتنمية  “لم يحيدوا في عمومهم عن هذه القاعدة التي زادتهم شعبية رغم القرارات الجريئة التي أقدموا عليها  «كالزيادة في ثمن المحروقات مثلا»، والتي حاول الكثير استغلالها لضرب هذه الشعبية، لكن على العكس، فقد أفلحوا في إقناع الشعب بمسوغات هذه الزيادة وازداد احترام الشعب لهم“.

الحوار  التالي، يتضمن وجهة نظر موضوعية، لاستاذ  جامعي، يؤكد بأن الحكومة استطاعت رفع التكلس على خمس أوراش :

 
*كيف تقيم حصيلة حكومة ابن كيران بعد مرور سنة على تنصيبها؟

**لن أقوم بعملية تقييم أو إعطاء حصيلة لأداء الحكومة، لأن ذلك يتطلب عدة شروط ولأن للتقييم قواعده وشروطه وأدواته وأبعاده، وكذلك الشأن بالنسبة لإعطاء الحصيلة، لأجل هذا، ولعدم توفر كل هذه الشروط، فإني أفضل استعمال عبارة تتبع، وهذا أمر ممكن بالنسبة للباحث، بل أكاد أقول هذه هي وظيفته، حتى لا يسقط في مطب الأحكام المسبقة الفاقدة لأي مشروعية علمية. أما التتبع، فهو يستند كما سبق وأن شرحت، على الملاحظة والتحليل ورصد التوجهات ومعاينة التصرفات وهذه كل وسائل للفهم والتفسير وهي الأهم بنظري. أما بخصوص سؤالك، فإن تتبع آداء الحكومة منذ تعيينها في 3 يناير 2012 يدفعني كملاحظ إلى التمييز بين مستويين، المستوى الأول، يجسده الحزب الذي حصل على أغلبية الاصوات في الانتخابات ويمارس الحكم لأول مرة،  أما المستوى الثاني فتمثله الأحزاب المتحالفة مع الحزب الأغلبي والتي لها بالطبع تجربة طويلة في ممارسة الحكم أو المشاركة في ممارسته. والأهم عندي الآن، هو تتتبع آداء أعضاء الحزب  الذي يقود الحكومة (الغالبي)، والذي هو حزب العدالة والتنمية  وكيف كان أداء أعضائه داخل التحالف الحاكم. في ظل شروط الحكم الجديدة والتي لم تكن متوفرة لغيره،  منها توفره على أغلبية مريحة نسبيا، تمتعه بسلطات  دستورية واسعة مقارنة مع الماضي، ثم استناده على مرجعية دينية فرضتها الآلية الديمقراطية وباركها الملك وحصنها من أي انفلات.

*أفهم أن تقييمك يتركز على تتبع  آداء أعضاء الحزب الذي يرأس الحكومة فقط؟

**بالضبط، تبعا للأسباب التي ذكرت، وإن تتبع آداء هذا الحزب ليقودني إلى ضرورة الوقوف عند عدة محطات، منها استخراج المبادرات التي قام بها والأوراش التي فتحها والأوضاع الفاسدة التي حاول إعادة تقويمها  والتي تؤشر برمتها على نوعية التدبير الذي اختاره وزرائه، ”   Style de management وأخيرا النتائج الأولية التي وصل إليها والتي بدأ المواطن يلمسها.

*طيب، فما هي المبادرات التي قام بها وزراء حكومة «البيجيدي» إذا، ولفتت نظرك أنت كباحث في مجال حكامة السياسات العمومية؟

**في نظري هناك  العديد من الأوراش التي فتحتها هاته الحكومة والتي أصفها بالهامة، وألخصها في النقط التالية

ورش محاربة الفساد واقتصاد الريع: فتح هذا الورش ضد هاتين الظاهرتين المترسختين في الاقتصاد المغربي منذ سنين، يعد في حد ذاته إنجازا يحسب للحكومة بغض النظر عن النتائج المنتظرة، والتي لا يمكن أن تتجلى معالمها في سنة أو سنتين، لكن الأهم هو البداية، بدليل تحريك المتابعة في حق عدد من المسؤولين. إذن، فما يهمني شخصيا في الموضوع، هو  الشجاعة التي أبانت عنها الحكومة لفتح هذا الموضوع، ولا تهمني المآلات كما قلت.

ورش إصلاح التعليم: ويعد هو الآخر من «أعقد» القطاعات وأفسدها، نظرا للتدهور الكبير الذي تراكم  فيه على مدى 50 سنة، ويحسب لهذه الحكومة أيضا شجاعتها في فتح  إشكالاته المتشعبة ومواجهة حساسياته الكبرى، فقد اتخذت قرارات هامة عجزت كل الحكومات السابقة عن اتخاذها، من ذلك مثلا منع أساتذة القطاع العام من العمل بالقطاع الخاص، واتخاذ مبادرات هامة لوقف ظواهر الغش في امتحانات الباكالوريا والتعليم العالي،  تخصيص ميزانيات للرفع من الطاقة الاستيعابية للكليات ومعاهد التكوين لمواجهة التدفق الكبير للطلبة ومواجهة الخصاص وإصلاح  المناهج البيداغوجية بالإبقاء على برامج المراقبة المستمرة وإلغاء نظام الامتحانات النصف سنوية التي كانت ترهق الملقن والمتلقن على حد السواء ودون نتائج إيجابية؛ فعلت الحكومة كل هذا، رغم قلة الأطر والكوادر التربوية، وبالإضافة إلى تخصيص مناصب مالية مهمة لسد الخصاص  من الأساتذة،  أرجو أن تذهب الحكومة في قرارها  الصائب والقاضي بفتح «مسطرة الإلحاق» بالنسبة للدكاترة الموظفين إلى أبعد مدى، لأن ذلك هو الحل الجذري لمواجهة الخصاص، لا سيما أن بعض «الدكاترة» الموظفين، لهم كفاءات مهمة وبرهنوا على قابليتهم للتدريس  كأساتذة مبرزين Vacataires. وبالتالي يكون من الأفيد تسهيل مساطر الإلحاق أمامهم Détachement وتعميم ذلك ليشمل كل القطاعات الحكومية وليس قطاع التربية والتعليم لوحده، ما داموا يتقاضون أجورهم من الدولة، فالأجدى أن تستفيد منهم هذه الأخيرة في التأطير، لا سيما أن البعض منهم يقوم الآن بوظائف في القطاعات التي ينتمي إليها لا تتناسب وقدراته العلمية وكفاءاته الإبداعية و فيها حيف مقارنة مع الشهادة الجامعية التي يحملها، وهذا كله مناقض لمبدأ الحكامة الذي يتوخى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لتشجيعه على العطاء، أعتقد أن الحكومة الحالية وعت جيدا بهذا المشكل، وأتمنى أن تذهب في سبيل  تعميمه إلى أبعد مدى، وهذا الإجراء بدوره من الحسنات التي تحسب لهذه الحكومة.

ورش الصحة: من الأوراش الهامة التي عرفت تدخلات كبيرة وما زلنا ننتظر منها المزيد، من ذلك مثلا منع  الأطباء بالمستشفيات الجامعية العمومية من العمل بالمصحات الخاصة، لما في ذلك من إهدار لحق الشعب في التطبيب لا سيما في ظل الخصاص المهول المسجل في هذا القطاع منذ سنين، هناك أيضا قرار التخفيض من  أسعار العديد من الأدوية المتعلقة بالأمراض المزمنة.

ورش إصلاح العدالة: الذي يحظى هو الآخر بدعم ملكي،  فالعدل أساس الملك كما يقال، ومن مؤشرات الحكامة التي بدأت تدب في شريان هذا القطاع، هو الإعلان عن الحوار الوطني لإصلاح منظومة القضاء،  حيث تميز بمنهجية إصلاحية تتوخى مبادئ المشاركة والتشارك و الحوار بين جميع المعنيين بهذا القطاع وفي كل ربوع الوطن، وأعتقد أن هذا الأسلوب لن يفضي إلا إلى إصلاح عميق و متوافق بشأنه، وذلك ما كان المغرب يسعى إليه دائما منذ سنين سالفة.

ورش الارتقاء بالعمل الجمعوي من خلال الاهتمام بالمجتمع المدني، لا ننسى  أن الدستور المراجع ارتقى بهذا المكون  إلى  مستوى سلطة حقيقية تؤخذ اقتراحاتها بعين الاعتبار، والجميل أن الحكومة التقطت هذه الإشارة الدستورية جيدا وعملت بالتالي على خلق وزارة خاصة تعنى بشؤون المجتمع المدني. وغير خاف أن هذه الوزارة وضعت الآن مخططا استراتيجيا 2012-2016 يروم تحصين المكتسبات المغربية في مجال الديمقراطية التشاركية  وجعلها  تجربة رائدة عربيا وإفريقيا تقوم على أربع مبادئ أساسية هي: 1 – تأهيل المناخ القانوني للعمل المدني (تعزيز حرية تأسيس الجمعيات وتبسيط المساطر ذات الصلة من خلال مراجعة قانون تنظيم الجمعيات والعمل التطوعي ومراجعة منشور الوزير الأول لسنة 2003 المتعلق بالشراكة بين الدولة والجمعيات). 2تثمين المجتمع المدني ومواكبته وتعزيز أدواره  بإعداد قاعدة بيانات مصنفة ومحينة لجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. 3 – ترسيخ وتعزيز حكامة المجتمع المدني بإطلاق برنامج «حكامة» لدعم قدرات الجمعيات في مجال صياغة المشاريع وتدبيرها وخلق جائزة الحكامة المدنية.

*وبالنسبة لنوعية تدبير أعضائها ،  Style de management de ses membres ؟

**بالنسبة لرئيس الحكومة أي السيد عبد الإلاه بنكيران، فأعتقد أنه قدم صورة جديدة ومخالفة للمسؤول لم يعهدها المغاربة كثيرا، حيث اكتشفوا فيها الرجل البسيط، الصريح، المباشر، الجدي، لا يقول كلاما خشبيا ولا يتلاعب بالكلمات، صادق في حبه وتقديره للشعب وللملك، يستعمل في تواصله قاموسا بسيطا ولا يتخفى وراء التأويلات التي كثيرا ما تضيع الحقيقة، لم يجهد نفسه  من أجل تغيير طبعه العفوي التلقائي، فما زلت لحد الساعة تجده في الشارع العام يصافح الناس بالمساجد والأسواق ولا يمانع في أخذ الناس لصور معه، بل ويتنقل بلا أية رتوشات بروتوكولية لزيارة الناس البسطاء لمواساتهم مثلما فعل مؤخرا مع عائلة الشاب الذي توفي جراء محاولته إنقاذ فتاة كانت تهم بالانتحار في الدار البيضاء. باختصار إن بنكيران أفلح فعلا في الترويج لفكرة «رئيس الحكومة العادي أو البسيط». وحتى وزراء الحزب لم يحيدوا في عمومهم عن هذه القاعدة التي زادتهم شعبية رغم القرارات الجريئة التي أقدموا عليها «كالزيادة في ثمن المحروقات مثلا»، والتي حاول الكثير استغلالها لضرب هذه الشعبية، لكن على العكس، فقد أفلحوا في إقناع الشعب بمسوغات هذه الزيادة وازداد احترام الشعب لهم. وبظني أن  مرور  حوالي السنة على تحملهم المسؤولية، ورغم عدم تجربته في الحكم، فقد أبانوا عن صلابة في اتخاذ القرار واستماتة في الوفاء بالمبادئ التي يؤمنون بها ومنهجية هادئة في تنفيذ الوعود التي قطعوها على الناخبين و انضباط ملفت لقرارات رئيسهم وقواعد الحزب الذي ينتمون إليه  فضلا عن التزامهم بالبساطة والقرب من الناس، فبريق السلطة لم يأخذ منهم شيئا، وهذا مكمن قوتهم ومؤشر  إيجابي  ومتميز عن طريقة تدبيرهم للشأن العام.

حاوره: أحمد لفضالي

أسبوعية الوطن الآن

العدد502 الخميس17 يناير2013

 

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.