أكنتيف يكتب: مشاريع القوانين التنظيمية للانتخابات 2021.. ملاحظات أولية

أحمد أكنتيف

حين أقر الفصل 86 من دستور 2011 على عرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور، فقد سعى من جهة إلى تسريع استكمال النصوص اللازمة لتفعيل كافة مقتضيات الدستور، وخاصة أن القوانين التنظيمية هي مكملة ومفسرة للدستور، وهو ما يفرض أنها أكثر استقرارا من القوانين العادية وأقرب من الثبات الذي يتمتع به الدستور، وهو ما يفسر من جهة أخرى عدم إشارة الدستور إلى مقتضيات تتعلق بالتعديلات التي يمكن أن تمس هذه القوانين التنظيمية، فهي جزء من الكتلة الدستورية التي يتعين تمتيعيها بأقسى درجات الثبات التشريعي الممكنة وعدم الافراط في تغييرها لما يشكله ذلك من مخاطر اخضاع نصوص مفسرة ومتممة للدستور للتوازنات السياسية المتقلبة.

فالأسلم أن يسري ثبات الدستور على النصوص المفسرة والمتممة له، بما يضمن الاستقرار والأمن القانوني، وهو ما دأبت عليه جل الأنظمة الديموقراطية العريقة حيث لا تتغير القوانين المؤسسة والقوانين الانتخابية بمناسبة كل اقتراع. فالتغيير المستمر للقوانين الانتخابية قبيل كل اقتراع يجعلها أقرب الى عملية توافق على توزيع مسبق للمناصب الانتخابية بين الفاعلين السياسيين منه الى عملية تشريع مجردة وعمومية.

فالملاحظة العامة على مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات ملاحظة متعلقة بجوهر الفكرة من أصلها، فالتشريع الانتخابي غير المستقر تشريع لا يحقق الغايات الدستورية ويمس بخاصية الانتظام المفروضة في الاقتراع الديموقراطي المنصوص عليها في الفصل الثاني من الدستور حيث تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم، فالانتظام هنا لا يمكن قصره على الوتيرة الزمنية ولكنه مدلول ينصرف الى الزمن والقواعد الضامنة للنزاهة والحرية. ويمس بما يفرضه الفصل 11 من التزام السلطات العمومية بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم. فالتغيير المستمر للقواعد القانونية المنظمة للانتخابات فيه مساس بمبدأ عدم التمييز بين المترشحين، فهو في نهاية المطاف تمكين للمشرعين الحاليين من وضع قواعد النزال الانتخابي الذي سيخوضونه بعد بضعة أسابيع.

وفي ما يتعلق بالملاحظات المفصلة على مشاريع هذه القوانين التنظيمية، فيمكن البدء بملاحظات متعلقة بمشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، والذي يتضمن عدة هنات دستورية، لعل أبرزها تجاوزه لنطاق القانون التنظيمي نفسه حيث ترامى المشرع هنا على المجال التنظيمي عند توزيع المقاعد المخصصة للجهات، فالدستور كان واضحا في تحديد حيز القانون التنظيمي لمجلس النواب وتخصصه بمبادئ التقسيم الانتخابي، فلا يستقيم أن يحدد القانون التنظيمي عدد المقاعد المخصصة لكل جهة دون بيان المبادئ التي استند إليها هذا التقسيم، والأخطر من ذلك أن تحديد أسماء الجهات وما تضمه من أقاليم وعمالات إنما ينتمي الى حيز التنظيم ويمكن في أي وقت أن يتم تغيير أسماء هذه الجهات والأقاليم والعمالات المنتمية لها بموجب مرسوم، وهو ما يجعل قاعدة في قانون تنظيمي بلا معنى. لقد كان من الأجدر أن يقتصر المشروع على بيان مبادئ توزيع المقاعد على الجهات على غرار ما ورد في المادة 2 من القانون التنظيمي لمجلس النواب بخصوص مبادئ ومعايير توزيع المقاعد على الدوائر المحلية ويترك للسلطة التنظيمية توزيع هذه المقاعد بمرسوم توافقا مع الدستور.

الملاحظة الثانية تتعلق بما ورد في مشروع تغيير المادة 13 من لفظ –يؤخذ بعين الاعتبار عدد السكان المثبت في اخر إحصاء عام رسمي- فالمفروض التنصيص على اللفظ القانوني الواضح المتعلق بالسكان القانونيين، والذي يصدر بشأنه مرسوم عقب كل إحصاء عام للسكان والسكنى، وضرورة التنصيص على أن هذا التنافي يراعى عند تاريخ الاقتراع، فماذا لو تم انتخاب شخص رئيسا لجماعة وعضوا بمجلس النواب ثم جرى إحصاء عام للسكان والسكنى (مرتقب في 2024) أو جرى توسيع لحدود هذه الجماعة بمرسوم، فهل يضطر هذا العضو بالبرلمان ورئيس الجماعة للاستقالة من إحدى المهمتين؟. وما هو أجل إصدار النص التنظيمي المشار اليه في المادة وما طبيعته؟

الملاحظة الموالية متعلقة بالمادة 23 من المشروع والتي يتعين من جهة مراجعتها لغويا فالعبارة التي تم استعمالها للتنصيص على –لا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد المحددة للدوائر الانتخابية المحلية- عبارة غير سليمة لغويا فالضمير الملحق بحقهن إنما يعود على النساء المترشحتان في الرتبة الأولى والثانية من لائحة جهوية ولا يمتد لعموم النساء كما يقصد من صاغ المشروع. لكن الملاحظة الجوهرية في هذه المادة تنصرف الى ما بعد هذه الفقرة، التي اشترطت التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة لإحدى الجماعات الواقعة في النفوذ الترابي للجهة المعنية بالترشيح، فهذا الشرط من جهة لا ينسجم مع كون عضو المجلس ممثلا للأمة وليس لجهة ترابية، ومن جهة أخرى يخل بالمساواة بين المترشحين للدوائر المحلية التي يسمح فيها بالترشح وطنيا، والأخطر من ذلك أنه يمس بحرية ممارسة النشاط السياسي داخل الوطن، فلماذا نمنع مواطنا مفروض عليه أن يسجل ضمن الجماعة التي يقطن فيها من ممارسة النشاط السياسي في الجهة التي ولد فيها مثلا أو الجهة التي يمارس فيها نشاطه الاقتصادي مثلا، ثم إن تبعات هذا الشرط تنصرف إلى فقدان الأهلية بعد الانتخاب في حال قام عضو المجلس المنتخب برسم هذه الدائرة بتغيير مقر سكنه ونقل تسجيله تبعا لذلك.

الملاحظة الموالية تهم المادة 85 والمتعلقة بتأليف لجنة الإحصاء الجهوية حيث رغم كونها جهوية فقد تم إسناد رئاستها الى رئيس محكمة ابتدائية بمركز الجهة والأسلم أن تسند مباشرة الى رئيس محكمة الاستئناف لتفريغ رؤساء المحاكم الابتدائية لرئاسة اللجان الإقليمية، كما أن تعيين ثلاثة من أعضائها من طرف الوالي لا ينسجم مع المبادئ الدستورية المتعلقة بالتوازن بين السلطات فمن الأسلم أن يتم تعيين العضوين بها من طرف رئيس محكمة الاستئناف والتنصيص على تعيينهما من الفئات المحلفة كالعدول مثلا.

وليس ختام الملاحظات ما يثيره مشروع المادة 96، وخاصة الفقرة الأخيرة المتعلقة بعدم أهلية أي مترشح تخلف عن إيداع حساب حملته الانتخابية حسب الآجال والكيفيات المنصوص عليها في القانون التنظيمي للانتخابات التشريعية العامة والجزئية والانتخابات الجزئية والعامة للجماعات الترابية والغرف المهنية طيلة مدتين انتدابيتين متتاليتين ابتداء من تاريخ صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فهذه المادة تمس في الجوهر باستقلال السلطة القضائية، فترتيب جزاء الحرمان من الحقوق السياسية لا يجوز أن يبنى على مجرد تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، دون مسطرة قضائية تتوفر فيها كافة شروط المحاكمة العادلة، لقد كان من الأسلم التنصيص أولا على إحالة الملف إما الى المحكمة الدستورية لتجريد العضو المنتخب، أو الى القضاء الإداري لإصدار حكم ضد المترشح غير المنتخب.

وبالإضافة الى هذه الملاحظات التي يتقاطع بعضها مع ورد في مشروع القانون التنظيمي لمجلس المستشارين، يثير هذا الأخير إشكالية جوهرية تتعلق بالتمثيل البرلماني لما يسميه الدستور بالمنظمات المهنية الأكثر تمثيلية فالفصل 63 من الدستور نص على “خمسان من الأعضاء تنتخبهم، في كل جهة، هيئات ناخبة تتألف من المنتخبين في الغرف المهنية، وفي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، وأعضاء تنتخبهم على الصعيد الوطني، هيئة ناخبة مكونة من ممثلي المأجورين”، فالتعبير الدستوري دقيق ويشير الى هيئات ناخبة (ورودها بالجمع لأنها بعدد الجهات) في كل جهة وليس مجموعة جهات، هذه الهيئات تتألف في كل جهة من منتخبين في الغرف المهنية وفي الهيئات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية. والواضح هنا أن (في الهيئات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية) معطوفة على (في الغرف المهنية)، فالفهم السليم للدستور يقتضي أن تتشكل داخل كل جهة هيئة ناخبة من منتخبين في الغرف ومنتخبين في الهيئات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية على الصعيد الجهوي. وليس تخصيص مقاعد للهيئات المهنية الأكثر تمثيلية.

وفي مستوى ثان تثير هذه التخريجة التي جاء بها القانون التنظيمي ضرورة تدقيق مفهوم الهيئة المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، فالدستور استعمل هذا المصطلح في الفصل 8 منه بالموازاة مع المنظمات النقابية للأجراء، فصفة الأكثر تمثيلية لا يمكن أن يترك تحديدها لهيئات غير مؤسسة بقانون، فالتمثيلية في مجال المنظمات النقابية للأجراء تؤسس على انتخابات تنظمها السلطات العمومية، وتمثيلية الغرف تؤسس على انتخابات تنظمها السلطات العمومية، فكيف يستقيم ترك تمثيلية المنظمات المهنية للمشغلين لمجال التنظيم الذاتي خاصة أن هذه المنظمات تؤسس فقط على أساس الظهير الشريف 1.58.376 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات حسب ما وقع تغييره وتتميمه، وهو ما أثبته التجربة السابقة حيث استند في تنظيم هذه الانتخابات المتعلقة بتمثيلية هذه الهيئات الى أنظمتها الأساسية بموجب المادة الرابعة من مرسوم 2.15.579، فهل يستقيم أن نترك قاعدة تؤسس لتمثيلية الأمة لنظام أساسي لجمعية مهما كان وضعها الاعتباري.

كما أن الثابت من التجربة وما جاءت به المذكرة التقديمية لمشروع القانون التنظيمي من حفظ فريق برلماني لهذه المنظمات المهنية الأكثر تمثيلية، ينبئ بتجاوز خطير لمبدأ الانتخابات التعددية الذي اختاره المغرب علما أن تحديد الفريق البرلماني من مشمولات الأنظمة الداخلية للبرلمان.

 إن التقيد بمقتضيات الدستور والانسجام مع نصه يقتضي مراجعة طريقة توزيع الخمس المخصص للفاعلين الاقتصاديين بموجب الفصل 63 بالتنصيص على انتخاب مقاعد من طرف هيئات ناخبة على صعيد كل جهة تكون مشتركة بين منتخبي الغرف المهنية ومنتخبين عن الهيئات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، وليس على صعيد هيئات ناخبة مشتركة بين مجموعة جهات أو بهيئات منفصلة تخدم مصلحة جمعية يفترض فيها أن تساهم في السياسات العمومية من باب الديموقراطية التشاركية وليس من باب التمثيل السياسي والسعي لممارسة السلطة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.