حوار.. بودراع: اعتماد تعديل القاسم الانتخابي حالة شاذة ومسألة غير دستورية

قال أحمد بودراع، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين وليس المصوتين سيخدش المبدأ الديمقراطي، مبينا أن التعديل الذي صادق عليه مجلس النواب في جلسة عامة، “غير دستوري ومسألة نشاز وحالة شاذة”، وأردف أن هذا الخارج سيعتمد على “عملية حسابية غاية في الغرابة”.

وأضاف بودراع، في حوارمع “مجلة العدالة والتنمية” في عددها 27 الصادر نهاية الأسبوع المنصرم، أنه لن نستغرب أن يخرج البعض في مرحلة معينة ويطالب باعتماد من لديهم الحق في التصويت- أي الجسم الانتخابي الذي يتعدى حاليا 26 مليون- في احتساب المعدل الانتخابي، مبينا أنه في حال إذا ما اعتبرت المحكمة الدستورية بأن هذا التعديل دستوري، فإن الأمر “سيطرح تحديا كبيرا على مستوى الحساب”.

وتابع أن “هذا التعديل سيلحق تشويها فظيعا بالعملية السياسية برمتها، حيث ستتساوى وستتقارب الأحزاب في النتائج رغم اختلافها وتفاوتها من حيث عدد الأصوات المحصل عليها”.

وهذا نص الحوار كاملا:

ما هي قراءتكم للاستحقاقات الانتخابية المقبلة على ضوء مسار بلادنا في ترسيخ الخيار الديمقراطي؟

الانتخابات المقبلة يجب أن تُمثّل استمرارا للمشروع الإصلاحي الضخم الذي أسس له الدستور المغربي لسنة 2011، فالظروف التي ستنظم فيها الاستحقاقات المقبلة تتميز بمجموعة من التحديات على المستوى الإقليمي والدولي، وبالخصوص منها المُتعلّقة بتطور ملف الوحدة الترابية وبالوضع الصحي المرتبط بتداعيات تفشي وباء كورونا، ولكن، وفي جانب آخر، هذه التحديات لا يمكن إلا أن تزيد من تماسك مكونات الأمة المغربية على المستوى السياسي والاجتماعي، فأغلبها يسعى إلى بناء دولة قوية وإلى تأسيس مغرب ينهج سياسة الشفافية ويقوم على أساس العدالة الاجتماعية ويلعب أدوارا طلائعية على المستوى الإقليمي، لكن هذا لن يتأتى إلا بالحفاظ على الثابت الرابع من ثوابت الدولة، وهو الاختيار الديمقراطي، فالمغرب حقق انتصارات كبيرة، آخرها كان على مستوى تدبير ملف الوحدة الترابية لبلادنا والتي تَشَكّل حولها اجماع بين كل الفئات والفرقاء، فانتصار بلادنا في القضية الوطنية وغيرها من القضايا الكبرى لا يمكن أن يكون إلا في إطار تماسك كل المكونات، وفي إطار قوة مؤسساته الداخلية من خلال تعزيز الخيار الديمقراطي.

الأمم التي شقت طريقها واستطاعت أن تضمن لها وزنا في الساحة الدولية هي التي تبنت نموذجا ديمقراطيا في إطار الشفافية والوضوح والانفتاح السياسي، والمغرب كدولة اختارت هذا التوجه في إطار دستور 2011 من خلال عقد اجتماعي بين كل مكونات الساحة السياسية، لا محيد لها –أي الدولة- عن هذا الاختيار الذي سيسهم بشكل أكيد في فعالية وقوة مؤسساتها.

(مقاطعا) لكن المسار لا يكون كله مثاليا، إذ تشوبه في أحايين كثيرة اختلافات على مستوى تأويلات “الاختيار الديمقراطي”، بل ممكن أن نشهد ارتدادات على هذا المستوى؟

على العموم حين يكون الخيار الديمقراطي هو خيار جميع الفرقاء، ويكون ذلك قاسما مشتركا يتوافق عليه الجميع تبقى هناك بعض الخلافات لتحقيق هذا النموذج، وحين نقول الانتقال الديمقراطي فإنه بالضرورة مسار طويل من التنقيحات والتعديلات والتوافقات من أجل الوصول لما يُحقق الأهداف الأساسية للديمقراطية، أي تحقيق العدالة الاجتماعية وبناء دولة القانون وتمثيل المواطنين في مؤسسات الدولة، فالنماذج الفضلى في التجارب العالمية قبل أن تصل إلى مراحل معينة فإنها تدخل في صراعات وتعيش صعوبات، لكن يبقى الخيار الديمقراطي الهدف المنشود في كل الأحوال.

المغرب أكد منذ 2011 الخيار الديمقراطي كثابت دستوري ورتبه في نفس المستوى والدرجة مع الثوابت الأخرى، أي بعد الدين الإسلامي، الوحدة الوطنية والنظام الملكي، فهو خيار دقيق ولا مجال للتراجع عنه، نعم هناك نقاش بين الفرقاء حول كيفية إنضاج هذا الخيار، بل يمكن أن تكون هناك ارتدادات في مسار اختياراتنا الكبرى، لكن يبقى الهدف هو المضي لتحقيق الديمقراطية كنموذج أمثل يسهم في إقرار العدالة الاجتماعية، ويسهم كذلك في دفع المواطن إلى المشاركة في هذا الخيار.

كيف تابعتم النقاش والحوار بين الأحزاب السياسية ووزير الداخلية تحت إشراف رئيس الحكومة والذي هم محطة الاعداد للاستحقاقات المقبلة؟

الحوار والنقاش ظاهرة صحية، فأن تتواضع المؤسسات لتناقش وتتداول وتبحث عن حلول توافقيه فهذه مسألة غاية في الأهمية ومن صميم النقاش الديمقراطي الحر، فمبدأ التشاور بشأن القضايا الكبرى مبدأ أساسي تم التنصيص عليه في متن الدستور وتمت مأسسته في العديد من الهيآت الوطنية، وقد كان الحوار السياسي والاجتماعي دوما آلية مركزية تدار بها القضايا الخلافية. فلا قرار يجب أن يُتخذ إلا بالتوافق وتغليب المصلحة العامة، فالمبدأ الأساسي في الديمقراطية هو الحوار والتوافق والنقاش، ولن يترسخ الخيار الديمقراطي بدون نقاش وحوار، ومن الجيد أن يفتح النقاش السياسي في جو من الانفتاح وفي إطار الإقناع والاقتناع والتجاوب الإيجابي بين جميع الفرقاء.

في هذا السياق أثير نقاش واسع حول القاسم الانتخابي الذي اعتبر نقطة خلافية بين العدالة والتنمية من جهة، وبين ما سمي بـ أحزاب G7  من جهة ثانية، ألا ترون أن هذا التعديل يمس بجوهر الثابت الدستوري؟

الإشكال الذي أُثير مؤخرا حول ما سمي بـ “القاسم الانتخابي”، وهنا أشير إلى تدقيق اصطلاحي، فنحن لا نتحدث عن قاسم انتخابي، بل نتحدث عن الخارج أو المعدل الانتخابي، وهذا التعبير هو الصحيح، فالخارج الانتخابي طريقة وآلية تُعتمد في إطار التمثيل النسبي، حيث يتم قسمة عدد المصوتين على عدد المقاعد في دائرة وطنية أو جهوية أو محلية، وأستغرب من إثارة نقاش المعدل الانتخابي مؤخرا، حيث إن رجعنا قليلا إلى الوراء، نجد أن ثلاثة أحزاب سياسية تقدمت بمذكرة حول الإصلاح السياسي، لم تتضمن ولم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى قضية “الخارج الانتخابي” المبني على قسمة عدد الأصوات على المسجلين، كما أن حزب الاتحاد الاشتراكي دعا في أكثر من مناسبة إلى العودة إلى النظام الانتخابي الأغلبي، وبالتالي نستغرب كيف ظهرت في فترة وجيزة لم يسبقها نقاش عميق، “تخريجة” الخارج الانتخابي المبني على احتساب أو قسمة عدد المسجلين على عدد المقاعد.

من جهة أخرى، فأغلب النُّظم الديمقراطية والأنظمة السياسية التي تعتمد التمثيل النسبي تعتمد المعدل الانتخابي القائم على قسمة عدد المصوتين على عدد المقاعد، وهي الآلية التي تعتمد عليها كذلك الأنظمة الحديثة العهد بالديمقراطية والتي حققت انتقالا ديمقراطيا ناجحا، فإذا كان نظام الأغلبية مستقرا وراسخا في الديمقراطيات العريقة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد تم ابتكار نظام التمثيل النسبي لغاية تحقيق تمثيل الفرقاء السياسيين داخل الهيئات التشريعية أو المحلية، من خلال اعتماد قواعد وآليات لفرز عادل للنتائج عن طريق احتساب عدد المصوتين وقسمته على عدد المقاعد، وبالتالي استخراج المعدل الانتخابي، وكل لائحة حصلت على المعدل تحصل على مقعد، وهذا ما تبناه المغرب منذ 2002 وكان أغلب الفرقاء السياسيين ينادون به لضمان تمثيلية أكبر للأحزاب السياسية داخل الهيئات التشريعية.

 من جانب آخر، أريد أن أشير إلى أن الأنظمة الانتخابية لا يجب أن تخضع في كل مرحلة للتغييرات وعند كل استحقاق انتخابي، بل يجب أن تقوم على الثبات لأنها تحتاج الى وقت لتقييمها وإظهار مدى نجاعتها، فعلى سبيل المثال فرنسا منذ دستور 1958 اعتمدت النظام الأحادي الأغلبي الذي يقوم على دورتين، الدورة الأولى والثانية حيث يتم الحسم إذا حصل المرشح على أغلبية مطلقة، وإذا لم يحصل على أغلبية مطلقة يتم اللجوء إلى الدورة الثانية.

المغرب جرب منذ 2002 نظام التمثيل النسبي وأخذ به كما هو معتمد في جميع النماذج الديمقراطية الفُضلى، لذلك استغرب أن يثار هذا الإشكال، وأجزم أن تعديل طريقة الاحتساب ليس الرهان المطروح على المغاربة اليوم، بل إن المطروح هو رفع عدد المشاركين في العمليات الانتخابية ومواجهة اشكالية العزوف الانتخابي وضعف المشاركة التصويتية التي لم تتعد 42.29 في المائة، في الانتخابات التشريعية لسنة 2016، يعني أن الانتخابات الأخيرة شارك فيها 7 ملايين مواطن من أصل 15 مليون و700000 من المسجلين في اللوائح الانتخابية، من بين 26 مليون من الذين يحق لهم التصويت، وبالتالي فالرهان ليس تعديل الخارج الانتخابي بقدر ما هو البحث عن آليات وطرق معينة لدفع المغاربة للمشاركة والقيام بواجبهم الدستوري ومشاركتهم في الاستحقاقات الانتخابية.

كيف ترون هذا الاصطفاف الحزبي، حيث إن جزءا من أحزاب الأغلبية اصطفت إلى جانب أحزاب المعارضة ضد حزب سياسي ضمن الأغلبية وهو العدالة والتنمية؟ 

أستغرب حقيقة من أن فرقاء ضمن الأغلبية الحكومية يعارضون الحزب الذي يقود الحكومة، معارضة تتحالف مع جانب من الأغلبية للدفع بمشروع معين، سبب الاستغراب هو أن المفروض أن أحزاب الأغلبية يجب أن تتضامن في عدة قضايا وقد سبق لها أن تقدمت بالبرنامج الحكومي أثناء التنصيب أمام البرلمان والشعب، وبالتالي فلها مشاريع موحدة، لاسيما أننا لازلنا في إطار الولاية الحكومية، فمن الصعب جدا أن نفهم هذه القضية في آخر السنة من الولاية التشريعية والسياسية لهذه الحكومة، بل إن الأحزاب التي اتفقت اليوم على الخارج الانتخابي، توحدت بقدرة قادر رغم اختلافاتها العديدة في التصورات والايديولوجيات وفي الكثير من القضايا في هذه الولاية، لتتفق في آخر لحظة على اعتماد التعديل بتلك الطريقة المشوهة التي يمكن أن تؤثر على مسار الاختيار الديمقراطي لبلادنا، بل يمكن أن تخدش المسار الذي اختاره المغرب خلال دستور 2011.

في سياق آخر، دفعت أحزاب G7 بتعديلات همت إزالة العتبة نهائيا، ألن يساهم هذا في بلقنة المشهد السياسي؟

عندما نتحدث عن العتبة، فهي تعتبر آلية من آليات عقلنة المشهد السياسي، فالتنظيم الانتخابي يَتبنى عتبة معينة لكي يفرض على الفرقاء والأحزاب السياسية التحالف والاندماج فيما بينها لتكوِّن اتحادات كبرى، وبالتالي فالقانون التنظيمي للأحزاب السياسية أخذ هذا المحنى، وذلك حتى نكون أمام أقطاب سياسية كبرى، لكن في نظري، فالعتبة قد يُختلف في أمر إزالتها من عدمه، فمثلا فرنسا لا تأخذ بنظام العتبة بشأن انتخابات مجلس الشيوخ، لكن يتم الاعتماد عوض ذلك على المعدل الانتخابي الذي يعتبر في حد ذاته عتبة، عكس مثلا النظام التركي الذي يعتمد عتبة 10 في المائة.

يجب أن نعلم أن النظام الانتخابي ليس بريئا وليس محايدا، فالمسألة ليست فقط تقنية حسابية بل هي عملية سياسية تخضع لمد وجزر الرهانات السياسية للنظام السياسي عموما ولهذا الحزب أو ذاك على وجه الخصوص، حيث توظف الأنظمة السياسية والأحزاب النظام الانتخابي للحصول على غنائم سياسية، وفي نظري أرى أن النقاش الحاصل بخصوص العتبة لا يعتبر مشكلا بنفس خطورة الخارج الانتخابي، فيمكن إزالة العتبة لأن ذلك لن يخدش العملية الديمقراطية باعتبار أنه ستبقى العتبة الأساسية المتمثلة في المعدل الانتخابي، لكن الإشكال العويص والذي سيخدش المبدأ الديمقراطي والذي يمكن اعتباره بأنه غير دستوري ومسألة نشاز وحالة شاذة هو الخارج الانتخابي الذي ينبني على عملية حسابية غاية في الغرابة. وإذا تم تمريره بهذا الشكل، فلن نستغرب أن يخرج البعض في مرحلة معينة ويطالب باعتماد من لديهم الحق في التصويت- أي الجسم الانتخابي الذي يتعدى حاليا 26 مليون- في احتساب المعدل الانتخابي، فهذا التعديل إن تمت المصادقة عليه من طرف الغرفتين واعتبرته المحكمة الدستورية دستوريا، فإن الأمر سيطرح تحديا كبيرا على مستوى الحساب، وتلاحظون أن وزارة الداخلية ليست متحمسة لهذا التعديل، فهي لم تدفع في اتجاه اعتماده داخل لجنة الداخلية، وتلاحظون كذلك أنه ليس هناك تعاطف وحماس لهذا التغيير، لماذا؟ لأنه إذا تم اعتماد نظام الخارج الانتخابي المبني على قسمة عدد المسجلين على عدد المقاعد الممنوحة للدائرة سيؤدي الأمر مباشرة إلى ارتفاع المعدل الانتخابي، وارتفاع المعدل الانتخابي سيؤدي بدوره إلى صعوبة الحصول عليه من طرف اللوائح المتنافسة، مما يعنى أن أغلب المقاعد سيتم الفوز بها عن طريق تقنية أكبر البقايا وليس المعدل الانتخابي، وهذا سيلحق تشويها فظيعا بالعملية السياسية برمتها، حيث ستتساوى وستتقارب الأحزاب في النتائج رغم اختلافها وتفاوتها من حيث عدد الأصوات المحصل عليها. ولابد أن نضرب هنا مثالا لتوضيح الأمر، دائرة معينة مسجل فيها 200 ألف ناخب، المقاعد الممنوحة لها 3، نسبة المشاركة نفترض بتفاؤل أنها ستصل إلى 50 في المائة، ونفترض إزالة العتبة وأن كل الأصوات جاءت صحيحة، المعدل الانتخابي بناء على النظام الذي طبق منذ 2002 هو قسمة 100000 صوت على 3 مقاعد أي 33333 صوتا، ونفترض أن ثلاث لوائح اقتسمت أغلب عدد الأصوات: اللائحة الأولى 42000 صوت والثانية 34000 والثالثة 9000 صوت والأصوات المتبقية من 100000 توزعت بين باقي اللوائح.

النتائج ستأتي على الشكل التالي:

– اللائحة الأولى: مقعد واحد والباقي من الأصوات: 9777.

– اللائحة الثانية: مقعد واحد والباقي من الأصوات: 777.

– اللائحة الثالثة: 0 مقعد والباقي من الأصوات 9000 صوت.

وباعتماد أكبر البقايا سيؤول المقعد المتبقي إلى اللائحة الأولى التي لديها أكبر بقية وهي 9777.

لكن إذا اعتمدنا النظام الانتخابي وفق التعديل المقترح، سيكون المعدل الانتخابي هو 66666 أي قسمة عدد المسجلين الذي هو 200000 مسجل على 3 مقاعد. وستكون النتائج بناء على نفس المثال كالآتي:

لم يحصل أي من اللوائح على المعدل، وستوزع المقاعد الثلاثة بالتساوي على اللوائح الثلاثة، بحيث تم مساواة من حصل على 42000 صوت بمن حصل على 9000 صوت، وهذه قمة العبث.

وبالتالي فاعتماد هذا التعديل يضرب في الصميم جوهر نظام التمثيل النسبي الذي ينبني على توزيع المقاعد نسبة إلى الأصوات المحصل عليها ومن تم ستنتفي مبادئ العدالة الانتخابية والتنافسية والتمثيلية، التي تعد الركن الأساسي الذي يجب أن تتميز به لضمان الانتخابات، حسب ما أكدت عليه العديد من تقارير الأمم المتحدة في هذا الشأن.

من بين المستجدات التي جاءت بها التعديلات التي تمت المصادقة عليها مؤخرا بمجلس النواب، توسيع مجال الاعتماد على الاقتراع الفردي عوض النظام اللائحي، ألا ترون أن هذا سيفتح مجال لانتعاش سماسرة الانتخابات؟

من بين المبررات التي قدمت أثناء طرح نظام التمثيل النسبي بدل النظام الأحادي الاسمي، ما أشرت إليه، أي ضمان نزاهة الانتخابات وعقلنة المشهد السياسي، وفي بداية الألفية الثالثة بالمغرب كان هذا هو النقاش الدائر، وبالفعل تم تبني نظام التمثيل النسبي والنظام اللائحي، لكن أقول إن النظام الأحادي الإسمي، ليس كله سلبيا، لأن أعرق الأنظمة الديمقراطية تأخذ به كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا كذلك، الإشكال فقط يكمن في مدى تجذر ثقافة الديمقراطية في المجتمع، ومدى توفر إرادة سياسية لضمان نزاهة الانتخابات، وأنا أفضل الرجوع إلى التمثيل النسبي وأن لا يتم ادماج هذا النموذج المشوه للمعدل الانتخابي، فاذا تحملت الدولة والإدارة مسؤوليتها في نزاهة الانتخابات، فسواء طبقنا النظام الأحادي الاسمي او نظام التمثيل النسبي المتعارف عليه عالميا فالأمر سيان، فالأساسي هو أن تكون هناك إرادة لإجراء انتخابات نزيهة، وإلا فإنه حتى في حالة النظام اللائحي فوكيل اللائحة أو الذي احتل الرتبة الثانية يمكن أن يستعمل المال، فمن سيمنعه عن فعل ذلك؟، فإذا لم تكن هناك قناعة ديمقراطية وسياسية لدى الفاعل السياسي المرشح والمواطن الذي ينتخب، فلا ننتظر ذلك من خلال إقرار القوانين، فالمسألة ثقافية وليست قانونية وفقط.

إذن أنتم ترون أنه لا إزالة العتبة ولا حتى الاقتراع الفردي يشكلان خطرا على المسار الديمقراطي لبلادنا، وأن الخطر الكبير هو ما سميتموه بـالخارج الانتخابي؟

ما تقوله صحيح جدا، سنكون أمام حالة شاذة على مستوى العالم إذا تبنينا نظام الاقتراع القائم على التمثيل النسبي الذي يعتمد على احتساب النتائج على أساس المسجلين وليس المصوتين، سنكون حالة شاذة للأسف والشاذ لا يقاس عليه كما يقول الفقهاء، وبالتالي أفضل أن نعود للتمثيل الأحادي الاسمي على أن نقع في هذا الخطأ القانوني التاريخي كما قلت، واعتقد أن المحكمة الدستورية قد يكون لها رأي آخر فالتعديل مخالف للمبدأ الدستوري ويعاكس الثابت الدستوري وهو الخيار الديمقراطي.

عرف نقاش التعديلات الانتخابية أيضا المصادقة في الختام على اعتماد لوائح جهوية للنساء من خلال نظام “الكوطا”، وفي نفس الوقت إزالة “الكوطا” الخاصة بالشباب، كيف ترون هذه التعديلات؟

لابد في البداية أن نشير إلى أن نظام “الكوطا”، إذا حاولنا أن نُقيّمُه من الناحية الديمقراطية ومن الناحية القانونية، فهو غير ديمقراطي بحيث نخص فئة معينة بامتياز معين، لكن الدول السائرة في طريق الديمقراطية، لاسيما فيما يتعلق بفئات لم تنل حظها على مستوى المشاركة واتخاذ القرار، فالأمر مقبول مرحليا، إذ تُعطى لهذه الفئة “كوطا” معينة في ظل أوضاع سوسيوثقافية لازالت لم تتجاوب بعد بشكل إيجابي مع مبدأ المناصفة.

 لا أرى عيبا في أن يتم اعتماد لائحة النساء من خلال “كوطا” معينة مرحليا، أما قضية الشباب فقد جاءت في سياق تاريخي مرتبط بحراك مجتمعي لـ 20 فبراير ودستور جديد بحيث تم تخصيص 30 مقعدا للشباب، لكن للأسف لم يتم احسان تدبير ذلك من طرف الفرقاء السياسيين، وهنا أعود الى الأحزاب السياسية، التي للأسف شوه بعضها “الكوطا”، حيث يمكن أن تجد عائلات بكاملها تدخل الى قبة البرلمان من مدخل “الكوطا”، مما جعلنا أمام ريع سياسي حقيقي، فعوض أن نكون أمام محطة للنقاش السياسي الشبابي الذي يدفع بالخيار الديمقراطي، نجد أنفسنا أمام إساءة للمؤسسة البرلمانية.

إدماج الشباب والنساء في نظري، هو تحدي لدى الأحزاب التي يجب أن تدفع بالشباب والنساء ليقودوا المرحلة، فلا ننتظر “الكوطا” لكي يكون حضور الشباب في قبة البرلمان أو المشهد السياسي بصفة عامة، إذ يجب على الأحزاب أن تعالج المسألة داخل تنظيماتها ومن خلال ترسيخ الديمقراطية الداخلية بها، أما أن نعول على “الكوطا” فهذا لا يستقيم، وكما قال “ميشيل كروزي” عالم الاجتماع الفرنسي: “لا يمكن تغيير المجتمع بمرسوم”، إذ نحتاج لوعي اجتماعي وثقافة راسخة تتبنى الديمقراطية والمناصفة، وتتبنى إدماج الشباب ومبدأ التداول على السلطة وعلى مراكز القيادة السياسية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.