تعميم الحماية الاجتماعية.. الورش الوطني الكبير

لا يمكن لأي وطني غيور إلا أن يفخر بإطلاق ورش تعميم الحماية الاجتماعية على جميع المواطنين من قبل جلالة الملك أيده الله ونصره، باعتبار ذلك   ضمانة كبيرة من ضمانات نجاحه، وعدم إخضاعه لعدد من الحسابات السياسوية التي عطلت عددا من المشاريع الاجتماعية .

لا نريد أن نرجع إلى الوراء وننبش في بعض الملفات التي عطلت فيها برامج اجتماعية ورفع في وجهها “الفيتو” بأشكال مختلفة كما رُفع “الفيتو” في وجه مشروع الدعم الاجتماعي خلال التشاور من أجل تشكيل الحكومة سنة 2016، ولا أن نذكر بـ”الفيتو” الذي لا يزال مرفوعا في وجه تعميم التغطية الصحية للوالدين.

لكن يكفي أن نشير بأن جلالة الملك وهو يطرح فكرة إعادة بناء نموذج تنموي جديد يمكن من دخول المغرب إلى مصاف الدول الصاعدة عبر تنمية مستدامة شاملة مجاليا تقوم على تقليص الفوارق المجالية وتقليص الفوارق الفئوية، إنما كان يطرح في الواقع فكرة نموذج تنموي يضمن التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية في نفس الوقت ويحقق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية والمجالية، أي أن الأمر يتعلق بنموذج تنموي اجتماعي .

يتعين أن نذكر أولا بما بذل من مجهود غير مسبوق خلال الولايتين الحكوميتين في المجال الاجتماعي، وأن نبني عليه من خلال عدد البرامج الاجتماعية التي تسير في هذا الاتجاه ومنها :

– إحداث صندوق التكافل العائلي الذي استهدف عددا من الفئات  منها الأم المعوزة المطلقة، ومستحق النفقة من الأطفال بعد انحلال ميثاق الزوجية والأم المهملة، والأولاد المستحقين النفقة خلال قيام العلاقة الزوجية، وتعزيز ولوج الأطفال إلى العدالة لتمكينهم من حقوقهم من خلال السماح للأولاد القاصرين، الذين لا يتوفرون على نائب شرعي بتقديم طلب الاستفادة من التسبيقات المالية من الصندوق بعد إذن من رئيس الحكومة، إضافة إلى تخويل الزوجات المعوزات حق الاستفادة من الدعم المالي الذي يقدمه صندوق التكافل العائلي، بعدما كان مقتصرا على المطلقات بعد ثبوت العجز أو امتناع الزوج عن النفقة.

– صندوق دعم التماسك الاجتماعي الذي يمول عدة برامج من قبيل برنامج نظام المساعدة الطبية “راميد”، وبرنامج “تيسير” لدعم التمدرس، والمبادرة الملكية “مليون محفظة”، ودعم الأشخاص في وضعية إعاقة، والدعم المباشر للأرامل في وضعية هشة.

– نظام المساعدة الطبية “راميد” الذي بلغ عدد المستفيدين منذ تعميمه سنة 2012 إلى غاية أكتوبر 2019، أزيد من 14.5 مليون مستفيد، ودعم الأشخاص في وضعية إعاقة حيث بلغ عدد المستفيدين إلى حدود سنة 2017 أزيد من 66 ألف مستفيد، إضافة للزيادة في المنحة وفي عدد الطلبة الممنوحين.

-إطلاق ورش التغطية الاجتماعية ليشمل الثلث الأخير من المغاربة، بعد الأجراء في القطاعين العام والخاص وذوي الدخل المحدود، من التغطية الصحية ويتعلق الأمر بالعمال المستقلين، ناهيك عن ضمان التقاعد لهذه الفئة، دون أن نتحدث عن التطور غير المسبوق في الاعتمادات المخصصة للقطاعات الاجتماعية وتنفيذ استحقاقين مرتبطين بحوارين اجتماعيين كان آخرهما اتفاق 25 أبريل لسنة 2019.

– تعزيز حكامة أنظمة التغطية الصحية من خلال تحويل “لكنوبس” إلى مؤسسة عمومية، فضلا عن التصدي للفساد التعاضدي من خلال حل التعاضدية العامة للموظفين .

– برامج الدعم الاجتماعي الاستثنائية التي استفادت منها نحو 5 ملايين أسرة خلال ثلاثة أشهر خففت من انتشار الفقر بـ9 نقاط مئوية، والهشاشة بمقدار 8 نقاط والفوارق الاجتماعية بمقدار 6 نقاط.

لكن بحكم حجم الخصاص الاجتماعي فقد ظل ورش الحماية الاجتماعية قائما وذلك ما نبه له جلالة الملك حين قال: “شيء ما ينقصنا”، مما دعا إلى إطلاق جيل جديد من برامج الحماية الاجتماعية من خلال إحداث السجل الاجتماعي ومن خلال إطلاق رهان تعميم الحماية الاجتماعية سواء تعلق الأمر بالتغطية الصحية أو الحماية الاجتماعية أو تعميم التعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل لاستكمال منظومة الأمان الاجتماعي، وهو الورش الذي شرعت الحكومة في تنفيذها عبر إطلاق عملية المساهمة الموحدة باعتبارها مدخلا من مداخل تعميم الحماية الاجتماعية .

واليوم يحق للمغاربة جميعا أن يعتزوا بما تحقق في مجال توسيع الحماية الاجتماعية، ويستبشروا بالثورة الاجتماعية الهادئة التي ستطبع العشرية الثالثة من هذا القرن، بينما كانت العشرية السابقة مؤسسة لهذا التحول من خلال عدد من البرامج الاجتماعية التي حققت تراكما مهما وأسهمت بدرجة كبيرة في التخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية .

افتتاحية العدد 28 من مجلة العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.