حامي الدين لـــــ”المساء”: المشهد الحزبي مطالب بثورة حقيقية

7/02/2013
في هذا الحوار مع يومية “المساء” يوم الاثنين بتاريخ 25 فبراير الجاري، يتحدث عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ورئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، عن أطوار محاكمة «اكديم إزيك»، كما يتحدث عن حصيلة الحكومة، ووضعية حقوق الإنسان في المغرب.
وفيما يل النص الكامل للحوار:

– كيف تابع منتدى الكرامة لحقوق الإنسان أطوار محاكمة «اكديم إزيك»؟
المنتدى تابع أحداث «اكديم إزيك» وراقبها منذ البداية، حيث راح ضحيتها تسعة أفراد من القوات العمومية- جراء جرائم واعتداءات خطيرة مست الشعور الإنساني والوطني خاصة- اقترفت في حقهم أثناء قيامهم بواجبهم الوطني، وهم قبل ذلك مواطنون مغاربة. يمكن أن نسجل بأن المحاكمة مرت في أجواء سليمة وعادية، وتوفرت فيها شروط النزاهة والشفافية. كما تميزت إدارة الجلسات بكثير من الحكمة، وتم تمكين المتهمين من الدفاع عن آرائهم والتعبير عنها، بما فيها الآراء السياسية. وبالنسبة إلى حقوق الدفاع، سجلنا رحابة صدر رئاسة الجلسة، وفسح المجال بشكل واسع للمراقبين الدوليين والوطنيين، الذين تجاوز عددهم ثمانين مراقبا، ولوسائل الإعلام الدولية والمحلية، مع توفير الترجمة الفورية بأربع لغات. كما تجاوبت النيابة العامة مع عدد من المطالب، من قبيل استدعاء بعض الشهود وإحضار المحجوزات، وتقديم الإسعافات الضرورية لبعض المتهمين وعرض بعض الأشرطة والصور. فيما رفضت، في المقابل، بعض المطالب الأخرى، التي كان من شأن قبولها أن تعزز وسائل الإثبات. كما سجلنا أيضا أن بعض المتهمين صرحوا بأنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في مخافر الأمن والدرك ومحكمة الاستئناف بمدينة العيون، قبل مثولهم أمام قاضي التحقيق. وعلى العموم يمكن القول بأن المحاكمة مرت في أجواء عادية واتسمت  بسلامة الإجراءات.

– لماذا أورد دفاع المنتدى اسم إلياس العماري في هذه الأحداث؟
 لا…لا، بعض المتهمين هم الذين أثاروا اسم إلياس العماري، وقالوا إنه كان من بين المفاوضين الذين تحاوروا معهم، وبعضهم قال إنه سلمهم بعض الأموال، والبعض قال إنه ادعى بأنه كان يمثل جهات عليا أو القصر. وإثارة مثل هذه الإفادات تستدعي البحث عن حقيقة وجود شخص ليست له صفة عمومية هناك. وبالتالي هناك غموض، إن لم نقل إن هناك مسؤولية معنوية وسياسية، لأن الشخص المعني ينتمي إلى حزب سياسي له صراعات مع حزب سياسي آخر في المنطقة، وهناك العديد من الشهادات التي تتحدث عن دور بعض الأطراف في خلق أجواء التوتر وتحويل الاحتجاجات من طبيعة اجتماعية صرفة إلى منزلقات سياسية. وبدون شك إثارة اسم إلياس العماري تستدعي كشف حقيقة ما حصل بالضبط. وإذا ثبت بأن هذا الشخص كان يتوفر على أموال وقام بتوزيعها فإن ذلك يستدعي بحثا من نوع آخر.

– اعتبرت أن المحاكمة عادية ونزيهة وشفافة. هل ذلك مرتبط بطبيعة الملف أم بسبب السياق المغربي الذي جاءت فيه؟
 علينا ألا ننسى أن الأحداث وقعت في مدن الأقاليم الجنوبية بالصحراء المغربية. وبالنسبة إلى المنتظم الدولي، فإن هذا الموضوع لازال مفتوحا حتى لو كان المغرب يبسط سيادته على الأرض. ولذلك هناك شبهة بأن تحدث متابعات ذات طبيعة سياسية بسبب آراء هؤلاء المتهمين الانفصالية، وليس بسبب ارتكابهم جرائم ذات طبيعة جنائية. لكن أؤكد لكم بأنه تبين للجميع بأن الطبيعة الجنائية للأفعال الجرمية التي تمت متابعة المتهمين بها هي التي كانت حاضرة بقوة وليست هناك أي اعتبارات.

– في موضوع حقوق الإنسان، ما رأيك في التقارير التي تتحدث عن ارتفاع نسبة العنف ضد التظاهر السلمي في عهد الحكومة الحالية؟
 بالفعل سجلنا مجموعة من التجاوزات فيما يتعلق باستخدام القوة من أجل تفريق التظاهرات السلمية. لكن لسنا متأكدين من ارتفاع هذه النسبة لأن هذه الممارسات كانت في السابق، وما يمكن تسجيله هو تزايد حجم التظاهرات السلمية التي تمر في أجواء عادية ولا تتعرض لاستخدام القوة أو العنف. وأشير إلى أنه في مجالات أخرى حصل تقدم ملموس، مثل المصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان، التي كانت مجمدة في المرحلة السابقة، والآن تم تسريع وتيرة المصادقة عليها. كما أن بعض الانتهاكات التي كانت في المرحلة السابقة اختفت بشكل نهائي مثل الاختطاف، حيث سجلنا في منتدى الكرامة 19 حالة اختطاف في سنة 2010، والآن لا نتحدث عن اختطافات. وفي مجال التعذيب لم نعد نتحدث عن المخافر والمعتقلات السرية التي يرتكب فيها التعذيب. وعلى العموم هناك تجاوب سريع مع الشكايات التي نتقدم بها أو يتقدم بها المجتمع المدني، الذي يشتغل في مجال حقوق الإنسان، بل إن وزارة العدل والحريات تجاوبت مع عدد من الشكايات التي توصلت بها في هذا الإطار، وقامت بتنظيم ندوات صحفية لإطلاع الرأي العام، أو بادرت إلى عقد لقاءات مع المنظمات الحقوقية على خلفية إصدارها بعض البيانات مثل ما حصل بخصوص الاعتقال الاحتياطي. وهذه الأمور نعتبرها خطوات جدية تعكس إرادة سياسية للنهوض بثقافة حقوق الإنسان. لكننا طبعا لم نصل إلى المستوى الذي نريده لبلادنا، فما زالت أمامنا أشواط مهمة في مجال الحكامة الأمنية، واحترام التظاهر السلمي، وتطوير الأوضاع داخل السجون، والنهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحق في التنظيم، وتفعيل باب الحقوق والحريات الواردة في الدستور المغربي، ومحاربة اقتصاد الريع، ومتابعة المتورطين في نهب الثروات العمومية، وإعفاء المتورطين في الانتهاكات الجسيمة من مهام عمومية. لكننا نعتبر أن النهوض بواقع حقوق الإنسان مسار طويل يحتاج إلى تغيير ثقافي، بالإضافة إلى تغيير التشريعات واتخاذ القرارات اللازمة.

– بالنسبة إلى الحق في التنظيم، كيف ترى مستقبل العلاقة بين الدولة وجماعة العدل والإحسان في ظل حكومة يرأسها حزب «إسلامي»؟
أعتقد أن جماعة العدل والإحسان لها مجموعة من الثوابت في التعامل مع الدولة، وهي ثوابت أصبحت مستقرة، وهي: لا للعنف، لا للسرية، لا للتعامل مع الخارج. هذه المبادئ مهمة جدا وتسمح بالقول بأنه كيفما كانت علاقة التوتر بين الدولة وجماعة العدل والإحسان، فإنها لا يمكن أن تنزلق إلى مستويات خطيرة. طبعا وجود حكومة على رأسها حزب العدالة والتنمية يمكن أن يساعد في فتح حوار جدي مع هذه الجماعة من أجل تطبيع وجودها القانوني والسياسي داخل المشهد الحزبي. لكن لا أعتقد بأن للجماعة مشكلة مع الحكومة، فتصريحات عدد من قيادييها تعتبر أن ملفها يتجاوز الحكومة، والكثير من المراقبين يعتبرون بأن مشكلتها هي مع طبيعة النظام السياسي، وهنا نتذكر جيدا أن الجماعة رفضت التوقيع على بيان «التغيير الذي نريد» عشية يوم 20 فبراير بسبب تضمنه مصطلح الملكية البرلمانية، وبالتالي، فالكرة توجد في ملعب الطرفين، وربما هناك حاجة لدى جماعة العدل والإحسان لبذل مجهود أكبر في اتجاه توضيح مشروعها السياسي في علاقته بالنظام الملكي تحديدا. كما أنه ليس هناك أي مبرر للدولة لكي تمنع الجماعة من حقها في المشاركة السياسية إذا رغبت في ذلك، أو حقها في التنظيم السياسي في إطار القوانين الجاري بها العمل.

– هل يمكن أن تتجه الدولة إلى رفع الحظر عن الجماعة؟ وهل يمكن لكم، بصفتكم منظمة حقوقية، أن تتقدموا بطلب في هذا الشأن؟
 نحن مستعدون للقيام بدور الوساطة بين الدولة وجماعة العدل والإحسان إذا طلب منا ذلك، وهذا من واجبنا. طبعا لا حاجة إلى التذكير بأن جماعة العدل والإحسان موجودة عمليا ولها مقرات وتنظم أنشطتها بحرية في مقراتها وفي بعض الفضاءات العمومية مثل الجامعات،  لكن هناك بعض التضييقات التي تعاني منها الجماعة في تأسيس بعض الجمعيات أو في منعها من بعض الأنشطة، وهو ما يعكس حالة الشد والجذب الموجودة بين الجماعة وبين الدولة، والتي تتأثر بالمناخ السياسي العام.

– نمر الآن إلى أداء الحكومة. كيف تقيم الحصيلة؟
الحديث عن الحصيلة ينبغي أن يخضع لمجموعة من الضوابط، لأننا لا نتحدث عن حصيلة حكومة تشتغل في ظروف عادية وجاءت في سياق طبيعي، بل نتحدث عن حكومة جاءت في سياق استثنائي بجميع المقاييس. كما نتحدث أيضا عن حكومة ائتلافية من أربعة أحزاب سياسية لم يسبق لها أن اشتغلت فيما بينها على مستوى تدبير الشأن العام، وبعضها كانت بينها صراعات سياسية. كما أن هذه الحكومة تشتغل في ظل انتظارات كبيرة جدا للمغاربة، وفي ظل وجود لوبيات تريد أن تحافظ على مصالحها كما هي. نعم هناك حصيلة أولية لأداء هذه الحكومة تعكس إرادة محترمة لمحاربة اقتصاد الريع ولفتح حوارات وطنية حول بعض القضايا الكبرى، من أهمها مشروع الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، والعمل على تطبيق مقتضيات الدستور الجديد. وفي هذا الإطار فإن الجميع مطالب اليوم بالتكيف السريع مع مستلزمات الدستور الجديد، لكنني ألاحظ بأن هذا التكيف يتم ببطء شديد من طرف مختلف الفاعلين السياسيين، وبعضهم لازال يستصحب جزءا من ثقافة سياسية قديمة لا تنسجم وروح الدستور الجديد. طبعا هناك، بطء فيما يتعلق بمباشرة بعض الإصلاحات الكبرى، لكنني أعتقد بأن هذا أمر مفهوم بالنسبة إلى السنة الأولى، لكن أعتقد بأن هناك حاجة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات في السنتين الثانية والثالثة.

وماذا عن الفاعل الحزبي؟
 المشهد الحزبي مطالب بثورة حقيقية حتى يكون في مستوى المرحلة، فنحن أمام دستور جديد أعطى مكانة مهمة للأحزاب السياسية، لأن السلطة اليوم لا يمكن أن تدبر خارج الفضاء الحزبي. فلا خيار أمام الأحزاب إلا التأقلم بشكل سريع مع هذه المستلزمات حتى تكون في مستوى تحديات المرحلة. لقد كانت الأحزاب تعاني من معيقات بنيوية مرتبطة بثقافة سياسية محافظة وقديمة، وتخترقها أيضا نزعة الخوف من السلطة، لكن دينامية حركة 20 فبراير، التي نحتفي بذكراها الثانية، ساهمت في تحطيم مركب الخوف لدى الأحزاب وحررت النخب السياسية لتقوم بدورها. لا يمكن أن نطلب من حركة 20 فبراير أن تعوض دور الأحزاب السياسية في الإصلاح، فهذه الحركة مثلت ضميرا للمجتمع ووجهت رسائل إنذار في الوقت المناسب، وأوقفت مسارا تحكميا كان ماضيا في المغرب للهيمنة على مفاصل الدولة والسلطة، والآن يجب على النخب السياسية أن تتحمل مسؤوليتها، لا أن تعود إلى المربع الأول حينما كانت في المرحلة السابقة تعاني من ثقافة الجمود وتنتظر دائما المبادرة من الأعلى. للأسف ما زلنا نلاحظ بأن هناك رغبة لدى البعض في إضعاف الأحزاب السياسية والتدخل في شؤونها الداخلية والعمل على فرز قيادات تتمتع بالقابلية الكاملة للخضوع للتوجيه والتحكم، وهنا أحذر من المحاولات الجارية لإضعاف المشهد الحزبي، لأن ذلك يمثل خطرا حقيقيا على مستقبل التجربة الديموقراطية في بلادنا.

– ما رأيك في مقولة أن العدالة والتنمية شكل أملا للمغاربة، لكنه سرعان ما تبخر؟
 لا أتفق مع هذا الطرح لأن المصداقية مرتبطة بالإنجاز على المستوى الميداني في مختلف المجالات وبقول الحقيقة للناس واستنفاد الجهد في خدمة مصالح البلاد والعباد والحذر من انزلاقات السلطة وما يرتبط بها من مغانم غير مشروعة. فليست هناك قاعدة راسخة تفيد بأن حزبا عندما يكون في المعارضة يتمتع بالمصداقية والشرف، وعندما يدخل إلى التسيير يفقد مصداقيته ويتمتع بـ«حلاوة السلطة». هذا تصور يتعارض مع مبادئنا، فنحن نعتقد بأن خدمة مصالح الناس وإصلاح أحوال البلاد بواسطة السلطة هما شرف كبير، إذا قمنا بهما على أكمل وجه فنحن مأجورون عليهما في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى. طبعا، إمكانية الفشل مطروحة إذا لم يكن هناك إنجاز، وإذا تم التفريط في الثوابت المتعلقة بالنزاهة والاستقامة، وكان هناك تقصير في خدمة مصالح المواطنين، لكن إلى حدود الساعة يدرك المغاربة جيدا بأن هناك اشتغالا، وأكدوا ذلك في الانتخابات الجزئية الأخيرة في كل من طنجة ومراكش وإنزكان.

– التعديل الحكومي أصبح مطلبا ملحا لحميد شباط. كيف ترى سياق هذا المطلب؟
 حميد شباط هو أمين عام جديد لحزب الاستقلال، وهو جزء من التحالف الحكومي، ومن حقه أن يطالب بتعديل حكومي، فهذه مسألة مشروعة، لكن الطريقة التي اختارها هي التي أثارت لدينا ملاحظات، حيث لا يمكن لمطلب كهذا أن يثار على صفحات الجرائد إلا إذا سدت قنوات التواصل بين الحلفاء، في الوقت الذي توجد هناك مؤسسة لرئاسة التحالف. لكن أعتقد الآن بأن الأمور ستأخذ مجراها الطبيعي، وجميع الخلافات الممكنة ينبغي أن تدبر في إطار مؤسساتي مسؤول. طبعا نحن نتعامل مع حزب سياسي وطني نتقاسم معه الكثير من حيث المرجعية، وعلاقاتنا به مبنية على الاحترام والتقدير المتبادل حتى عندما كنا في زمن المعارضة. وأذكر أنه بعد التفجيرات الإرهابية لـ16 ماي 2003 عشنا لحظات عصيبة، لكن حزب الاستقلال لم ينخرط آنذاك في الحملة السياسية والإعلامية المنسقة التي استهدفت حزب العدالة والتنمية آنذاك، وأرادت تحميله المسؤولية المعنوية عن تلك الأحداث.

– كثيرا ما تحدث رئيس الحكومة عن العفاريت والتماسيح. فمن تكون في نظرك؟
هذا أسلوب مجازي لتجنب المواجهة المباشرة، وهو أسلوب حكيم في بعث إشارات سياسية دون خلق اصطدامات حادة. فالمغرب يتميز بروح وفاقية بين الفاعلين السياسيين رغم حجم الاختلافات السياسية. وحزب العدالة والتنمية حريص على تجنب التقاطبات الحادة ذات الطبيعة الإيديولوجية أو السياسية، لأن هذا لا يفيد في بناء العملية الديمقراطية. لكن، بالمقابل، نحن بحاجة إلى توضيح العملية السياسية أكثر في الوقت الراهن، واستخدام هذه المصطلحات له وظيفة بيداغوجية مؤقتة لا يمكن أن يستمر مفعولها لمدة طويلة، وعلى هذه التماسيح والعفاريت أن تلتقط هذه الإشارات وتنخرط في روح المرحلة التي تتطلب ثقافة سياسية مسؤولة تعلي من شأن مصلحة الوطن وتتجاوز منطق المصالح الضيقة. طبعا رئيس الحكومة يعرف هذه العفاريت والتماسيح بشكل مادي وملموس، لأنه في موقع الاحتكاك المباشر مع المؤسسات المختلفة، ونحن نعرف أن هناك مراكز نفوذ داخل الإدارة المغربية والقطاع الخاص وغيرهما من المؤسسات التي لها مصالح معينة، وتريد أن تتمتع بالسلطة دون أي مراقبة أو محاسبة، وأن تستفيد من الثروة بطرق سهلة بواسطة الريع في مستويات مختلفة، وبالتالي لا نحتاج إلى مجهود كبير لكي نعرف بأن هذه العفاريت والتماسيح توجد في جميع الأماكن التي توجد فيها الثروة والسلطة.

– أثير من جديد قبل أسابيع اسم عبد العالي حميد الدين في قضية مقتل الطالب بنعيسى آيت الجيد. كيف تلقيت ذلك؟
 هناك من يريد أن يبقى هذا الموضوع حاضرا في الصورة، ليس بالحق وإنما بالباطل، وإثارة اسمي في ملف عمره 20 سنة هو نوع من المتاجرة السياسية الرخيصة بدماء الشهداء الذين سقطوا في الجامعة المغربية. لقد عانت الجامعة المغربية كثيرا من التطاحنات والصراعات الفصائلية المختلفة، كما عانت من تدخلات أمنية عنيفة لكسر نضالاتها النقابية والسياسية. وضحايا هذه الصراعات الدموية متعددون ومتنوعون، يوجد فيهم ضحايا من الفصائل الإسلامية مثل محمد العبودي وأوزوكار وفخيش عبد الجليل وغيرهم. طبعا هؤلاء سقطوا في الجامعة المغربية في ظل ملابسات مختلفة اختلطت فيها الصراعات الفصائلية بالتدخلات الأمنية. ولذلك لا ينبغي، من الناحية الأخلاقية والموضوعية، توجيه اتهامات إلى فصيل يساري راديكالي فقط لأنه يختلف معي في التصور السياسي، فهناك ضحايا من التيار الأمازيغي يتهمون فيها تيارات قاعدية، وهناك ضحايا من الاتحاد العام لطلبة المغرب. إذن معرفة ما جرى في الجامعة المغربية ينبغي أن يطرح وفق مقاربة شمولية منفتحة على المستقبل بغية وضع حد لمسلسل العنف في الجامعة المغربية، وليس وفق مقاربة تغذي الحقد والكراهية وتزيد في تعميق الجراحات لتاريخية.

– لكن لماذا أثير اسمك من جديد في الآونة الأخيرة؟
 فيما يتعلق بي شخصيا، سبق لي أن اعتبرت بأن إثارة هذا الموضوع جاء مباشرة بعد المقال الذي كتبته بعنوان «دفاعا عن الدستور»، والذي نبهت فيه إلى بعض الممارسات التي تفتقر إلى أساس دستوري، وهناك أطراف سياسية اتهمتني مباشرة بطريقة غبية لينكشف للرأي العام من يقف وراء هذا الملف، بل وصل بها الأمر إلى حد طرح الملف في سؤال شفوي على وزير العدل والحريات، ومحاولة إثارته مرة أخرى أمام القضاء، الذي سبق أن قال فيه كلمته وخضع لجميع مراحل التقاضي. إذن هناك استراتيجية مكشوفة لإبقاء هذا الملف حاضرا في وسائل الإعلام، ومقترنا باسم عبد العالي حامي الدين، لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى، ومحاولة لتشويه السمعة. لكنني أرى أنه إذا كانت مثل هذه الادعاءات والمزاعم يمكن أن تؤثر على السمعة التي يتوفر عليها الإنسان، فمعنى ذلك أن الإنسان ليست له سمعة حقيقية وليست له أدنى مصداقية، دون أن يعني ذلك عدم الرغبة في الوصول إلى الحقيقة في هذا الملف وغيره من الملفات، بعيدا عن أي توظيف سياسي بطبيعة الحال.

– سبق أن اتهمت حزب الأصالة والمعاصرة بأنه يشكل – خطرا على الديموقراطية، وبأنه يجب أن يطهر هياكله من بعض رموز الفساد، علام استندت في ذلك؟
 هذه ليست اتهامات، بل توصيف موضوعي، لأن  نشأة حزب الأصالة والمعاصرة ليست طبيعية. هو لم يخلق كمضغة وعلقة فعظام ثم كسوناه لحما..هذا الحزب خلق جبارا في الأرض منذ اليوم الأول، وبالتالي فهذه النشأة غير الطبيعية جعلت الحزب يحتل الرتبة الأولى في البرلمان دون أن يشارك في الانتخابات، وهذه أسطورة في تاريخ الحياة السياسية المغربية، ولا بد من الاعتراف بأن هذا تم بفعل فاعل، والفاعل هو الإدارة والدعم المباشر للمرشحين، وأيضا تشجيع الترحال السياسي بالترغيب والترهيب. طبعا نحن ليس لدينا ما نخفيه، فنحن حزب تأسس منذ السبعينيات من القرن الماضي، وبدأنا في البناء تدريجيا حتى أصبح العدالة والتنمية على ما هو عليه الآن. نحن نقول إن الأصالة والمعاصرة عليه أن يقوم بنقد ذاتي، وأن يعترف بأنه بالفعل ارتكب أخطاء فادحة في حق الديموقراطية المغربية الفتية.

– هل الأصالة المعاصرة عدو للعدالة والتنمية؟
 لا أعتقد ذلك، بل هؤلاء مغاربة ومن حقهم أن يتكتلوا في تنظيم سياسي. نحن نتحدث فقط عن الوسائل، فالدولة لم تكن في حاجة إلى حزب يدعم اختياراتها بطريقة فجة، فالمغاربة اليوم مجمعون على النظام الملكي، ومنذ مجيء الملك محمد السادس تم الحسم في هذا الموضوع، وعبد الإله بنكيران مهما طال وضعه في السلطة سيغادرها بقوة القانون والمنطق، بينما الملكية راسخة في مكانها. أنا أعتقد بأن طبيعة نشأة هذا الحزب هي التي فيها إشكال، فلو تطورت «حركة لكل الديمقراطيين» بشكل تدريجي وطبيعي إلى حزب سياسي له إيديولوجية وله خط سياسي بطريقة عادية وانسيابية دون دعم من طرف الدولة لما كان لدينا أي اعتراض، لكن هذا الحزب، وأقصد بذلك بعض الأشخاص داخله، أدخل أسلوبا جديدا في الممارسة السياسية يعتمد على السلطوية واستغلال النفوذ أو القرب من بعض مراكز النفوذ لممارسة أسلوب الترهيب والتخويف، وهذا لم يعد من الممكن الرجوع إليه إطلاقا.

حاوره/ المهدي السجاري

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.