بنخلدون لـــ pjd.ma : علاقاتنا الجيدة مع النهضة فرصة لتمتين الروابط بين المغرب وتونس

05-03-13
أكد محمد الرضى بنخلدون، رئيس قسم العلاقات الدولية لحزب العدالة والتنمية، أن زيارته لدولة تونس الشقيقة “جاءت بتكليف من الأمين العام للحزب بغية معرفة أوضاع حركة النهضة في هذه الظرفية، ولتقديم بعض التصورات والاقتراحات في إطار تبادل الأفكار بين حزبي العدالة والتنمية وحركة النهضة”.
وأضاف بنخلدون في حوار مع pjd.ma أنه التقى مجموعة من القيادات السياسية والحكومية التونسية في مقدمتهم راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، مشيرا إلى أنه تباحث مع هذه القيادات السياسية والحكومية حول الأوضاع الداخلية التونسية وسبل تجاوز الأزمة التي وقعت بعد اغتيال الفقيد شكري بلعيد.
وأبرز بنخلدون أن العلاقات المتينة والجيدة التي تربط “العدالة والتنمية” و”النهضة” تعد فرصة ينبغي أن تستثمر بشكل ذكي، في تقوية العلاقات الرسمية بين المغرب وتونس، معربا عن أسفه في المقابل من خطاب بعض التيارات المعارضة في المغرب التي “بدأت تلمز وتغمز عندما وقع اغتيال شكري بلعيد دون أن تدري أن هذه التصرفات لا تخدم المصلحة العليا للبلد”.
وتطرق بنخلدون في هذا الحوار إلى مجموعة من القضايا المرتبطة بالشأن التونسي من قبيل كيفية تجاوز الأزمة التي اندلعت بعد اغتيال شكري بلعيد، إضافة إلى سيناريو التحالفات لتشكيل الحكومة التونسية الجديدة بعد تعيين علي العريض رئيسا للحكومة، وغيرها من القضايا التي تساهم في عرقلة التحول الديمقراطي بتونس.
 
وفي ما يلي نص الحوار :
 
1 – قمتم بزيارة دامت ليومين في إطار العلاقات الدبلوماسية لحزب العدالة والتنمية، بداية ما هي دواعي هذه الزيارة ؟
** تأتي زيارتنا لدولة تونس الشقيقة بتكليف من الأخ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، باعتبار الأوضاع الخاصة والدقيقة التي تعيشها تونس بعد أن تقدم رئيس الحكومة التونسية السابق، حمادي جبالي، بفكرة حكومة كفاءات على إثر ما عرفته الساحة السياسية التونسية بعد اغتيال الفقيد شكري بلعيد، باعتبار أن هناك جهات تريد إجهاض التحول الديمقراطي هناك، إذ توجد أياد خفية تشتغل في الظلام، وتريد أن تؤثر على التطور الديمقراطي للبلدان المغاربية، ولهذا تتجلى أهداف هذه الزيارة في جس النبض ومعرفة أوضاع حركة النهضة في هذه الظرفية، ولتقديم بعض التصورات والاقتراحات في إطار تبادل الأفكار بين حزبي العدالة والتنمية وحركة النهضة.

2 – (مقاطعا) هل يمكن أن نعتبر هذه الزيارة محاولة للتعريف بتجربة حزب العدالة والتنمية والتجربة المغربية لدى حزب حركة النهضة ولدى مختلف المكونات السياسية التونسية؟  
** حزب حركة النهضة كان دائما يطالب بلقاءات للاستفادة من التجربة المغربية باعتبار أن هناك تقاربا كبيرا بين الحزبين على المستوى الفكري، ونُقدر أيضا أن الانتماء إلى المنطقة المغاربية يحتم علينا المزيد من التقارب بين الأحزاب المغاربية بصفة عامة وليس فقط مع حزب حركة النهضة، ولكن خصوصا بيننا وبين هذا الحزب باعتبار التقاء حزبينا على مستوى المرجعية والتصورات السياسية.

3 – ما هي أهم التيارات والشخصيات التي التقيتم بها خلال هذه الزيارة؟
** استثمرنا هذه الزيارة التي دامت يومين في عقد لقاء مع المكتب السياسي لحركة النهضة مباشرة بعد رجوع علي لعريض من القصر الرئاسي وتكليفه كرئيس للحكومة من قبل رئيس الجمهورية، منصف المرزوقي، حيث استمعنا خلال هذا اللقاء إلى وجهة نظر حركة النهضة في الأوضاع السياسية، التي ملخصها أنهم خرجوا من المرحلة الدقيقة والحرجة، إذ كانت هناك مجموعة من التخوفات عند بعض الجهات حول إمكانية الانشقاق داخل حركة النهضة، وحول ردة الفعل التي يمكن أن يقوم بها الأخ حمادي جبالي، وحول ما يعرف بالصراع بين التيارات المبدئية والبرغماتية داخل حركة النهضة، خصوصا وأن الأخ حمادي جبالي عندما طرح فكرة حكومة كفاءات جمع حوله مجموعة من الأطياف السياسية حتى المعارضة للنهضة،  حيث أصبح رجل إجماع باستثناء حزبه وهذه مفارقة ربما غريبة جعلتنا نتخوف على مستقبل الحركة.

 ولكن أخبرنا الشيخ راشد الغنوشي أن حمادي الجبالي تعامل بشكل حضاري وأخلاقي كبير في اجتماع مجلس شورى الحركة، حيث اعتذر عن الاستمرار في المسؤولية لأنه يؤمن فعلا أن المرحلة الراهنة تقتضي حكومة كفاءات ولكنه اعتبر نفسه جنديا من جنود حركة النهضة، وبالتالي فهو يتقبل أي قرار يتخذه مجلس شورى الحركة، وقد أفرز النقاش حول خلف لحمادي الجبالي تصويتان، الأول كان لفائدة وزير العدل السابق بحكومة الجبالي، نور الدين البحيري، ولكن رئيس الجمهورية اعتذر عن قبول هذا الاقتراح لأنه بالرغم من أن البحيري ذو كفاءة كبيرة ولكن له بعض الخصومات والصراعات مع بعض الأطراف السياسية، وبالتالي أعادت حركة النهضة طرح موضوع اقتراح رئيس حكومة جديد، حيث تم الاختيار الثاني وهو علي العريض، وزير الداخلية السابق، وهو من المناضلين المؤسسين لحركة النهضة، وبهذا الاقتراح وقبوله من طرف رئيس الجمهورية فقد اعتبروا أنهم خرجوا من عنق الزجاجة.

كما أن هذه الزيارة كانت فرصة للقاء بعلي العريض، رئيس الحكومة، وكمال عبد اللطيف، وزير الصحة، ونور الدين البحيري، وزير العدل، وكذا بالأخ جلاصي المكلف بشؤون التنظيم لحزب حركة النهضة، وبرئيس الدائرة السياسية لحركة النهضة، عامر عريض، إضافة إلى مستشاري رئيس الحكومة السابق، حمادي جبالي، وشكلت هذه الزيارة مناسبة للقاء رئيس مركز الإسلام والديمقراطية في ندوة أقيمت بتونس وشاركت فيها في موضوع “مشروع الدستور التونسي”، حيث تم عرض هذا المشروع في ندوات فكرية على مجمل الفعاليات السياسية والمدنية والنقابية لمناقشته بشكل تفصيلي.

4 – إذا يمكن القول بأن تونس تجاوزت ما سميته المرحلة الدقيقة خاصة، عقب مقتل شكري بلعيد، ودخلت مرحلة جديدة في إطار التحول الديمقراطي؟
** نستطيع أن نقول أن تونس قد تجاوزت أزمة شكري بلعيد بشكل جزئي وليس كليا، وبالتالي ليس هناك اطمئنان على تجاوز الأزمة بشكل نهائي، ولكن رغم ذلك هناك مؤشرات مهمة تدل على التجاوز الجزئي للأزمة خاصة ما يتعلق بالقبول الذي يحظى به علي العريض، رئيس الحكومة المعين، لدى الطبقة السياسية التونسية، إضافة إلى مواقف علي العريض الصارمة من التيارات المتطرفة بالرغم من أنها أثارت عليه جملة من المشاكل خاصة مع التيار السلفي، ولكن في نفس الوقت أظهرت أنه رجل دولة ولا يتلاعب بمصير التونسيين، ثم ثقة رئيس الجمهورية فيه، إضافة إلى أنه شخص مقبول لدى جهات خارجية، خصوصا حلفاء تونس التقليديين، وبالتالي فهذه كلها عوامل تجعل من على العريض رجل المرحلة.


5 – هناك من يرى بأن الأزمة التونسية مركبة وساهمت في ذلك عوامل داخلية ترتبط بالأجواء الجديدة التي تعيشها تونس خاصة ما يتعلق  بما يسمى “التطرف السلفي”، أما العوامل الخارجية فترتبط بتدخل فرنسي في الشؤون الداخلية التونسية للحفاظ على مصالحها.

** أعتقد أن فرنسا لم تقم بعد بعملية هضم وصول الإسلاميين للسلطة في البلدان المغاربية، بمعنى أنها تتعامل مع الموضوع باعتباره أمرا واقعا، ولكنها تتصور أنها أمام إسلاميي الانتقال، أي أن الشعوب العربية تعيش تحولا ديمقراطيا بعد ثورات الربيع الديمقراطي التي حملت عبر صناديق الاقتراع الإسلاميين إلى السلطة، ولكن فرنسا تنتظر المرحلة القادمة لأنها لم تهضم بعد أن الإسلاميين مكون أساسي في الساحة السياسية، وأنها يجب أن تتعايش معهم، وفكرة التعايش لا توجد بصددها أي مؤشرات، باعتبار أنه في الثورة التونسية لا يمكن أن ننسى دعم فرنسا إلى آخر لحظة لنظام بنعلي، وما أثارته تصريحات وزيرة فرنسية من زوبعة حول ثورة الياسمين، ولكن فرنسا حاولت تدارك الأمور وربطت علاقات بالحكومة التونسية، ومجرد أن بدأت تظهر بوادر إشكالات في تونس، سارع وزير الداخلية الفرنسي إلى الحديث على أن تونس تعيش إشكالات، وأن هناك تيارا فاشيا يحكمها، مما أثارت ضجة في الشارع التونسي حيث تضامن الشعب مع حركة النهضة، فصحح وزير الخارجية الفرنسي هذا الوضع، واعتبر أن تصريحات وزير الداخلية لا تعني الحكومة لإرجاع الموضوع إلى نصابه.
وعليه نشعر كأن فرنسا ليست مطمئنة بشكل كاف على صعود الإسلاميين لأسباب كثيرة ترتبط بما هو اقتصادي وسياسي، إضافة إلى ما هو إيديولوجي، باعتبار أن فرنسا تمثل اللائكية الفرنسية التي تختلف عن العلمانية الأنكلوساكسونية، وبالتالي ففرنسا لها هاجس الحفاظ على النفوذ الاقتصادي والإعلامي ولما لا الإيديولوجي. بالرغم من أن الإسلاميين أوضحوا بما فيه الكفاية أنه ليس لهم أي عداء مع فرنسا، بل بالعكس يعتبرون فرنسا دولة حليفة وشريكة، وإنما هي هواجس عند فرنسا ستزول مع المدة.

6 –  الآن هناك مشاورات واسعة لتشكيل الحكومة التونسية الجديدة. ما هي في تصوركم خريطة التحالفات المقبلة التي ستشكل الحكومة؟
** بداية يُمكن القول أن علاقة حزب حركة النهضة بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية جيدة، حيث كان هذا الحزب يرفض منذ البداية حكومة الكفاءات التي اقترحها الجبالي، ولذا فأعضاء حركة النهضة يؤاخذون على حمادي الجبالي مؤاخذة واحدة هي عدم رجوعه للاستشارة مع أعضاء الحركة عندما أراد اتخاذ هذا القرار، وطبعا فحمادي الجبالي له موقف آخر يتجلى في كون البلاد كانت تعيش ظروفا استثنائية جعلته يتصرف كرئيس حكومة لكل التونسيين وليس كأمينا عاما لحزب معين، فكان يهدف بذلك إلى تنفيس حالة الاحتقان أولا، وثانيا أراد إعطاء فرصة لحكومة كفاءات في مرحلة انتقالية دقيقة وسريعة ستمر مباشرة إلى انتخابات، وحين ذلك يمكن لحركة النهضة إذا احتلت المرتبة الأولى أن تسير الحكومة.
أما في ما يتعلق بحزب التكتل فقد كان له موقف مؤيد لفكرة حكومة تكنوقراط أي مخالف لتوجه حزب حركة النهضة، بالرغم من أن هذا الحزب حليف قوي للنهضة، ولكن بعد تعيين علي العريض، رئيسا للحكومة، دخل حزب التكتل في مشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة.
وبخصوص مشاورات تشكيل الحكومة فإن حركة النهضة راهنت على توسيع الحكومة بإضافة كتلة الوفاء وكذلك التحالف الديمقراطي، وقد أعلنت كتلة الوفاء في البداية أنها ستساند حكومة علي العريض، غير أن هناك جهات غير معروفة تحركت لتقف ضد هذا الدعم، مما سيصعب على رئيس الحكومة المعين توسيع الحكومة بشكل كبير، وعلى كل حال فأحزاب الترويكا المشكلة من ثلاثة أحزاب هي حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل هي كافية لتشكيل الحكومة لأنها تشكل 51 في المائة من المجلس التأسيسي التونسي.

7 – كيف هو صدى تجربة العدالة والتنمية في قيادة تجربة تدبير الشأن العام لدى حركة النهضة ولدى مختلف الهيئات السياسية؟
** أعترف أننا نشعر بنوع من السعادة عندما نسمع التونسيون يتحدثون عن المغرب فهم يعتبروننا على مستوى قيادة الحركة أنها تجربة رائدة، ويرون أن الفضل في ذلك يرجع إلى حكمة جلالة الملك. ويعتبرون أن ملك المغرب تعامل بذكاء وبحكمة كبيرين مع الربيع الديمقراطي، ويعتبرون أن عليهم الاستفادة من التجربة المغربية بصفة عامة ومن تجربة حزب العدالة والتنمية بصفة خاصة، ونحن نتفق معهم في التحليل من كون المغرب أعطى نموذجا للانتقال السلس للتحول الديمقراطي، وطبعا لديهم أسئلة وهواجس وهم حريصون على تطوير علاقتهم مع المغرب، وفي الواقع فنحن نشعر أننا مقصرون في علاقتنا مع حركة النهضة التي لم تعد حركة في المعارضة ولكنها تسير البلاد، ويكفي أن نقول أن لديهم مواقف جد متقدمة من قضية الوحدة الترابية المغربية التي تعتبر بالنسبة لنا قضية إستراتيجية.
 
8 – كيف يمكن أن تستفيد العلاقات المغربية التونسية من العلاقات الجيدة التي تربط حزبي العدالة والتنمية والنهضة؟
بالتأكيد أن العلاقات المتينة والجيدة التي تربط حزبي العدالة والتنمية والنهضة تعد فرصة ينبغي أن تستثمر بشكل ذكي، لأن الحزبين معتدلين يتقاسمان نفس المرجعية، وجاءا بعد مرحلة الربيع الديمقراطي ويتقاسمان نفس الأفكار من حيث وحدة الأمة، ومحاربة كل الأشكال الانفصالية، إضافة إلى احترام المؤسسة الملكية، إذ يعتبر حزب حركة النهضة المؤسسة الملكية نموذجا للاستقرار، ناهيك عن أن الحزبين يعتبران فكرة الاندماج المغاربي تدخل في إطار البعد الإستراتيجي، وليس على مستوى البعد الظرفي فقط، ثم إيمان حركة النهضة بقضية الوحدة الترابية للمكلة، وبالتالي فكل هذه القضايا تجعل هذه العلاقة فرصة ينبغي استثمارها، وفي المقابل نتأسف لخطاب بعض التيارات المعارضة في بلادنا التي تلمز وتغمز عندما وقع اغتيال شكري بلعيد دون أن تدري أن هذه التصرفات لا تخدم المصلحة العليا للبلد.

9 – باعتباركم رئيس قسم العلاقات الدولية لحزب العدالة والتنمية. هل يمكن أن تتحدث لنا عن هذا القسم بين أمس المعارضة وحاضر تسيير الشأن العام بالنسبة للحزب؟
** لا شك أن انتقال الحزب من المعارضة إلى الأغلبية سيؤدي إلى تغيير الكثير من الأمور، إذ يكفي الإشارة إلى أنني لما كنت مسؤولا عن ملف العلاقات الخارجية ابتداء من سنة 2000 إلى غاية سنة 2008 حوالي ثمان سنوات، وفي تلك المرحلة كنا نستقبل الوفود والسفراء بمعدل معين، واليوم تضاعف هذا المعدل بأربع إلى خمس مرات بعد أن تولى الحزب تدبير الشأن العام، وهذا أمر طبيعي باعتبار أن هناك مجموعة من الجهات تسعى للتعرف على التجربة المغربية، وتريد أن تفهم الحزب، وهناك جهات تريد أن تربط علاقة تعاون وشراكة مع الحزب، وبالتالي أصبح الثقل كبيرا على قسم العلاقات الدولية أكبر بكثير مما كنا في المعارضة، وبالتالي يحتاج وسائل لوجيستيكية وموارد بشرية ووسائل مادية هي الآن غير متوفرة ولكن سنعمل بإذن الله بتنسيق مع الإدارة العامة للحزب على توفيرها في المستقبل.
أما من الناحية التنظيمية، فقسم العلاقات الدولية تابع للإدارة العامة للحزب، ولكن من الناحية السياسية لا يمكن أن يتخذ قرارات أو أي عمل استراتيجي إلا بالتنسيق مع الأخ الأمين العام الذي تبقى له الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بالعمل الدبلوماسي للحزب.
 
أجرى الحوار : أحمد الزاهي

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.