قرنفل لــ”التجديد” : الاستقلال لم يكن جديا في الانسحاب وقراره تكتيك سياسي

29-05-13
قال حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، “إن حيثيات انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة والطريقة التي تم بها صناعة القرار هي صرخة احتجاج وتهديد بالخروج من الحكومة أكثر منه انسحاب جدي وفعلي، والدليل على ذلك هو الاحتكام إلى الفصل (42) من الدستور الذي يضع الأمر بيد الملك”، وأضاف في حوار مع يومية “التجديد” في عدد يوم الثلاثاء 28 ماي الجاري، أن الأمر يتعلق بتكتيك سياسي من أجل الحصول على مكاسب جديدة وإعادة توزيع مقاعد الحقائب الوزارية أكثر منه تفكيرا جديا في الانسحاب من الحكومة.
قرنفل اعتبر أن التوتر بين مكونات الأغلبية عادي باعتبار أن الأحزاب الحالية المشكلة للحكومة تحالفت بعد ظهور نتائج انتخابات 2011، ولم تكن قبل الانتخابات قد هيأت أي تحالف بينها، كما لم يكن هناك تقارب حقيقي وفعلي بين هذه الأحزاب، وأكد المتحدث، أن التزام الحزب في مشروع وفي تحالف معين عليه أن يبقى مخلصا لهذا الالتزام حتى إن تغيرت قيادته، وتغير قيادة حزب الاستقلال لا يمنع الحزب من الوفاء بالتزاماته السابقة، مشيرا إلى أنه ليس من المناسب أن يطالب حزب الاستقلال بعد تغيير قيادته بإعادة النظر في كل ما سبق للقيادة السابقة أن قامت به بخصوص الائتلاف الحكومي الحالي والشخصيات الوزارية التي تمثل الحزب.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا :

1 – شهدت الساحة السياسية مؤخرا تصعيدا من طرف أحد مكونات الأغلبية، هل ما يحصل يعد طبيعيا وأمرا عاديا أم أننا إزاء وضع شاذ؟
** التوتر بين مكونات الأغلبية عادي باعتبار أن الأحزاب الحالية المشكلة للحكومة تحالفت بعد ظهور نتائج انتخابات 2011، ولم تكن قبل الانتخابات قد هيأت أي تحالف بينها، كما أن الأغلبية الحكومية الحالية هي نتيجة للمفاوضات التي أجراها عبد الإله ابن كيران بعد تعيينه رئيسا للحكومة مع مختلف الأحزاب السياسية، ولم يكن هناك تقارب حقيقي وفعلي بين هذه الأحزاب.
بطبيعة الحال، فالحكومة تشكل كما في سائر الديمقراطيات على أساس ميثاق وبرنامج عمل متفق عليه، تشارك كل الأطراف الحزبية بناء عليه ويلتزم كل طرف به. ما حصل أن التغيير الذي حصل داخل قيادة حزب الاستقلال بمجيء حميد شباط على رأس الحزب وإفراز لجنة تنفيذية ذات توجه مشاكس داخل الحزب، أدى إلى ظهور هذا الارتباك داخل الأغلبية، ونتذكر أن شباط حتى قبل ترؤسه للحزب عبر عن عدم رضاه عن حصيلة التفاوض بين القيادة السابقة لحزبه ورئاسة الحكومة حول الشخصيات الاستقلالية التي أنيطت بها المسؤولية، وكان من جدول أعماله بشكل استعجالي إعادة النظر في الشخصيات الوزارية التي تمثل حزبه داخل الحكومة، وأيضا إعادة النظر في توزيع الحقائب الوزارية، وهذا هو الذي أدى إلى هذا التصدع وحدوث أزمة داخل الأغلبية التي من شأن استمرارها أن يكون له تأثير على الأداء الحكومي.
 
2-  بناء على ما قلتم، هل نحن فعلا إزاء مطالب واقعية لأمين العام لحزب الاستقلال أم نحن أمام محاولة ل”فرملة” التجربة أو شيء من هذا القبيل؟
** من الناحية الموضوعية، الحزب الذي يلتزم في مشروع وفي تحالف معين عليه أن يبقى مخلصا لهذا الالتزام حتى إن تغيرت قيادته، وتغير قيادة حزب الاستقلال لا يمنع الحزب من الوفاء بالتزاماته السابقة، لذلك أرى أنه ليس من المناسب أن يطالب حزب الاستقلال بعد تغيير قيادته بإعادة النظر في كل ما سبق للقيادة السابقة أن قامت به على بخصوص الائتلاف الحكومي الحالي والشخصيات الوزارية التي تمثل الحزب، وأعتقد أن شباط كان عليه أن ينتظر بلوغ هذه التجربة الحكومية نصفها على الأقل ليطالب بوقفة تأمل وتقييم لحصيلتها ويبدي بعض ملاحظاته، أما أن يكون هذا المطلب هو أول عمل سياسي يقوم به بعد تحمله للمسؤولية فهذا يدل بأن الحزب تنصل من مسؤوليته والتزاماته السابقة داخل الأغلبية، بغض النظر عن صحة أو خطأ ما يقوله شباط بخصوص الأداء الحكومي وتعامل السيد رئيس الحكومة مع باقي الفرقاء.
 
3 – ذكرتم سابقا أن الخلافات الموجودة داخل الأغلبية من شأنها أن تؤثر على الأداء الحكومي، كيف ذلك؟
** نحن نعلم أن هذه الانتخابات أجريت في ظرفية صعبة بالنسبة للمغرب، وفي فترة عرفت كل دول المنطقة زخما شعبيا وفق مطالب اقتصادية وسياسية ملحة من طرف الجماهير، المغرب تمكن بفضل حنكته وتجربته الديمقراطية السابقة أن يخرج سالما من هذه العملية بناء على موافقة المغاربة على دستور جديد، وبالتالي هذه الحكومة شكلت في إطار لحظة سياسية جديدة تتمتع بصلاحيات جديدة لرئيس الحكومة، وفي إطار وضعية اقتصادية واجتماعية تطرح مجموعة من الصعوبات، كما أن الحكومة التي شكلت بعد إجراء الانتخابات تضع على رأس أولوياتها القيام بسلسلة من الإصلاحات يعلم الجميع بما في ذلك رئيس الحكومة أنه لن يكون من السهل إنجازها في هذه الظرفية، لأنها تتطلب مجموعة من التضحيات من كافة المكونات الشعب المغربي.
الآن لم يتم الشروع فعلا في ملف إصلاح صندوق المقاصة وصناديق التقاعد وإصلاح القضاء، ومن شأن هذا التوتر داخل الأغلبية أن يؤجل هذه الإصلاحات أو يخفف منها، وبالتالي هذا التوتر داخل الأغلبية في هذه اللحظة بالذات ليس في صالح البناء بصفة عامة بغض النظر عن مواقف كل الفرقاء داخل الحكومة.
 
4 – أكدت تسريبات إعلامية في وقت سابق، أن أسباب الخلاف الحقيقية بين شباط وابن كيران والتي دونت في المذكرة التي سيرفعها الاستقلال إلى الملك، تكمن في اشتراط شباط التراجع عن قرار الانسحاب بعدم الخوض في إصلاح صندوق المقاصة وصناديق التقاعد وتأجيل الانتخابات الجماعية إلى سنة 2015، مثل هذه المطالب -إن صحت- كيف تنظر إليها؟
** إن كانت هذه هي المطالب الحقيقية لدى حزب الاستقلال فسيكون من الصعب جدا عودته إلى الحكومة أو أي حكومة في المستقبل، لأن كل الحكومات بغض النظر عمن يقودها ويشارك فيها عليها عاجلا أو آجلا أن تعالج هذه القضايا الملحة في الإصلاحات، واشتراط الاستقلال العودة إلى صفوف الحكومة بالتخلي بما تفكر فيه الحكومة يبدو من باب تصعيب الأمور على رئيس الحكومة خاصة أن الجميع يدرك أن هذه الملفات هي أولوية الدولة وليس فقط الحكومة، واستمرار الدولية المغربية واستمرارية مؤسساتها في الاشتغال بطريقة عادية مرهون بمدى تنفيذ هذه الإصلاحات كيفما كانت هذه التشكيلة الحكومية وشخصية رئيس الحكومة، لذلك في اعتقادي لا يمكن القفز على هذه الإصلاحات وكل محاولة فإنها قفزة إلى المجهول بالنسبة للمغرب.
 
5 – منذ بداية التجربة الحكومية الحالية، بدأت تتوالى تصريحات مثيرة من قياديين حزبيين تنتقد مسلسل الإصلاحات التي تقوم به الحكومة، وتعتبر كل إجراء حكومي على أنه محاولة لاستمالة الناخبين وزيادة شعبية حزب العدالة والتنمية، هل مثل هذه التصريحات صحية في العملية الديمقراطية؟
** أعتقد أن إصلاح صندوق المقاصة كيفما كان الحل الذي سيتم تبنيه من طرف الحكومة سيخلق عددا كبيرا من المحبطين وغير الراضين عن هذه الإصلاحات، بما في ذلك الفئات الفقيرة والشعبية، لأن مشكلة المقاصة في المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة، وأي إصلاحات ستقترحها الحكومة ستكون صعبة بالنسبة لمجموع المغاربة، ولا أعتقد أن مباشرة إصلاح صندوق المقاصة مثلا سيكون من ورائه ربح في القاعدة الشعبية بل سيخلق مجموعة من المحبطين، وهذا لا يمنع الحكومة من مباشرة هذه الإصلاحات ونحن نعلم أن الإصلاحات تتم بآلام وبصعوبة لكنها تبقى ضرورية لأنها تضمن الاستمرارية للمؤسسات.
من جهة أخرى، أن يقال إن الحكومة تفكر في الإصلاحات من أجل الرفع من شعبيتها فهذا غير صحيح لأن هذه الإصلاحات لا تؤدي إلى الشعبية بل تؤدي إلى العكس من ذلك وإلى تعرضها لانتقادات لاذعة من فئات عديدة.
 
6 – التوتر الذي تعيشه الأغلبية الحكومية اليوم، ما تأثير ذلك على المجتمع وموقف أفراده من السياسة والسياسيين بشكل عام؟
** أعتقد أن هذا يسيء إلى العمل السياسي بشكل عام، ويعطي صورا على أن الفاعلين السياسيين بأنهم أشخاص يدافعون عن مصالحهم قبل المصلحة العامة، وأن هدف الأحزاب السياسية هو إيصال مقربين منها إلى المسؤولية والمناصب الوزارية دون مراعاة المصلحة العامة للبلاد، وبدون شك هذا يؤدي إلى مزيد من العزوف عن العمل السياسي وحمل أفكار سلبية عن الفاعلين السياسيين والأحزاب السياسية، وهذا في العمق غير صالح للعملية الديمقراطية، لأنه إن لم تكن هناك مشاركة بشكل متين فإن العملية السياسية تكون ذات تأثير أقل مما هو منتظر منها.
 
7 –  بالعودة إلى قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة، أليس القرار محاولة للاختباء وراء التحكيم الملكي، ويفسر على أن الحزب غير جاد في الانسحاب؟
** حيثيات انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة والطريقة التي تم بها صناعة القرار هي صرخة احتجاج وتهديد بالخروج من الحكومة أكثر منه انسحاب جدي وفعلي، والدليل على ذلك هو الاحتكام إلى الفصل (42) من الدستور الذي يضع الأمر بيد الملك، ويضع إمكانية التراجع عن هذا القرار متاحا إن ارتأى الملك ذلك. ربما يتعلق الأمر بتكتيك سياسي من أجل الحصول على مكاسب جديدة وإعادة توزيع مقاعد الحقائب الوزارية أكثر منه تفكيرا جديا في الانسحاب من الحكومة، وأعتقد أن السجال والتراشق الكلامي الذي حصل بعد هذا القرار من شأنه تصعيب مهمة إعادة الأمور إلى نصابها، لأنه في هذه الفترة تم التصريح بكثير من الكلام الجارح من هذا الطرف أو ذلك مما يصعب من محاولة إقرار نوع من التصالح بين الطرفين المتنازعين.
 
8 – في حال استمرت الملاسنات بين حزب الاستقلال وباقي مكونات الأغلبية، وفي ظل انضباط وزراء الاستقلال لرئيس الحكومة،  هل ممكن عدم تأثر الأداء الحكومي؟
** لا أعتقد أن التوتر بين الأغلبية الحكومية ليس له تأثير على أداء الحكومة خاصة في ملفات الإصلاح الكبرى، لأن هذا الإصلاح يتطلب انسجاما بين الأغلبية حكومة وبرلمانا من أجل الدفاع عن قرارات إجراءات الإصلاح أمام الرأي العام وإعطائها القاعدة الدستورية الضرورية.

صحيح في الفترة الراهنة هناك نشاط حكومي عادي، والتزام واضح لوزراء حزب الاستقلال بالحضور في أشغال الحكومة وأداء مهامهم كاملة، لكن سيتبين لاحقا هل ستستمر الوضعية إلى ما لا نهاية، كما سيظهر في غضون الأسابيع المقبلة هل ستستمر التشكيلة الحالية بإدخال تعديلات طفيفة أم سيذهب الأمر إلى حدود إفراز تشكيلة حكومية جديدة تحضا بأغلبية برلمانية أو في حالة قصوى الإعلان عن حل مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، كل هذه السيناريوهات ممكنة.
 
9 – يلاحظ المتتبعون، أن حكومات الربيع العربي منذ انتخابها تواجه معارضة شديدة، حتى أن البعض يعتبرها محاولة للانقلاب عن الشرعية، ما هو أوجه المقارنة بين التجربة المغربية التجارب الأخرى خاصة التونسية والمصرية؟
** الفرق الجوهري، أنه بالنسبة للمغرب وبناء على دستور 2011 هناك الملك الذي يلعب دور الحكم بين مختلف المؤسسات والذي يحظى أيضا بهامش التدخل في العملية السياسية كلما تطلب الأمر لذلك، يعني أن هناك دائما جهة معينة تحظى بالشرعية من أجل فك النزاعات والخلافات. أما بالنسبة للتجربة التونسية والمصرية فإن رأس السلطة السياسية هو نفسه السلطة التنظيمية والتنفيذية، وبالتالي تداخل الأدوار يؤدي إلى غياب طرف محايد يمكن اللجوء إليه في حالة النزاع بين المكونات السياسية، وهذه وضعية لحسن الحظ لا نعيشها في المغرب لخصوصية التجربة السياسية المغربية.
 
10 – كسؤال أخير، برأيكم، كيف يتابع المجتمع المغربي الوضع السياسي في ظل التطورات الأخيرة؟
** يمكن أن نتحدث عن ثلاثة مواقف، موقف يؤيد رئاسة الحكومة ويرى بأن ما تشهده الساحة السياسية الحالية هو محاولة للتشويش على الحكومة وعدم تمكنيها من إنجاز برامجها والإصلاحات التي وعدت بها، ثم طرف آخر يرى بأن حزب الاستقلال على صواب في مبادرته بالانسحاب من الحكومة لأن هناك أسلوبا في تسيير أمور الحكومة غير سوي يتطلب ضرورة التوقف من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، ثم هناك طرف آخر يتشكل من أغلبية من المتابعين والمهتمين يرى بأن الطبقة السياسية المغربية ربما لم تصل إلى النضج السياسي الضروري لممارسة سياسية ديمقراطية، وربما تحتاج إلى كثير من الجهد من أجل الوصول إلى مستوى مقبول في العمل السياسي.
حاوره: محمد كريم بوخصاص

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.