حامي الدين يكتب: حوار المجتمع المدني

عبد العلي حامي الدين
قبل حوالي ثلاثة أشهر انطلقت أشغال اللجنة الوطنية لإدارة الحوار الوطني حول المجتمع المدني، بعد تعيينها من طرف الحكومة، تحت رئاسة شخصية وطنية محترمة الأستاذ إسماعيل العلوي.
وهي مناسبة هامة لإعادة النقاش حول الدور الحقيقي للمجتمع المدني وإعادة الاعتبار لمكانته الأصلية وأدواره التاريخية.
فقبل الفترة الاستعمارية كان المجتمع المدني هو الأصل، وكانت الوحدات الاجتماعية الدنيا من الأسر والعشائر والقبائل والجماعات والزوايا والمساجد..تعمل على تغطية حاجات المجتمع اعتمادا على إمكانياتها الذاتية، بينما كانت السلطة المركزية تقوم بأدوار رمزية محدودة..

وقد تعرضت مجتمعاتنا بعد عملية التحديث القسري الذي تعرضت له إلى هيمنة أدوار الدولة المركزية، وشغلها لمساحات واسعة سحبت من المجتمع المدني أدواره الاجتماعية والتنموية التي كان يقوم بها بشكل طبيعي..
اليوم هناك حاجة لاستعادة نوع من التوازن في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتجاوز تغول الدولة وهيمنتها، وبالمقابل تطوير المجتمع المدني وعقلنة أدائه، وذلك على ضوء المقتضيات الجديدة للدستور. 

البارحة أطلقت اللجنة الوطنية نداء من أجل المشاركة في فعاليات هذا الحوار تدعو من خلاله المواطنين والمواطنات وجميع الفاعلين المدنيين والجمعيات والشبكات وجميع الهيآت المعنية إلى المشاركة في الحوار الوطني حول المجتمع المدني في أفق استخلاص جواب مشترك نابع من مقترحات واجتهادات مختلف مكونات المجتمع المدني، من أجل تفعيل المرتكزات والأحكام الدستورية المتعلقة بالديمقراطية التشاركية، والإسهام في توفير الشروط القانونية المثلى لتفعيل أدوار المجتمع المدني المتعلقة بمجال التشريع والرقابة وصياغة وتتبع وتقييم السياسات العمومية .
الحوار الوطني حول المجتمع المدني، لن ينطلق من فراغ فهناك تراكم هائل
لأدوار المجتمع المدني في الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي مباشرة الفعل التنموي والخدماتي..

اليوم هناك حاجة ماسة للتفكير الجماعي من أجل العمل على توفير الشروط اللازمة للرفع من أداء المجتمع المدني  ليكون في مستوى الأدوار المنوطة به من الناحية الدستورية، وقد اقترحت اللجنة الوطنية ثلاثة محاور لتأطير الحوار:  محور الآليات التشريعية والقانونية لإعمال  أحكام الدستور، ويتعلق الأمر ببلورة أرضيات تشريعية  لتفعيل أحكام  الدستور، ذات العلاقة بمجال الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي والوطني، ومحور خاص بالحياة الجمعوية: ويتعلق الأمر باقتراح التدابير القانونية والتنظيمية والمؤسساتية  الكفيلة بتعزيز حرية واستقلالية الجمعيات، ومشاركتها في إعداد  وتنفيذ وتقييم السياسات والقرارات العمومية ، و تدبيرها على أساس المبادئ الديمقراطية، وتعزيز حكامتها، و تحقيق تكافؤ الفرص بينها، وتوفير الحق في المعلومات المرتبطة بالولوج إلى الشراكات ومصادر الدعم العمومي، وتمكين العاملين في المجال التطوعي من إطار قانوني ملائم، كفيل بتأهيل العمل الجمعوي ليكون شريكا كاملا في المسار التنموي والديموقراطي الوطني والجهوي والمحلي ، بالإضافة إلى المحور المتعلق ببلورة  مشروع  ميثاق وطني أخلاقي يتواضع عليه الجميع، على أرضية مبادئ وحقوق وواجبات الديموقراطية التشاركية وآلياتها  وخلق تكامل خلاق مع الديموقراطية التمثيلية .

وهكذا، فإن كافة الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني  وجميع المعنيين  بالموضوع، مدعوون للتفاعل مع هذا النقاش العمومي الذي يهم ورشا استراتيجيا هاما، وذلك عبر  إعداد وإرسال المذكرات  والمقترحات المكتوبة ،  والمشاركة في جلسات الإنصات والندوات الوطنية والجهوية ،  بالاضافة إلى المبادرة بتنظيم أنشطة ولقاءات وورشات حوارية وتشاورية موازية ، والتفاعل مع الموقع الإلكتروني للجنة الوطنية للحوار.
محطة الحوار العمومي ستستغرق سنة كاملة، وهي محطة مدنية وديمقراطية بامتياز، تستدعي التفكير بروح جماعية  مبدعة، قصد تعزيز مكتسبات ومكانة المجتمع المدني أولا،  والعمل على توفير الشروط اللازمة للرفع من أدائه وتمكينه من الانخراط الكامل في البناء الديمقراطي والتنموي  ثانيا..
إنها لحظة تاريخية فلنكن في الموعد..          

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.