ليبيا: سياسات استقطابية تهدد قيام الدولة

المحجوب لال

بعد سقوط القذافي، تحوّل قطاع الأمن في ليبيا إلى نظام هجين، تميّز بتعاون فضفاض وغير متوازن بين الجماعات المسلحة المنظّمة محلياً التي ترعاها الدولة وبين الجيش الوطني والشرطة. ثم ازدادت وتيرة الاستقطاب في المؤسّسات السياسية والأمنية وفق انقسامات مناطقية ومجتمعية وإيديولوجية، مما أدى إلى انهيار النظام.

البلاد منقسمة الآن بين معسكرين متحاربين: “عملية الكرامة”، وهي تحالف يتكون من قبائل المنطقة الشرقية وأنصار الفيدرالية والوحدات العسكرية الساخطة. و”عملية الفجر”، وهي تحالف من القوى الإسلامية المتحالفة مع جماعات مسلحة من مصراتة. كل معسكر يدّعي بأنه يملك الحكم والشرعية، وله برلمانه وجيشه ورئيس وزرائه الخاص.

أسهم الدعم الإقليمي لكلا المعسكرين – تدعم مصر والإمارات العربية المتحدة “عملية الكرامة”، في حين تدعم قطر وتركيا والسودان “عملية الفجر” – في تعميق هذه الانقسامات. ثم فشلت الجهود الخارجية لتدريب وتجهيز المؤسّسات الأمنية في ليبيا بسبب هذا الاستقطاب. إذ لا يوجد هيكل قيادة فعّال، حيث لجأ المتدرّبون إلى الولاءات المناطقية أو هم في إجازة مفتوحة بسبب عدم وجود هيكل عسكري يمكنهم الانضمام إليه.

إن تجاوز الوضع المقلق الحالي، يتطلب تطبيق وقف إطلاق النار بين الكرامة والفجر، وتأمين انسحاب القوات المشاركة في الحملات العسكرية التي يقوم بها الطرفان، كما ينبغي أن تخرج الوحدات العسكرية الخاصة بالتحالفين من المدن الكبرى، وحلّ الوحدات التي هاجمت المدنيين أو المنشآت المدنية.

وعلى المستوى السياسي، تلوح الحاجة أكثر من أي وقت مضى، إلى تشكيل حكومة انتقالية تشمل جميع الفصائل، ويشمل ذلك صيغة لتقاسم السلطة تحفظ ماء وجه كل السياسيين وتضمّ أنصار “الكرامة” و”الفجر”، هذا إذا كفّ التحالفان عن دعم الجماعات المقاتلة ومهاجمة المنشآت المدنية.

وبخصوص دول الجوار، فهي مدعوة لإبرام اتفاق إقليمي ضدّ التدخّل العسكري في شؤون ليبيا، الشيء الذي يمتد إلى القوى الخارجية التي عليها الكفّ عن تجهيز وتمويل الجماعات المسلحة، ودفع حلفائها في ليبيا باتجاه المصالحة. ويُعتبر اتفاق عدم التدخل الذي تم توقيعه في شتنبر 2014، ويشمل مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا، بداية مشجّعة.

وعلى المستوى التنظيمي، يتوجب الإتجاه نحو دعم تطوير بنية أمنية وجيش وطني وقوة شرطة جديدة في ليبيا، عبر تسخير واستخدام المبادرات الأمنية المحلية، بعد صياغة ميثاق سياسي جامع، كما يتعيّن على الولايات المتحدة وحلفاؤها التركيز على دعم إقامة بنية دفاعية يسيطر عليها المدنيون، وخاضعة للسلطة المركزية، ومضاعفة جهود نزع السلاح.

إن الوضع المقلق في ليبيا لا يشكل خطرا على البلد المنتج للفوضى لوحده، بل هذه الفوضى والاختلالات تتعدى حدوده الجغرافية الى دول الجوار، وخاصة تونس والجزائر ومصر، مما يحتم على هذه الدول بخاصة وعلى غيرها بعامة، العمل على المساهمة بفعالية في انقاذ البلاد من الانهيار، ومنع التدخل الخارجي الذي من شأنه اذكاء الانقسام أو الصراعات لصالح طرف أو آخر أو خدمة لمصالح معينة على مستوى ما من المستويات.

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.