طلابي يستشرف مستقبل الحرب على غزة ويقرأ مآلات المشهد في المنطقة ما بعد الحرب

مع اقتراب الحرب على غزة من يومها الثمانين، بات من الواضح أن أهداف الاحتلال الإسرائيلي بعيدة التحقق خاصة مع ما تكبده جيشه “الذي لا يقهر” من خسائر جسيمة، فبعدما كان يلوح أنه سينهي الحرب لصالحه في شهر تبين أنه غير قادر على ذلك فهو الذي بدّل خططه العسكرية في أكثر من مناسبة، الأمر الذي أكد ارتباكه إزاء ما يحصل، وأن الأمر أكبر من إمكاناته وترسانته العسكرية، فبالرغم من مساندة ودعم أمريكا والغرب له، إلا أنه فشل فشلا ذريعا في احتلال غزة، فالحرب على غزة أعقد مما يظن الصهاينة حتى باتوا يلوحون بوقف مؤقت لإطلاق النار حتى يلملموا جراحهم.
قيام كيان فلسطيني
وفي هذا الصدد، اعتبر الباحث والمتخصص في القضايا المعاصرة امحمد طلابي، أن طوفان الأقصى سيؤدي إلى منعرج تاريخي كبير في قضية حل المشكلة الفلسطينية، مشددا على أن ما حدث سيضع حدا للتطبيع الذي ينتهي بالقضاء على قضية فلسطين، وأضاف أن التطبيع سيكون لكن بشرط أن تقوم الدولة الفلسطينية.
وأوضح في تصريح لـpjd.ma، أن التطبيع الذي كان يجري سينتهي بدمار ونهاية قيام مشروع الدولة الفلسطينية، مردفا أن “هذا المشروع في التطبيع القديم انتهى”، وتابع أن “أي تطبيع في المستقبل أي إقامة علاقات رسمية للدول العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني لن تكون إلا بقيام كيان فلسطيني إلى جانب الكيان الإسرائيلي”.
وفي تقديره، فإن طوفان الأقصى قد قضى على التطبيع السلبي المطلق الذي كان يجري وما يسمى بـ”صفقة القرن”، منبها من جانب آخر، إلى أن ما يجري من مقاومة منظمة ومرتبة جريئة ذات تخطيط عالٍ، وعقل سياسي وعسكري عالي المستوى، سيؤدي إلى وضع قيام الكيان الفلسطيني على رأس جدول الأعمال على الصعيد الدولي سواء في دول الغرب أو في الأمم المتحدة أو في مجلس الأمن أو العلاقات الإقليمية، لأن الكل بحسبه متضرر اليوم من غياب كيان فلسطيني بما في ذلك الكيان الإسرائيلي.
وأوضح أن “مئات الآلاف من الإسرائيليين لاجئين في ملاجئ، أو فارين من مدينة إلى مدينة، فأي حياة هذه؟ فهذه ليست حياة، وبالتالي فهم أنفسهم سيشعرون وسيتشكل تيار نفسي وجداني جمعي عند الإسرائيليين على أنه لا حل لهم ولا استقرار لهم، ولا طمأنينة ولا سكينة ولا عيش كريم بدون قيام كيان فلسطيني إلى جانبهم”.
تشكيل وجدان جمعي
ويرى المتحدث ذاته، أن طوفان الأقصى والمقاومة الشرسة التي تقوم بها حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة، سينتهي إلى تشكيل هذا الوجدان الجمعي عند الإسرائيليين أنفسهم “الذين جاؤوا ليعيشوا في الفردوس فإذا بهم يجدون أنفسهم في جحيم باستمرار أولا بسبب المقاومة الفلسطينية، وثانيا بسبب التطرف السياسي للقيادة الإسرائيلية التي ترفض قيام أي دولة أو كيان فلسطيني”.
واعتبر المتحدث ذاته أن الأمور تمضي في اتجاه تشكيل كيان فلسطيني، قبل أن يستدرك” نحن لسنا ضد اليهود بل نحن ضد الصهيونية سواء كانوا يهودا أو مسيحيين، وأن العدو رقم واحد للمسلمين وللفلسطينيين ليس فقط اليهودي الصهيوني بل أيضا المسيحي الصهيوني، فهو الذي يمثل الخطر الأكبر على الشعب الفلسطيني وعلى أمة فلسطين، وبالتالي نحن لسنا ضد اليهود ولسنا ضد المسيحيين أن يعيشوا في وئام ومع باقي الفلسطينيين المسلمين، فأنا مع قيام كيان يجمع اليهود الفلسطينيين والمسلمين الفلسطينيين والمسيحيين الفلسطينيين في كيان على المدى البعيد.. بمعنى الذين يعيشون على تلك الأرض يتعايشون بشكل ديمقراطي وبتوافق ويقيمون دولة بعيدة عن العنصرية وبعيدة عن التطرف وعن معاداة الفلسطينيين”.
واستدرك قائلا “ولكن مرحليا لا بد من قيام كيان فلسطيني مستقل، وهذا سوف يحدث، لأن الإسرائيلي نفسه سيضطر إلى القبول به إن أراد أن يعيش مطمئنا في بيته وداره وفي معمله وفي متجره وفي مدرسته، لذلك إن أراد أن يعيش مطمئنا فلا بد له أن يقبل بقيام الكيان الفلسطيني إلى جانبه، وهذا سيحدث لأن المقاومة الفلسطينية أثبتت بأن لها قوة ضاربة وبأنها قادرة على هزيمة الكيان الإسرائيلي”.
وفي تقديره يعتبر طلابي، أن “الكيان الاسرائيلي مهزوم في غزة، فهو لم يحقق أي شيء فقد دخل منذ أكثر من 70 يوما لكل المناطق في غزة، ولكن هل استقر في غزة؟ وهل استطاع أن يسيطر على الأرض، الأكيد أنه لم يستطع، فهو يعيش في الدبابات ويعيش تحت مظلة الطائرات التي تحميه من أي شيء”.
مستقبل القضية
ومن جانب آخر، يرى المتخصص في القضايا المعاصرة، أن على الفلسطينيين أن يكونوا متشددين في قضية وقف إطلاق النار ولا يجب أن يعطوا أي رهينة أو أسير، وسيكون خطأ استراتيجيا أن يتم تبادل الأسرى وينتهي الأمر بهدنة مؤقتة وتعود الحرب، مستشهدا بتجربة صدام حسين حين قام بتسليم كل الأسرى فكان الغزو الأمريكي له وكان الدمار للعراق، وهو ما وصفه المتحدث ذاته، بالخطأ الاستراتيجي في التعامل مع أسرى الغرب.
ونبه طلابي، إلى عدم تكرار الأمر مع حماس، قبل أن يستدرك بالقول” أظن أن حماس تمتلك عقلا استراتيجيا كبيرا جدا، ولا يمكن لأحد أن ينافس يحيى السينوار أو محمد الضيف في القدرة على التخطيط والتفكير والجرأة وعلى الإقدام وعلى كل شيء في إدارة المعركة، لذلك فأنا مستبشر ومتفائل بأن الكيان الفلسطيني سيرى النور في مقبل السنوات ان شاء الله”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.