البام والانقلاب على مدونة سلوك البرلمانيين

محمد عصام


تداولت وسائل الإعلام بشكل واسع خبر اختيار فريق الأصالة والمعاصرة، أحمد تويزي رئيسا له بمجلس النواب.
إلى حدود الآن الخبر يبقى شأنا داخليا يخص فريقا نيابيا وفصيلا سياسيا يعتبر ثالث ثالثة ضمن التحالف الحكومي.
لكن إذا عرفنا أن الرئيس الجديد / القديم لفريق الجرار، متابع أمام غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بمراكش، المختصة بجرائم الأموال، من أجل تبديد أموال عمومية موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته، فإن هذا يطرح أكثر من سؤال؟؟ على الرغم من تمسكنا واحترامنا لمبدأ قرينة البراءة المكفول للجميع كحق دستوري لا غبار عليه.
والذي يجعل هذه الأسئلة ملحة وبقوة هو الرسالة الملكية الموجهة للمحتفلين بالذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي، التي دعا فيها جلالته إلى صياغة مدونة سلوك للبرلمانيين لقطع الطريق أمام وصول المفسدين أو الفاسدين لهذه المؤسسة وخدش صورتها في المخيال العام للمواطنين.
وفعلا شرع مجلس النواب من خلال مكتبه في دراسة الأمر، بل كانت هناك مسارعة لإخراج نص في الموضوع قبل إغلاق دورة أكتوبر وسال مداد كثير بهذا الخصوص وانتعشت التسريبات وكذلك الإشاعات المرتبطة به، وكان رأينا والذي ما زلنا نتمسك به، أن المشكل ليس في إخراج مدونة من عدمها، بل المشكل يوجد في” السياسة” نفسها وفي بنية الفاعل الحزبي رأسا، وأيضا في منظومة القوانين المؤطرة للانتخابات، وجزء منه متعلق بسلوك الإدارة في دعم بعض الكائنات التي تسيء للعملية الديمقراطية وتسهيل وصولها إلى المواقع الانتدابية.
ومن مكر التاريخ أن وزير العدل الذي كان أمينا عاما لحزب الجرار، كان يسارع الخطى في هذا الاتجاه، وكان يدفع بالفريق إلى تبني تعديلات على النظام الداخلي لمجلس النواب، تقصي المتابعين في قضايا الفساد من حضور الجلسات الافتتاحية للدورات وعدم ترشيحهم للمهام في هياكل المجلس.
اليوم إذا تم فعلا تبني خيار تجديد الثقة في تويزي لفريق البام، فإننا بصدد انقلاب حقيقي وكامل الأركان على توجيهات الرسالة الملكية، كما أن ذلك يعتبر جوابا سيئا في مضمونه وتوقيته أيضا، بخصوص التفاعل الواجب مع الرسالة ومع ما جاء فيها.
وهذه الرسالة السيئة تقول أيضا، أن حليمة عادت إلى عادتها القديمة، وأن الاستنفار الذي أحدثته الرسالة الملكية قبل ختم دورة أكتوبر، كان ضرفيا وعابرا ليس أكثر، وأن الفاعل السياسي للأسف مازال بعيدا عن روح ومضمون الرسالة.
من حق البام وغيره أن يختار من يشاء لقيادة فريقه، لكن ليس من حقه تبديد الروح التي ضختها الرسالة الملكية في المشهد السياسي، ولا مصادرة أحلام المغاربة في القطع مع الفساد، وأملهم في التوفر على مؤسسات تمثيلية يلجها النزهاء والأكفاء وليس من تلطخت سجلاتهم أو شابت مساراتهم شُبَهُ الفساد، والذي للأسف اليوم ما يقارب من 30 برلمانيا إما متابعون أو تمت إدانتهم في قضايا لها علاقة بالفساد وخيانة الأمانة وغيرها، وبالطبع هناك من ينتظر.
إن هذه النازلة تكرس الشك والارتياب وتعمق نوازع العزوف عن العمل السياسي، وتطعن من الخلف مصداقية المؤسسات، وتجعل أي حديث عن محاربة الفساد مجرد كلام ليل يمحوه النهار.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.