محمد عصام يكتب: من سيدافع على أخنوش بعد قرار مجلس المنافسة؟

وأخيرا صدر قرار مجلس المنافسة القاضي بتغريم شركات المحروقات 1،8 مليار درهم، وهو قرار إدانة يجعل تهمة التواطؤ وإبطال قواعد المنافسة الشريفة ثابتة في حق شركات المحروقات، وعلى رأسها شركة رئيس الحكومة التي تهيمن على هذه السوق بنسبة تقارب 50 في المائة بالنسبة للبنزين، و30 في المائة بالنسبة للغازوال.
هذه الإدانة ستبطل وإلى الأبد، مفعول الترافع المدفوع الثمن لتبييض صفحة رئيس الحكومة، الذي يقوم به البعض في البرلمان وفي الإعلام وفي غيرهما، وسيجد هؤلاء أنفسهم عراة أمام الرأي العام بعد أن انكشفت ” عورة” ولي نعمتهم، ولكن هذه المرة بقرار لمؤسسة من مؤسسات الحكامة الرسمية.
ومن مكر التاريخ، أن هذه “التعرية” جاءت أياما قلائل بعد فضيحة رئيس الحكومة المدوية، والمتعلقة بنيل شركتين تابعتين للهولدينغ الذي يملكه، صفقة بناء محطة تحلية ماء البحر بالدار البيضاء، بقيمة 15 مليار درهم، وفي الدول التي تحترم نفسها، هذا كاف ليعصف بصاحبه من موقعه في تدبير الشأن العام، لكننا في هذا البلد السعيد، لن يحدث شيء من ذلك، بل سيتطوع كثير من فصيلة “كاريين الحنك” لممارسة تزييف الوعي وتضليل الرأي العام وخلط الأوراق، دفاعا عن هذا الوضع المشين الذي أوصلنا إليه زواج المال بالسلطة، فافسد السياسة والإعلام به وكل شيء، وساهم في تدني مؤشر الثقة بشكل غير مسبوق كما جاء في تقارير المندوبية السامية للتخطيط .
لكن دعونا من كل هذا، ولنعد لحكم مجلس المنافسة.
ولنضع هذا القرار في سياقه،
فبعد تحرير أسعار المحروقات سنة 2015، تشكلت على إثر الفوضى والتواطؤ الظاهر للعيان، لجنة برلمانية استطلاعية سنة 2018، خلصت إلى أن شركات المحروقات التهمت بشكل غير أخلاقي منذ سنة التحرير على غاية صدور تقرير اللجنة منتصف نهاية 2018 ما ينهاز17 مليار درهم، هذا الرقم سيتضاعف حسب تقرير غير رسمي إلى ما يقارب 45 مليار درهم.
مجلس المنافسة في نسخة ادريس الكراوي سيتخذ في 23 يوليوز 2020 قرارا بتغريم الفاعلين الأساسيين بــ 9 في المائة من رقم المعاملات وبنسبة أقل لباقي الفاعلين، ليعود يوم 28 يوليوز من نفس السنة ليتراجع عن هذا القرار ويحدد غرامة بنسبة 8 في المائة لكل الفاعلين.
بقية القصة معروفة، حيث سيقوم أعضاء من المجلس بمراسلة الديوان الملكي وتقديم شكاية في حق الكراوي، وستكون النتيجة هي الإطاحة بهذا الأخير من الرئاسة وتعيين أحمد رحو بدلا عنه.
هذا الأخير ومنذ تعيينه كان حذرا جدا، مخافة أن تنفجر الألغام تحت قدميه، وهو الذي رأى رأي العين مصير سلفه، ورفض مباشرة ممارسة مهامه إلى غاية صدور قانون المتعلق بالمنافسة وحرية الأسعار والقانون المتعلق بمجلس المنافسة.
رحو في قراره الأخير ظل وفيا لنهجه في الحذر والامتثال للحكمة التي تقول “السرعة تقتل”، فجاء قراره بالتغريم “بردا وسلاما” على شركات المحروقات، إذ لا مجال للمقارنة بين 9 أو 8 في المائة من رقم المعاملات التي غرم بها الكراوي شركات المحروقات، و 1،8 مليار درهم والتي جاءت بصيغة تصالحية بين الشركات ومجلس رحو.
كل المؤشرات تقول أن ما لهفته شركات المحروقات من جيوب المواطنين، وفي طليعتها شركة رئيس الحكومة، منذ2015 إلى اليوم، كبير جدا، وهذا ما أكده تقرير المهمة الاستطلاعية، وتقره أيضا وثائق الحكومة نفسها، إذ سبق لوزيرة الانتقال الطاقي في حكومة أخنوش في بداية الولاية أن وزعت وثيقة رسمية في اجتماع لجنة البنيات الأساسية تفيد أنه إذا كان سعر البترول في السوق الدولية في حدود 100 دولار للبرميل، فإن ثمن اللتر من الغازوال لا يجب أن يتعدى 11 إلى 11،5 درهما للتر في الوقت الذي كان فيه ثمن البرميل في حدود 80 دولار للبرميل والغازوال كان يباع بــــ 14 درهما للتر الواحد، ثم إن انخفاض الأسعار في السوق الدولية لا ينعكس إلا لماما على أثمنة البيع في المحطات وبنسبة ضئيلة لا تحقق التناسب المطلوب بين السوق الدولية والمحلية.
إذن نحن أمام قرار وإن كان مهما على الأقل في كسر هيمنة الشركات وسطوتها على المؤسسات، والتي من تجلياتها “التاريخية المفزعة” تفجير مجلس الكراوي، فإنه للأسف القرار ما زال بعيدا عن تحقيق المأمول، ونتمنى على الأقل، إن لم تكن الغرامات في المستوى، أن ينعكس القرار على سلوك الفاعلين في مزيد من الشفافية والتنافسية الشريفة، فالضغط على المغاربة وعلى جيوبهم وصل مدى لا يمكن التكهن بما يمكن أن “يلده” في المستقبل، نسأل الله اللطف “والله اهدي المسؤولين على بلادهم” .

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.