الصمدي يكتب: الرجوع رسميا إلى الدوامة الفارغة للإصلاح

بعد صمت طويل تخللته انتقادات واسعة لطريقة الحكومة في تنزيل عدد من مشاريع إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي خارج مقتضيات القانون الإطار 17-51، هذه الانتقادات الموضوعية التي وجهت إلى الحكومة سواء من طرف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي نبه في مختلف آرائه في المشاريع المعروضة عليه إلى مخالفات صريحة لمقتضيات القانون، ودعا إلى رد الأمور إلى نصابها في كثير منها كمرسوم الهندسة اللغوية، ودفاتر الضوابط البيداغوجية، أو في تقرير والي بنك المغرب المرفوع إلى جلالة الملك والذي نبه فيه إلى أن المراجعات والتراجعات في مشاريع الإصلاح من شأنها أن تؤثر على تحقيق أهداف الإصلاح في الآماد المحددة، أو من طرف المتتبعين والفاعلين الذين نبهوا في غير ما مناسبة إلى أن العديد من مشاريع الإصلاح التي تطبقها الحكومة على أرض الواقع لا تتأطر بالقانون، أو تخالف صراحة العديد من مقتضياته ( الهندسة اللغوية، الأنظمة الأساسية، التعليم الخاص، البرامج والمناهج الإصلاح البيداغوجي، وغيرها من المشاريع( وأن العديد من هياكل الإصلاح وآلياته معطلة ( اللجنة الوطنية لتتبع الإصلاح، اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج، المجلس الوطني للبحث العلمي، الإطار الوطني للإشهاد وغيرها من الهيئات( التي صدرت مراسيمها التطبيقية في الجريدة الرسمية دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ.
كل هذه التنبيهات والانتقادات المبنية على أسس قانونية موضوعية بعيدا عن كل التجاذبات، تضع الحكومة في وضع حرج أمام الجهات المعنية بمتابعة وتقويم تنزيل أول قانون إطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في تاريح المغرب، والذي جاء استجابة للتوجيهات الملكية السامية بتحويل الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 إلى قانون إطار يضمن استدامة الإصلاح على المدى المتوسط والبعيد، ويقطع مع منطق الإصلاح وإصلاح الإصلاح الذي عانت منه المنظومة التربوية المغربية لأكثر من نصف قرن، وقد أكد رئيس المجلس الأعلى الأستاذ الحبيب المالكي في كلمته الافتتاحية لآخر دورة للمجلس على أن جلالة الملك ما فتئ يعتبر هذا القانون الإطار ملزما للجميع في تنزيل الإصلاح،
وقد قوبل كل ذلك بصمت حكومي عن هذه التوجيهات والتنبيهات سواء من المؤسسات الدستورية أو الهيئات التشريعية والرقابية أو الفاعلين، بل وعدم التفاعل الإيجابي مع كل أراء المجلس الأعلى في هذا الشأن.
وقد تتبع الجميع في نهاية السنة الماضية كلمة السيد رئيس الحكومة في البرلمان قبل اختتام السنة التشريعية، وتتبع الجميع عرض السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، فلم يرد في أي من هذين التصريحين ما يفيد بأن الحكومة بصدد إحداث تحول قانوني عميق في مرجعيات إصلاح المنظومة.
إلى أن خرج بلاغ مجلس الحكومة الأخير، وفي ظل انشغال الرأي العام بكارثة الزلزال والتعبئة الوطنية لمواجهة آثاره، ليلقي بحجر ثقيل في هذه البركة ويعلن من خلال فقرة لا مناسبة موضوعية لها، ولا يلقي لها القارئ بالا وسط البلاغ أن الحكومة تعمل على إخراج النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية بمرسوم بمثاية قانون، في انتظار مراجعة شاملة للقانون الإطار 17-51 ، وهو ما شكل مفاجأة للجميع.
وعوض أن تضع الحكومة مخططا لاستدراك ما فات وعدم هدر المزيد من زمن الإصلاح، يبدو أنها تسعى بهذا القرار المفاجئ إلى تفادي مزيد من الإحراج في كل مشاريع الإصلاح التي تعمل على تنزيلها والتي تعرف خللا كبيرا في أطرها المرجعية القانونية، كما تسعى من خلال هذا القرار إلى كسب مزيد من الوقت لتنزيل رؤيتها للإصلاح، فارتأت أن تهرب إلى الأمام وتعلن في بلاغها بأنها بصدد مراجعة شاملة لهذا القانون، وهذا ما يعني أن الحكومة مصرة على المضي في مسارها وتنزيل رؤيتها رغم ما لذلك من آثار سلبية تتمثل في هدر زمن الإصلاح والكلفة المادية والبشرية التي تترتب عن ذلك، وهو ما يفسر توقيف وتيرة إخراج النصوص التطبيقية ذات الصلة بتنزيل القانون، وتعطيل الصادر منها، وعدم انعقاد اللجنة الوطنية لتتبع تنزيل الإصلاح التي يرأسها رئيس الحكومة منذ توليه المسؤولية الحكومية إلى الآن، لتعلن الحكومة بذلك رسميا عن العودة إلى ما حذر منه جلالة الملك، الدوامة الفارغة للإصلاح وإصلاح الإصلاح، بعد أن قطع الإصلاح نصف المدة الزمنية المحددة له ودون سابق تقييم لهذا المسار في ضوء الرؤية الاستراتيجية المؤطر له والتي أصبحت تعاقدا مجتمعيا حينما تحولت إلى قانون.
فلماذا اختارت الحكومة هذا التوقيت بالذات للإلقاء بهذا الجحر الثقيل في بركة إصلاح المنظومة التربوية؟
وهل ينذر هذا الخيار بفشل المغرب في كسب رهان الإصلاح مرة أخرى، بفعل تدبير حكومي مرتبك على مستوى القانوني والتشريعي رغم توفر كل إمكانات النجاح، هذا الإصلاح الذي استبشر به المغاربة خيرا وعقدوا عليه آمالا للخروج من أزمة عمرت أكثر من نصف قرن وخلفت كوارث وأعطابا عصية على النسيان؟

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.