البوحسيني: من شرع للشرعي كل هذه الإملاءات؟ ومن منحه سلطة تقدير اللحظة التاريخية ومعها تحديد من عليه قيادة العالم؟

لطيفة البوحسيني


بعد مقاله الأول الذي أخبرنا فيه أنه إسرائيلي، ها هو الشرعي يعود مجددا بمقال آخر يمتح من نفس المرجعية المخلصة للصهيونية ومعها الإمبريالية.يستهل الشرعي مقاله هذا بإشارة إلى المؤرخين الذين عادة ما لا يلتقطون الانعطافات التاريخية في نظره السديد إلا بعد أن يمر على الأحداث الوقت الكافي. ولسان حاله، يؤكد أنه هو على عكس المؤرخين، يتوفر على المؤهلات ويمتلك الملكة والقدرة على التقاط اللحظات المفصلية، وأحدها هو ما يعيشه العالم بعد 7 أكتوبر.

حاول بداية أن يقدم لنا رؤيته الجيو استراتيجية وما يعتمل من صراعات بين مختلف القوى التي تتصارع على تموقعها في خريطة العالم، مُصنفا حسب هواه وتقديراته، قوى الشر من جهة وقوى الخير من جهة أخرى. وفي هذا انطلق من أن العالم يعيش حربا ضروسا، مؤكدا أن هذه الحرب ليست فقط حربا عسكرية ودبلوماسية وثقافية، وليست حصار ا تجاريا ضد بعض البلدان (إيران، روسيا…وقريبا الصين)، بل هي قبل هذا وذاك حرب قيم.

نقول لك أيها الشرعي، نعم وألف نعم هي كذلك… حرب قيم يقودها عالم ادعى تجسيده لقيم التنوير والحرية، فإذا به يؤكد بالملموس وبشكل فعلي أنه على عكس ادعاءه، يجسد بطريقة هستيرية ضرب كل القيم وكل الحقوق وعلى رأسها الحق في الحياة…الحق في العلاج…الحق في تقرير المصير، والحق في المقاومة، بالضبط كتلك التي قادها الأحرار في العالم خلال حروب التحرير من الاستعمار، ومن ضمنها تلك التي خاضها المقاومون المغاربة…وها هو الشعب الفلسطيني يقودها من جهته ضد آخر استعمار في العالم.

تقول أيها الشرعي إن بايدن يتحرك، لأنه يرى أن إيران تمول الإرهاب …في إشارة للمقاومة الفلسطينية، التي قرر سيادته أنها إرهابا.

نقول لك، نعم إن بايدن تحرك وكيف له ألا يفعل ذلك…فقد استنتج من طوفان الأقصى، أن الكيان الذي يدعمه مُس في عقر داره وأظهر ضعفه وعدم قدرته على الصمود أمام شعب لا يملك إلا سلاح الإيمان العميق بعدالة قضيته. طبعا في تحركه هذا وظف، وكما جرت عادة المريكان ومعهم بعض بلدان أوروبا، ورقة “محاربة الإرهاب” لأن جعبتهم فارغة وليس لهم من مبرر ولا مسوغ إلا الاتهامات والأكاذيب التي لم تعد تنطلي على أحد.

من جهة أخرى، نخبرك أيها الشرعي الذي لا ذاكرة له ولا معرفة تاريخية له، أن مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني، لم تبدأ اليوم مع من تتهمونهم بالإرهاب الممول إيرانيا. إنها مقاومة بدأت منذ 75 سنة، ولن تتوقف إلا بعد أن يحرر الفلسطينيون أرضهم ويقيمون دولتهم المستقلة، كما حلُمت بذلك أجيال متتالية منهم. إن كفاحات الشعب الفلسطيني طويلة وممتدة، ومعها استماتته وقدرته على تجديد آليات دفاعه ومقاومته من أجل حقه المشروع على أرضه…إنه شعب الجبارين كما كان الزعيم ياسر عرفات يسميه، لا تنفع معه محاولات التشكيك والتنقيص والاتهامات المسكوكة.

تقول إنه في غياب القوة الأمريكية، ستموت الديمقراطية ومعها التعاون…عن أي تعاون تتحدث يا هذا؟ هل التعاون في إبادة شعب يستميت من أجل حقه على أرضه؟ هل التعاون لإبادة شعب وقتل الأطفال الرضع وتدمير المستشفيات؟ متى رأيت تعاونا يستحق مضمونه، حينما يتعلق الأمر بالوقوف والدعم الأعمى لكيان يتلذذ بالانتقام والقتل. ثم عن أية ديمقراطية تتحدث، حينما يتعلق الأمر بالتورط في دعم أنظمة غير ديمقراطية ودعمها بالعتاد وبالأدوات الاستخباراتية لإجهاض كل محاولات الشعوب للانتفاض ضدها؟

تطلب من أمريكا الاستمرار في لعب دور الزعامة العالمي، لأن نظرك السديد يقدر أنه في غيابها ستجد عددا من الدول نفسها فريسة لأطماع القوى الأخرى المنافسة لأمريكا، لنفترض جدلا أن ليس في القنافذ أملس، لكن وبما أننا نتوفر على الأدلة التاريخية، وأنت الذي يدعي سبقا على المؤرخين، ألم يأتيك خبر ما فعلت أمريكا خلال العقود الأخيرة بعدد من البلدان؟ ألم تطلع على ما فعلته أمريكا بالعراق بعد أن سوقت لكذبتها الشهيرة التي لا يمكنك ادعاء عدم العلم بها؟ ألست على علم بعدد الحروب التي خاضتها هذه الأمريكا والعداوة التي جعلتها طاعونا يحلم القريب والبعيد بالتخلص من آثاره.

ألا تعلم أيها الشرعي أن أمريكا تتحمل هي وأخواتها (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا) المسؤولية الضالعة في تمكين الصهاينة من ارتكاب جرائمهم، ليس فقط بالدعم السياسي، بل وبالعتاد والأسلحة واللوجيستيك، مضاف إليه تجييش الإعلام في حملة تضليلية لم يأت بها الزمن؟ هل هذه هي نوعية الزعامة التي تقترح على العالم؟

تنصح أميركيا وتقدم لها خبرتك واستشارتك، بل وتأمرها بمنع استقبال قادة حماس كأبطال في العواصم العربية، وفرض عقوبات عليهم وعلى عوائلهم وحرمانهم من الاستفادة من أموال الخزينة، ما يجعل المرء يتسائل، هل أنت مواطن أمريكي لتكون غيورا إلى هذا الحد على المال العام وعلى الوجهة التي يصرف فيها، أم هي فقط غيرة وطنية عابرة للقارات وطريقة لاستدرار العطف الأمريكي ومزايدة لم يطلبها منك أحد؟
ومن أين لك بكل هذه الجرأة لمطالبة أمريكا بالتدخل في قرارات سيادية للدول؟ ألست هنا تومئ بوضوح إلى المغرب الذي سبق أن استقبل اسماعيل هنية، منبها إياه إلى عدم تكرار ذلك؟ هل حسبت خطوتك هذه؟ هل قدرت معنى هذه الصلافة وهذه الوقاحة؟ هل تعتبر نفسك فوق الجميع وفوق القرارات السيادية للدول؟

ثم ما الذي يفسر كل هذا الحقد على قادة تنظيم سياسي يُعتبر تعبيرا سياسيا وطنيا لشعب يملك النضج الكافي لاختيار ودعم القوى السياسية التي يرتئي أنها تمثله؟ ألا يعتبر هذا تدخلا سافرا في شؤون الفلسطينيين الداخلية ودعوة صريحة لاستهداف قادة جزء من المقاومة الفلسطينية المكونة من تنظيمات وفصائل أخرى؟

أكثر من ذلك، وفي تطاول واضح لا تبرره إلا السخرة والخدمة المؤدى عنها، تنصح أيها الشرعي المريكان بالاحتفاظ على قواعدها العسكرية في المنطقة لمرحلة ما بعد الحرب…وبنفس التوجه الحريص على استمرار أمريكا في لعب دور قيادة العالم، تؤشر عليها بإقامة سلطة فلسطينية جديدة في غزة مدعمة من طرف تحالف دولي تحت قيادتها “الرشيدة”، لضمان المساعدة والأمن وتأهيل الشرطة الفلسطينية. هل تعتقد أن الشعب الفلسطيني، سيترك أمثالك من من لا شرعية لهم، يملون مقترحاتهم على أسيادهم ليقرروا مكانه؟ ألم تستوعب بعدُ أن شعب الجبارين يقول لك، النصر أو الاستشهاد؟ استفق من غفوتك أيها المدعي، هذا شعب سيؤرقك وأمثالك لأنه يمتلك ما تفتقد…إنه يمتلك الإيمان العميق بعدالة قضيته.

طبعا في سلسلة إملاءاتك، لا تفوت أيها الشرعي، التأكيد على أن أي حل سياسي يتطلب بناء المدارس والمستشفيات وفضاءات ثقافية وفرص الشغل للشباب. والحال أن ضميرك لم يتحرك ولسانك صمت في الوقت التي تستهدف فيه المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة والبنى التحتية في غزة التي حركت كل الضمائر في العالم وكل الشعوب الحرة. نعم حركت كل الشعوب الحرة التي لم تنشغل بالأحقاد الأيديولوجية ولا بتدبير المصالح، بل ضحّت أحيانا بمصالحها انتصارا للقيم…قيم العدل والحرية، ورفعت الأعلام الفلسطينية وخرجت في تظاهرات عارمة معبرة بشكل غير مسبوق لدعمها للشعب الفلسطيني.

إنه أفضل جواب وأحسن رد على المنبطحين وخدام الأجندات وسماسرة المصالح الذين تعروا بالكامل ولم يعد خافيا على أحد أنهم أولا أعداء لأوطانهم وأعداء للقضايا العادلة…بل هم عناوين بؤس الإنسانية.

ملحوظة: كان حريا بك أيها الشرعي وعلى منوال العنوان الذي صدّرت به ما نشرته سابقا، أن تعطي العنوان التالي لما جُدت به علينا الآن: “كلنا صهاينة وامبرياليون في خدمة أمريكا”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.