انقلابات القارة الإفريقية هل هي موضة أم تحول نحو الديمقراطية ؟!!

سلط الانقلاب العسكري الأخير في الغابون، الضوء على المحاولات المتكررة للانقلابات العكسرية التي تعرفها القارة السمراء، فخلال الأشهر العشرة الأخيرة شهدت إفريقيا خمس محاولات انقلابية، منها في مالي بقيادة غوتا في ماي 2021، وأخرى في غينيا كوناكري في شتنبر 2021 بقيادة العقيد مامادي دومبويا، والأسبوع الأخير من يناير 2022 في بوركينا فاسو بقيادة العقيد بول هنري زامبيا وآخرها ما وقع في النيجر والغابون، ما يطرح أكثر من علامة استفهام بشأن الأسباب التي تقف وراء كثرة الانقلابات في القارة السمراء؟ وهل الأمر يتعلق بانتقال ديمقراطي حقيقي، أم بدورة جديدة من الاستبداد لا ينتج ديمقراطية ولا يصنع تنمية؟
الانقلابات لا تلد أنظمة ديمقراطية
الخبير في العلاقات الدولية الأستاذ أحمد نور الدين، يرى في هذا الصدد، أن موجة الانقلابات حتى وإن ثبت أنها تمت بدافع المصلحة الوطنية، إلا أنها لا يمكن التعويل عليها لبناء أنظمة ديمقراطية وذلك لعدة اعتبارات، منها أن التجارب السابقة طيلة ستة أو سبعة عقود عرفت فيها إفريقيا ما لا يقل عن سبعين انقلابا عسكريا لم يفض أي منها إلى نظام ديمقراطي، بل إلى دكتاتوريات عسكرية حكمت شعوبها بالحديد والنار.
غير أنه يستدرك نور الدين، هناك استثناء واحدا عرفه السودان وهو انقلاب الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب في الثمانينات وسلم السلطة بعد ستة أشهر لحكومة منتخبة، ولكن التجربة لم يكتب لها النجاح وعادت الانقلابات من جديد يضيف المتحدث ذاته.
واعتبر الخبير في العلاقات الدولية في تصريح خص به pjd.ma، أن الديمقراطية هي مسار تراكمي يؤسس له فكر تنويري، ويتولى نشره مناضلون عضويون، وتلتف حوله فئات عريضة من الشعب تُقدم في سبيله تضحيات مادية ومعنوية، تؤدي إلى نضج التجربة السياسية الديمقراطية.
وأضاف أن هذا لا يمنع من أن تكون الديكتاتورية العسكرية جزء من تلك التجارب المريرة والمعاناة التي يولد من رحمها حركات التغيير، ولكن بحسبه ليس الجيش فاعلا مباشرا في الانتقال إلى الديمقراطية ولا يملك الأهلية ولا الشرعية للقيام بهذا الدور.
موضة قديمة
وبخصوص الانقلاب الذي جرى صبيحة الأربعاء 30 غشت 2023 في الغابون، وهو الثامن من نوعه داخل إفريقيا خلال أقل من ثلاث سنوات، فبحسب أحمد نور الدين، يوحي بأننا أمام عودة موضة الانقلابات التي شهدتها إفريقيا في السبعينيات والستينيات من القرن الماضي، وربما بسبب عودة أجواء الحرب الباردة بين موسكو والعواصم الغربية والتي يتم فيها تصفية الحسابات فوق الأرض الإفريقية.
وأفاد المتخصص في العلاقات الدولية أن ما يعضد هذه الفرضية هو ظهور قوات “فاغنر” في العديد من الدول التي شهدت الانقلابات ومنها مالي وبوركينافاسو وإفريقيا الوسطى، مشيرا إلى ظاهرة رفع الأعلام الروسية في التظاهرات الشعبية في تلك الدول إلى جانب رفع شعارات مناهضة لفرنسا على سبيل المثال.
ويشير أحمد نور الدين إلى أن ” الخوف كل الخوف من أن يتم استبدال سيد أوروبي بسيد صيني أو روسي، بدل الانعتاق من التبعية للأجنبي وتحقيق سيادة وطنية في كل المجالات وعلى رأسها السيادة الاقتصادية والتحكم في ثروات البلاد.
ولكن يضيف المتحدث ذاته، فالتدخل الأجنبي وصراع القوى الكبرى، لا ينفي الأسباب الموضوعية التي أدت إلى هذه الانقلابات، وعلى رأسها الفساد السياسي والاقتصادي المستشري في النخب الحاكمة، وديمقراطية الواجهة التي تبرر التحكم في السلطة والثروة لفائدة أقلية مدعومة بالشركات الغربية التي تسيطر على ثروات الشعوب الإفريقية وتتحكم أحيانا كثيرة في توجيه السياسات العمومية من خلف الستار وتضمن لتلك الأنظمة تواطؤ الحكومات الأوروبية مقابل الصفقات الكبرى، بينما تعاني الأغلبية الصامتة من الشعوب الإفريقية من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والإقصاء.
واستشهد في هذا الصدد، بالغابون التي تمثل هذه الوضعية، فهو بلد يتوفر على النفط والغاز وعلى معادن نفيسة وعدد السكان لا يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، ولكن سوء التوزيع وسوء الحكامة جعل الثروة والسلطة تتركز بيد فئة قليلة، كما أن النظام الجمهوري تحول إلى نظام “ملكي” يتم فيه توريث رئاسة الجمهورية لابن الرئيس يقول أحمد نور الدين.
موقع المغرب
من وجهة نظر أحمد نور الدين، فإن موجة الانقلابات لن تتوقف عند هذه الدول، بل هناك دولا أخرى ستلحق بالركب، وأضاف أنه من الحكمة استخلاص العبر، وألا تنتظر الأنظمة الإفريقية غير الديمقراطية أو التي فيها ديمقراطيات هجينة، وصول الحريق إلى داخل بيتها كي تتحرك لتصحيح الأوضاع، وإجراء الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية الضرورية للمصالحة مع شعوبها قبل انفجار البركان الإفريقي الذي بدأ يقذف ببعض الحمم الإنذارية، ولن يستثني أحدا عاجلا أم آجلا يؤكد المتحدث.
أما بالنسبة لانعكاسات تلك الانقلابات على المغرب، فيرى أن الواقع لن يكون سلبيا على الاستثمارات الضخمة في مجالات متنوعة جدا منها الإسمنت، والأسمدة الزراعية، والبناء والأشغال العمومية، والمناجم، والبنوك والتأمينات، والخدمات والصناعة التحويلية والسياحة وغيرها، وذلك راجع إلى أن المغرب نجح نوعا ما في إرساء شراكة رابح-رابح التي ما زالت في حاجة إلى تطوير.
ويعتبر أحمد نور الدين، أن هذه المقاربة لا تجعل من المستثمر المغربي ممثلا للكولونيالية الجديدة التي عوضت الاستعمار العسكري الأوروبي، بل تجعل منه شريكا في التنمية الاقتصادية وفي التضامن الاجتماعي كذلك.
ثم إن المغرب يضيف المتحدث، يتعامل مع الدولة وليس مع الأشخاص حتى وإن كانوا أصدقاء حميمين، مؤكدا أن الاستثمارات المغربية محمية بأزيد من ألف اتفاقية وقعها المغرب في العقدين الأخيرين فقط، ومحمية طبعا بالقوانين الدولية، وإضافة إلى ذلك كله، المغرب له قوة ناعمة صاعدة داخل القارة تتمثل في المؤسسات الدينية بمختلف أنواعها، وكذلك في خريجي الجامعات والمعاهد العليا المغربية بما فيها الأكاديميات الملكية العسكرية التي تخرج منها العديد من الضباط الأفارقة الحاليين بما فيهم قائد انقلاب الغابون.
هذه كلها ضمانات يردف نور الدين، لاستقرار العلاقات والمصالح المغربية في تلك الدول، وتؤهل المغرب لأن يلعب دورا في الوساطة بين الانقلابيين والمجتمع الدولي، وبين قادة الانقلاب والرؤساء المطاح بهم لحفظ سلامتهم الجسدية وإيجاد مخرج مشرف لهم ولعائلاتهم.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.