محمد عصام يكتب: وهبي من خفة اللسان إلى خفة الرِّجل

محمد عصام


من اليوم الذي تعرف المغاربة على وهبي، هناك إحساس يكاد يصل درجة الإجماع لديهم، أنه وزير “زلات اللسان” بامتياز، وينطبق عليه المثل المغربي الذي يقول “منين جاتك العافية أ الفران قال: من فمي”.
ومنذ دخوله الحكومة محمولا على تسونامي 8 شتنبر، بعد أن ظل دهرا طويلا يلوك أنه لا مكان له في حكومة كأمين عام للبام لا يرأسها هو شخصيا، بدأت زلات لسانه تصل درجة من الحموضة غير مسبوقة في تاريخ السياسة المغربية.
ولسنا هنا في معرض جرد زلاته، فإنها من الكثرة التي تجعل العد والحصر أمرا عزيزا، مادام صاحبنا قد استطاب الأمر واستلذه، في غياب إجراء يردعه، ويُفهِمُه أن “لسان الوزير ” ليس “لسانا بلاعظم” وأنه لا يليق به أن يكون من جنس “أجي يافمي وقول”
الوزير وهبي الذي بدأ مساره باقتراف فضيحة “التقاشر”، وورط البلد بكامله في فضيحة مباراة المحامين، حتى صار بيت شاعر الحمراء ينطبق عليه جملة وتفصيلا :
إن كان في كل الأرض ما تشان به ….. فإن في المغرب وزير اسمه وهبي
انتقل في مسار الخفة إلى ارتكاب “جناية سياسية” أقل ما تستوجب أن تتم إقالته من منصبه. ذلك أنه في خطوة غير محسوبة استدعى يوم الخميس الماضي، مجموعة من الجمعيات النسوية يغلب على أكثرها اللون الإيديولوجي للوزير، وبدا في التشكي لها من كونه لم يستطع تمرير “إيديولوجيته” في مقاربة تعديلات مدونة الأسرة في إطار اللجنة الملكية المكلفة بتقديم مشروع التعديلات لصاحب الجلالة، وأيضا لبث شكواه من كون عدم الاستجابة لمطالب دولية لتعديل تلك المدونة سيؤدي إلى فقدان الدعم التي تقدمه تلك الجهات تحت مظلة الأمم المتحدة.
الوزير بسلوكه هذا يعاكس التوجهات الملكية في الموضوع، وينقلب على اللجنة التي أناط بها جلالة الملك إدارة المقاربة التشاركية في تلقي وجهات النظر المختلفة بخصوص تعديلات مدونة الأسرة، وتقديم مشروع مؤطر بالثوابت التي حددها جلالته. حيث جاء في الرسالة الملكية لرئيس الحكومة ما يلي وبالحرف:
“… إن المرجعيات والمرتكزات تظل دون تغيير. ويتعلق الأمر بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.”

وأضاف “كما أكدنا أكثر من مرة، فإننا، بصفتنا أمير المؤمنين، لا يمكننا أن نحل ما حرم الله ولا أن نحرم ما أحله جل وعلا… فالتأهيل المنشود، يجب أن يقتصر على إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى حوالي عشرين سنة، وعلى تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي والقوانين الوطنية.”
إن ما قام به وهبي هو تحلل كامل من هذه الالتزامات الواضحة، وانقلاب خطير على هيئة شكلت بتعليمات ملكية، وأيضا استباق غير نزيه لنتائج اشتغالها. وكلها أمور تستدعي طرح سؤال: ما الذي يفعله وهبي في الحكومة إلى الآن؟ ومن يمثل بالضبط فيها؟
فإن كان يمثل المغاربة، فالمغاربة متشبثون بملكهم وتوجيهاته، ولهم ثقة كاملة فيه وهم يستأمنونه على دينهم ودنياهم معا بشرعية إمارة المؤمنين، وما قام به وهبي يوم الخميس وحديثه “الماسخ” على الحداثة والتقدمية هو انقلاب على الثوابت التي ما فتئ جلالة الملك يؤكد عليها في أكثر من مناسبة.
وإن كان يمثل جهات أخرى تستقوي على المغرب بالمنظمات الأممية والأجندات المشبوهة، فليعلم أن هذا البلد عصي وسيبقى عصيا على كل محاولات الإذعان مهما استقوت عليه بالمواثيق والمؤسسات الدولية، وذلك لسبب بسيط يتعلق بأن تميز المغرب في كسبه التاريخي صنعه بهذه الثوابت والقبض عليها مهما كلفه الأمر، وأنه ليس مستعدا للتخلي عن مكامن قوته أبدا.
فمن يهمس في أذن هذا الوزير ويفهمه أنه قد تخطى الحدود وبالغ في الزلات والهنات، وأن وقت الرحيل قد حان.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.