محمد عصام يكتب: العدالة والتنمية ملح السياسة في البلد

محمد عصام


انتعشت السياسة بعد المرور الإعلامي الموفق أمس لكل من الدكتور عبد الله بووانو و الدكتور ادريس الأزمي الادرييس، تواليا في برنامج ” لقاء مع الصحافة” و”مباشرة معكم”، واتضح بما لا يدع مجالا للشك، وبشهادة الخصوم قبل الأصدقاء، أن العدالة والتنمية وأطرها هم من يعطون للسياسة وللنقاش ألقهما وتألقهما، والدليل على ذلك هو حجم متابعة البرنامجين على مستوى منصات التواصل الاجتماعي وحجم التفاعلات التي شهدتها.
لقد كانت اللقاءات الصحفية تمر في صمت ولا ينتبه لها أحد، بحكم مستوى النقاش الذي يكون غالبا دون الطموح، خصوصا مع تواطؤ كثير من الصحفيين والمنابر مع الجهات التي يتم استدعاؤها ممن حملتهم محطة 8 شتنبر إلى صدارة المشهد بدون استحقاق أو جدارة، وتحويل تلك البرامج على قلتها إلى مجرد ” ضربات جزاء PENALTY” لصالح الضيوف الذين ينتقون بعناية، وإلى حصة للتلميع والتجميل المؤدى عنهما، في حين تمتع المغاربة أمس بحصتين دسمتين من الإمتاع والإفادة، كان للأزمي وبووانو الفضل في وصولهما إلى ذلك المستوى، بينما ظهر ممثلا الأغلبية في برنامج “مباشرة معكم” تائهين وبلا زاد تقريبا لا فيما يخص مشروع قانون المالية المقترح، ولا في الإحاطة بالبرنامج الحكومي ومقتضياته ولا حتى في الإطلاع الجيد على تقرير المؤسسات الدستورية وخصوصا التقرير الأخير لمجلس المنافسة.
لقد بقي ممثلا الأغلبية مشدوهين بلا جواب ولا ردة فعل، أمام المفاجأة التي فجرها الأزمي حين كشف بالأرقام والبرهان، أن هذه الحكومة لم تورد في مشروعها كيف ستتحصل على مبلغ 30 مليار درهم لتغطية تنزيل برنامج الحماية الاجتماعية وتحديدا ما يتعلق بالتعويضات العائلية المقرر تنزيلها سنة 2023 بكلفة قدرها 20 مليار درهم، وكذلك تنزيل دعم “مدخول كرامة”في حدود11 مليار درهم على الأقل كحد أدنى لسنة ،2023 وهي التي لم تبرمج سوى 10 ملايير درهم لصندوق الحماية والتماسك الاجتماعيين، الذي سيستهلك إلحاق المستفيدين من راميد إلى نظام التغطية الصحية الإجبارية AMO، لوحده 9،5 مليار درهم من اعتماداته، فمن أين ستأتي الحكومة ببقية الكلفة اللازمة لتنزيل التزاماتها في هذا الباب.
كما عجزا أيضا عن تفسير كيف ستستطيع الحكومة تمويل الفرق، حين توقعت ثمن الغاز البوتان في المشروع في حدود 800 دولار للطن في حين لم تبرمج لصندوق المقاصة سوى 26 مليار درهم، بينما السنة الماضية استهلك الصندوق ما يقارب 38 مليار درهم في وقت كان ثمن الطن في حدود 700 دولار.
هذه المعطيات كشفت حجم الثقوب في مشروع قانون المالية، وفضحت بما لا يدع مجالا للشك أكذوبة الكفاءات وتستاهل احسن وغيرها من الأكاذيب التي تهاوت تباعا وفي وقت وجيز.
نعود إلى البرنامج لنقول إن كفاءات العدالة والتنمية يوما بعد يوم يثبتون أنهم من يعطون قيمة مضافة للنقاش السياسي  والسياسة في هذا البلد، وأنه بدونهم يتحول هذا النقاش إلى مونولغ لا يجذب أحدا ولا يبالي به أحد.
ولنذكٍّر هنا بواقعة عقب الانتخابات التشريعية لسنة 2016، فمبجرد الإعلان على الفوز الكاسح للعدالة والتنمية وعودتها إلى صدارة المشهد السياسي بعد الولاية الأولى من التدبير، انتشر تفسير مغال في التضليل وهو من قبيل “الحق الذي يراد به باطل”، يقول إن العدالة والتنمية هو الوحيد المستفيد من إنجازات الحكومة وأن حلفاءها لم يستطيعوا الاستثمار الجيد لتلك الحصيلة لتكون في صالحهم وللتأثير في السلوك الانتخابي للمواطنين.
والحقيقة التي لم ولن يستطيعوا قولها، أن العدالة والتنمية له مناضلون حقيقيون في كل المواقع، عجنتهم التجارب والمعارك والقرب من المواطنين، وإلا فما الذي يمنع غيرهم من الاستفادة من تلك الحصيلة؟
لقد بقي مناضلو وأطر العدالة والتنمية في معركة السياسة لوحدهم طيلة الولاية التي سبقت تلك الانتخابات، يدافعون ويترافعون ويتواصلون، وينزلون إلى الناس في مواقعهم ليشرحوا لهم ويوضحوا لهم، كما أن القيادة قامت بالتواصل المستمر واستثمار الفضاءات المتاحة لذلك، فأنتج ذلك تجاوبا وتفهما لخطابهم، وتقديرا لإكراهاتهم، واستيعابا لطموحاتهم، في حين ركن الآخرون إلى الكسل والتعويل على أدوات “مشبوهة” ألفوا الاستثمار فيها والتعويل عليها.
فالكلمة المفتاح في الموضوع برمته، هي النضال، وهل يتوفر الحزب على مناضلين حقيقيين وفي كل المستويات، أم أنه مجرد تجميع لمياومي السياسة وقناصي الفرص، الذين يلجون السياسة بحسابات الربح والتجارة، وليس بدواعي القيم والنضال والتضحية، وهنا يخلق الفارق بين أحزاب حقيقية وأخرى JETABLE، يتم رميها في قمامة التارخ حين انتهاء صلاحيتها.
الأحزاب الحقيقية تستمد أعمارها من قيمة الأفكار التي تحملها والقيم التي تغرسها في أبنائها وبناتها، فهي تخلق الحياة بتلك الأفكار والقيم وتحيي بها النفوس التي تتعهدها بالتربية والمصاحبة والتدرج في معارك النضال من كل المستويات، فتصقل المواهب وتنتج الرجال القادرين والأكفاء لكل معركة ونزال.
واليوم أيضا العدالة والتنمية ومن موقعه في المعارضة قادر بما لديه من كفاءات ومن حس تواصلي، أن يضطلع بأدواره بشكل جيد، وأن من يلوح بأنه “تحول إلى معارضة صغيرة”، ما عليه إلا أن يجيب على ما كشفه الأزمي من ثقوب، ويقنع الناس به،  لكن فاقد الشيء لا يعطيه ورحم الله عبدا عرف قدر نفسه ولزمه.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.