فاطمة الإفريقي : الشعب يريد..إسقاط الشعب

الشعب يريد …

وإذا الشعب يوما أراد .. لا بد أن يستجيب الجراد” يقول الدكتاتور العربي في قصيدة “خطاب الفكرة” للشاعر الراحل محمود درويش ..

الشعب أراد، فاستجابت أرتال الجراد، وعبثت بحقول الربيع التي لم تزهر بعد، واجتثت الفل من “جناين مصر” مخلفة شوكا وخوفا وعنفا وغماما كثيفا من الغموض والأفق المجهول..

مر العسكر من هناك، كالجراد الأصفر، ممتطيا صهوة الثورة و ظهور المتمردين .. وباسم الشعب المتمرد على الاستبداد الديني، وباسم بقايا فلول شعب يحن لأيام زمان للاستبداد الحداثي، نظف الجيش الباسل حقول السياسة بأرض المحروسة من الأعشاب الضارة للديمقراطية، وكنس الأغلبية المنتخبة كغبار العاصفة، ووضعها في حاوية الذكريات التاريخية، ويمكن لسياح مصر أخد صورة معها للذكرى في ساحة “رابعة العدوية“..

باسم الثورة الشعبية، نصب الجيش على براءة شباب حالم بالحرية، وأهداه انتصارا سريعا، وشكل أغلبية منتقاة من صليب وسبحة وبقايا مصداقية ..وباسم بعض الشعب المتمرد على بعض الشعب، خلعوا رئيسا، ووضعوا آخرا على مقاس شعب وزفوه إليه فوق دبابة، على أنغام زغاريد إعلام يدعي الاستقلالية، وبمباركة برقيات تهنئة موقعة بخواتم ذهبية ودعم سخي من الشيوخ الخائفين من عدوى الديمقراطية ..وعاش الشعب المتمرد على قواعد الشرعية ..

من الشعب ياشعب ؟.. يتساءل الدكتاتور العربي في قصيدة “خطاب الجلوس ” لمحمود درويش:

من الشعب يا شعب ..هل كل كائن يسمى

مواطن؟

وهل تقبلون لسيدكم أن يساوي ما بينكم

أيها النبلاء ؟

وهل يتساوى هذا الفيلسوف مع المتسول ؟ ..

هل يذهبان إلى الاقتراع معا،

كي يقود العوام سياسة الوطن ؟ “..

هذا هو السؤال المر ..كيف نقبل أن يقود العامة سياسة الوطن بدون وصاية عسكرية في البلاد العربية ؟..كيف نمتثل لسلطة لا يصنعها القمع بل صناديق الاقتراع؟ وكيف نقبل أن يدخل القصور الرئاسية زعماء بلباس مدني باسم الديمقراطية ؟..

أن نكون ديموقراطيين أو لا نكون، تلك هي المسألة..فالديموقراطية آلية سياسية لتفعيل الإرادة الشعبية لا تقبل التجزيء، إما تؤخد كاملة أو تترك كاملة .. فإما أن نقبل بقواعد اللعبة وأن نمتثل للشرعية الانتخابية في أنظمة مدنية، وإما أن نعترف بقصورنا السياسي في تدبير الاختلاف، ونعود خانعين لرموز الديكتاتورية ونعتذر لهم على تمردنا ونعيدهم لكراسي الحكم ..

الشعب يريد إعادة ترتيب بطاقات اللعب ..وكأننا على طاولة مقهى شعبي في حي “خان الخليلي” نتسلى بلعبة الورق .. وسط غمام الشيشة وعلى نغمات أغاني السيد إمام الثورية ، يقلب الخاسر في اللعبة الطاولة ،و يخلط الاوراق ،ويتمرد على رفيقه الرابح ويطالب بإعادة اللعبة من جديد..

وها هي اللعبة تعاد من جديد ، ويبدو أنها ستعاد كثيرا بسيناريوهات مختلفة وبمبررات شعبية؛ إلى أن يمتلئ المتحف المصري ب”موميائات” الرؤساء المخلوعين بإرادة الشعب ..فهناك دائما ما يكفي من الشعب، لإسقاط بقية الشعب.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.