خالد رحموني يكتب : بين خصوبة وثراء التطلعات الشعبية وأزمة الفاعل السياسي

17-07-13

تستحق البلاد إزاء قضية الإصلاح السياسي المتردد إدارة  نقاش سياسي وفكري أذكى وأعمق حول فرص وإمكانيات التحول الديمقراطي يأخذ في الاعتبار قوة نخبة الحكم وضعف قوى المعارضة وارتباك ومحدودية  دور العامل الخارجي، ويبحث في المقام الأول إمكانات دفع الإصلاح من داخل النخبة في لحظات انتقال السلطة لقوى شعبية وديمقراطية من جيل إلى جيل آخر أو من مجموعة سياسية إلى أخرى داخل فضاء وبنية الجماعة السياسية الوطنية  .

على الرغم من اتفاق قطاع واسع من المهتمين بالشأن السياسي الداخلي المغربي في تقرير أن عامي 2011 و2012 كانا حاسمان في تحديد وجهة التطور السياسي والديمقراطي المستقبلية، فإنني أعتقد جازما أن النزوع الطاغي اليوم لاختزال الأعوام المقبلة، ومن ثم تحديد أجندة البلد السياسية، في نقاش أحادي حول المسألة الانتخابية وهوية القوى السياسية المرشحة والمحتملة لتدبير الشأن العام الوطني بها يشكل خطيئة إستراتيجية كبرى ذات تداعيات شديدة الخطورة.

فمن جهة أولى، يرتب تعاظم النقاش السياسي في بعض الأوساط حول مصير الانتخابات الترابية وكذا مآل التشريعية السابقة لأوانها والسيناريوهات المتوقعة لكيفية إدارتها من قبل نخبة الحكم، عديد أسئلة وإشكالات مرتبطة بقضية النزاهة الانتخابية وباستكمال مسلسل الانتقال انتخابي بإحداث قطيعة داخله بما يوفر الشروط للانقضاض على التجربة والعمل على إنهائها .

وكذلك فرص المعارضة الحزبية في مزاحمة النخبة على احتلال المشهد السياسي والانتخابي المقبل، يرتب تهميشا مؤلما لقضايا مصيرية تستحق أن تشغل موقعا متقدما في خريطة النقاش العام، أبرزها التطورات الاقتصادية والاجتماعية في ظل الأزمة العالمية والحصاد الفعلي لسياسات التنمية المنفذة حكوميا، وسبل مكافحة ظاهرة الفساد المستشرية في المؤسسات الرسمية العمومية، وكذا المستوطنة في القطاع الخاص وضعف الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين في قطاعات حيوية كالتعليم والصحة العامة والمواصلات والقطاعات الاجتماعية وغيرها.

 والحقيقة، وباستثناءات محدودة، بدا هنالك بؤس شديد في كثير من أعمدة وصفحات الرأي في الصحافة المكتوبة لكثرة ما يكتب بها عن مصير التجربة الإصلاحية الماثلة ومستقبل التنافس الانتخابي وسيناريو الإفشال وخطط معارضيه وندرة وتهافت معالجات بقية القضايا الأخرى.

من جهة ثانية، يتسم النقاش الدائر حول الانتخابات المقبلة بشخصنة مرضية تختزل الأمر في حديث مرسل عن حزب العدالة والتنمية على وجه التحديد وأمينه العام، وتغييب التعاطي الجدي والنقدي مع حصاد الفترة الحكومية الحالية في المرحلة الانتقالية الجارية، ووعود نخبة الحكم للأعوام المقبلة، وكذلك “الرؤى والأفكار” التي يطرحها بعض المنافسون، غامضة وغائمة وغير ناضجة ولا متبصرة .

وعود البعض تتصاعد الآن في سياق المنافسة غير الشريفة بالعمل على تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي والسياسي والنهوض المجتمعي وإلزام الحكومة بأهداف تنموية طموحة، كان ذلك بالأمس.

عوضا عن توجيه النقاش العام حول الانتخابات نحو مساءلة نقدية علمية للحكومة والنخبة عن حصاد الفترة الماضية وعن توجهات وبرامج المرحلة المقبلة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، تكتفي المعارضة والإعلام الخاص القريب منها بسجالات عقيمة ومكررة حول شخصنة الوضع السياسي.

وبينما يمكن تفسير غياب التناول الجاد للحصاد والتوجهات والبرامج على صعيد نخبة الحكم، فهي شأنها في ذلك شأن غيرها من النخب غير الديمقراطية التي لا ترغب في التعرض للمساءلة والمحاسبة، وتدرك بواقعية سلطوية أنها قادرة على الاحتفاظ بالمنصب السيادي وبالولاء لمركز الحكم، بغض النظر عن حصاد أدائها وصعود أو هبوط معدلات الرضاء الشعبي، يظل من الصعب قبول تكاسل المعارضة الحزبية والمؤسساتية وغيرها والمستقلة عن الاضطلاع بمهام المساءلة والمحاسبة والرقابة الشعبية للنخبة وصياغة رؤى وبرامج محددة لإخراج البلاد من عثراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

فجلّ ما تطرحه المعارضة اليوم إما يتصف بعمومية شديدة تدخله في باب التمنيات عوضا عن السياسات والاختيارات، أو ينظر فقط في النواقص الدستورية والسياسية التي تعترض الإصلاح السياسي، مكتسيا في أغلب الأحيان فيما خص الحلول المقترحة بمضامين غير واقعية تطالب رموز المعارضة من خلالها نخبة الحكم غير الديمقراطية بإدخال إصلاحات ديمقراطية كاملة قبل الانتخابات هي عاجزة عن تداولها واقتراحها، بل ويشترطها البعض-من قوى المعارضة غير المؤسساتية- كأساس مسبق للمشاركة في الانتخابات على النحو الذي تتناقله وسائل الإعلام عن بعض القوى السياسية التي تعيش على هامش العملية السياسية برمتها.

أمر محبط الحديث المرسل عن الشخوص والزعامات بينما تغيب برامجهم عن النقاش العام، ويستفزني صمت ما ينتسب لقوى المعارضة اللاعقلاني عن التساؤل حول ماهية الدوافع والمحفزات التي قد تحمل نخبة الحكم على إدخال إصلاحات ديمقراطية في ظل الضعف البين والمريب لتلك المعارضة، حزبية ومستقلة، وثقة بعض من النخبة في الاحتفاظ بالمناصب، وتراجع الاهتمام الشعبي والخارجي بملفات الإصلاح والديمقراطية في المغرب.

من جهة ثالثة، وفى استمرارية مؤلمة لغياب التناول الجاد للحصاد والتوجهات والبرامج، يدفع النزوع الطاغي لاختزال أجندة العامين والفاعلين المقبلين في مسألة الانتخابات بملف الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها، بعيدا عن واجهة النقاش العام، ويسبب تجاهل العديد من القضايا المركزية التي تطرحها على السياسة في مغرب اليوم.

فعلى الرغم من تنامي تمثيل المعارضة في البرلمان بغرفتيه، والحضور العددي المتميز لجملة من القوى السياسية والحزبية، فإن طبيعة ونتاج العمل البرلماني لم يتغيرا كثيرا إزاء الأغلبية المريحة لقوى التحالف الحاكم وعجز قوى المعارضة عن التنسيق الفعال فيما بينها، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة حول حدود الأهمية السياسية لمؤسسة البرلمان ودورها الحقيقي في الدفع نحو الإصلاح السياسي والديمقراطي في المغرب.

وعندما نضيف إلى ذلك التوقع السائد بأن الانتخابات البرلمانية القادمة  ستتسم، على الأرجح –إن فشلت تجربة الانتقال الديمقراطي الحالية -بقدر أكبر من التسيير السلطوي إذا ما قورنت بانتخابات 2011 وستسفر من ثم عن تمثيل أقل للقوى السياسية ذات المصداقية والحضور الشعبي معارضة كانت أم أغلبية، يصبح من الأهمية بمكان طرح تساؤلات أعم عن مستقبل الحياة السياسية الرسمية وقواعد إدارة لعبة التعددية المقيدة والمراقبة داخلها والتحديات التي ستواجهها المعارضة الحزبية والمستقلة بحثا عن الفعل والفاعلية.

تستحق أجندة المغرب السياسية في 2013-2014 نقاشا أقل اختزالية وأكثر عمقا من ذاك الدائر اليوم حول احتمالية فترة نكوص وترجع من قوى الحكم عن الاختيار الديمقراطي الذي صار التزاما ودينامية وسيرورة أكثر منه تعاقدا دستوريا وسياسيا مرحليا، أو انتقال إلى فترة ارتداد ديمقراطي ناكص على الأعقاب بعيدا عن منطق المنافسة.

تستحق معضلاتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المتنامية تعاملا جادا مع حصاد الأعوام الماضية والبرامج التنموية المقترحة للمرحلة المقبلة وحدود قدرة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والشعبية والمدنية على الاضطلاع بها.

تستحق البلاد إزاء الإصلاح السياسي المراد تغييبه وإيقاف ديناميته نقاشا أذكى حول فرص التحول الديمقراطي يأخذ في الاعتبار قوة نخبة الحكم وضعف المعارضة وتهافت دور العامل الخارجي، ويبحث في المقام الأول في إمكانات دفع الإصلاح من داخل النخبة في لحظات انتقال السلطة من جيل إلى جيل آخر أو من مجموعة إلى أخرى على النحو الذي شاهدناه في العديد من الخبرات الناجحة والناجزة للتحول الديمقراطي في مجتمعات أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ذات الماضي السلطوي القريب.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.