حامي الدين: المهمة التاريخية للإسلاميين.. ترسيخ قواعد التداول الديمقراطي على الحكم

13.07.17

اعتبر عبد العلي حامي الدين، متخصص في القانون الدستوري والعلوم السياسية وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أن المهمة التاريخية الملقاة على عاتق الإسلاميين هي الإسهام في ترسيخ قواعد التداول الديمقراطي على الحكم، وإرجاع السلطة إلى منطق الإرادة الشعبية، وتوفير شروط التنافس الحر بين البرامج والأفكار، بعدما فشلت في تحقيقها تيارات سياسية أخرى.

وأبرز حامي الدين في حوار أجراه مع يومية الصباح في عدد الأربعاء 17 يوليوز 2013، أن النقاش حول الدولة الدينية هو نقاش متجاوز لأن هذا غير ممكن من الناحية الاجتماعية والسياسية، فضلا عن أن المهمة التاريخية المطلوبة لإنجاز التحول الديمقراطي لا يمكن أن تتحقق إلا على أرضية مدنية حقيقية. وفي ما يلي نص الحوار:

 ما رأيكم في النقاش الذي يثار بين الفينة والأخرى في أوساط عدد من المفكرين والأكاديميين في الوطن العربي، حول ” الدولة الدينية… الدولة المدنية”، والذي تكثف في ظل في ما يسمى بالربيع العربي الذي تميز بصعود أحزاب ذات مرجعية إسلامية إلى الحكم؟

 بالفعل، هناك تساؤلات حقيقية لدى بعض المثقفين حول نموذج الدولة الذي تحمله الحركات الإسلامية المعاصرة، خاصة بعد صعود عدد من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلى الحكم في عدد من الدول العربية بعد الثورات التي عاشتها دول المنطقة.

لكن بغض النظر عن بعض الأطروحات المثالية التي كان يطرحها البعض مثل مقولة “الدولة الإسلامية” أو “دولة الخلافة” فإنه من المفيد أن نتعامل مع الحركات الإسلامية كحركات اجتماعية بالدرجة الأولى..

 صحيح يلعب الدين دورا مهما في تشكيل تصوراتها ومواقفها حول قضايا الدولة والمجتمع، لكنها كسائر التجمعات الإنسانية تبقى محكومة بقواعد الاجتماع البشري وبجميع مظاهر القصور الإنساني..

هذه الفرضية المحورية لها مجموعة من النتائج ينبغي أخذها بعين الاعتبار، من بينها أساسا أن هذه الحركات الاجتماعية والسياسية تسري عليها قواعد التطور الاجتماعي كما سرت على جميع الحركات السياسية والاجتماعية عبر التاريخ، وتنطبق عليها القواعد الخلدونية في أفول الدول وصعودها..

ولذلك فإن المهمة التاريخية الملقاة على عاتق الإسلاميين هي الإسهام في ترسيخ قواعد التداول الديمقراطي على الحكم، وإرجاع السلطة إلى منطق الإرادة الشعبية، وتوفير شروط التنافس الحر بين البرامج والأفكار..

هذه المهمة التاريخية فشلت في تحقيقها تيارات سياسية أخرى، كما أن الإسلاميين لوحدهم عاجزون بالتأكيد على القيام بها على أكمل وجه..

ولذلك فإن النقاش حول الدولة الدينية هو نقاش متجاوز..أولا، لأن هذا غير ممكن من الناحية الاجتماعية والسياسية فالأمر يتعلق بحركات اجتماعية وسياسية انخرطت في تعاقدات مدنية وشعبية جديدة هي ملزمة بالوفاء لها، وثانيا،لأن المهمة التاريخية المطلوبة لإنجاز التحول الديمقراطي لا يمكن أن تتحقق إلا على أرضية مدنية حقيقية، تلتزم باحترام حرية المعتقد، ولا تقصي دور الدين ومكانته داخل الاجتماع السياسي.

لكن من الضروري مساعدة الحركات الإسلامية على نفسها لتجاوز بعض المعوقات الذاتية باعتبارها حركة اجتماعية لها مواقف وقراءات سابقة تحتاج إلى مراجعات ضرورية..

مسؤولية النخب السياسية من مختلف التيارات الفكرية والسياسية اليوم هو: تجاوز منطق الصراعات والتطاحنات السياسية الموروثة من مرحلة الاستبداد والعمل على ترسيخ تقاليد جديدة في الحوار الضروري لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة على قواعد جديدة، وتكثيف النقاش حول القيم المؤسسة للمرحلة القادمة ..

اليوم نحن أمام إرث تاريخي من الممارسة السياسية ظل مطبوعا على العموم بالاستبداد والتسلط، وهو تراث يحتاج إلى تقويم ونقد فكري عميق، بالموازاة مع نقد بعض التجارب السياسية الإسلامية التي لم تستطع التعايش مع المنظومة الديمقراطية الحديثة، مع ما تفرضه مستلزمات التطور والتجديد الفكري المطبوع  بمعطيات المرحلة الجديدة..

ما هو موقفكم من بعض الدعوات المنادية باعتماد العلمانية نظاما للحكم في البلدان العربية؟

بغض النظر عن السياق الأوروبي الذي ظهر فيه هذا المصطلح، والذي يختلف كثيرا عن السياق العربي الإسلامي، فأنا أعتقد بأن هذا المصطلح، بصرف النظر عن حمولته العقلانية، هو مصطلح مرفوض في البيئة العربية والإسلامية..

وأنا أعتقد بأن قانون التطور الاجتماعي الذي تحدثت عنه في البداية من شأنه أن يفرز حلا تاريخيا في علاقة الإسلام بالديمقراطية .. لا هو بالعلماني الحاد والمتطرف، كما عرفته فرنسا، مثلا، في ظروف تاريخية خاصة، ولا هو حل ثيوقراطي يحكم فيه الولي الفقيه نيابة عن الله في الأرض… هناك خيار ثالث تسميه الخبرة الأنكلوساكسونية: التسامح المتبادل بينالدين والسياسة.. الدين يعترف بدور العقل في إدارة الشأن العام، والسياسة تقر بدورالدين وقيمه في تشكيل قناعات الأفراد والمجتمعات وتهذيب مسلكياتهم السياسية… في مثل هذه البيئة لن يسمع إلا القليلون لدعوات التشدد والتطرف.

وبغض النظر عن السياقات التاريخية والسياسية التي مرت بها أوربا والتي فرضت الاتجاه نحو فصل المؤسسة الدينية(الكنيسة) عن المؤسسة السياسية (الدولة)، وليس فصلالدين عن الدولة كما يتصور البعض، فإن الواقع يثبت حضورا قويا للدين في الحياة السياسية للعديد من المجتمعات.
إن من المميزات الأساسية للديمقراطية كما تقرها العديد من المؤسسات الدولية هي إجراء انتخابات حرة ومنتظمة، وإقرار تعددية الأحزاب وتنافسيتها، ووجود حكومة قائمة على قاعدة الأغلبية، وتمتيع البرلمان بسلطة مراقبة الحكومة،  ومساواة الجميع أمام القانون..وليس هناك أي اهتمام من طرف هذه المؤسسات بضرورة فصل الدين عن الدولة أو فصل الدولة عن الدين..

بمعنى أن شرعية الحكم تتأسس على الإرادة الشعبية وأن السيادة للأمة تمارسها عن طريق الانتخاب وليس عن طريق “الحق الإلهي” كما كان سائدا في أوربا في عصر الظلمات..

إن مطلب “فصل الدين عن الدولة ” فضلا عن كونه مطلبا سياسيا فهو مطلب غير واقعي ولا يساير مؤشرات قياس الديموقراطية كما هي متعارف عليها دوليا..

إن المطلوب هو فصل القداسة عن السلطة وليس فصل الدين عن الدولة، ذلك أن الدينيسكن وجدان المجتمع كما يسكن وجدان من يمارس السلطة، ولذلك لا يمكن الفصلبينهما..

لكن في نفس الوقت، لا يمكن قبول ممارسة السلطة المغلفة بالقداسة والتي لا تقبل المحاسبة والمراقبة..

دعونا نتفق على هذا المستوى الذي يقترب مما كان يسميه أستاذنا الراحل عبد الوهابالمسيري “العلمانية الجزئية”، أما العلمانية الشاملة فهي منزلق تاريخي لا يمكن إلا أن يكون مرفوضا في مجتمعاتنا الإسلامية..

إن الأطروحة التي ندافع عنها هي أن مجال الدعوة بمفهومها “التبليغي”، أي تذكير الناس بالحقائق الوجودية الكبرى (أصل الإنسان، مصير العالم، قضايا الإيمان بالله وكتبه ورسله، ذكر الله والخوف منه والرجاء فيه…)، هو مجال مختلف تماما عن مجال السياسة بما يقتضيه من بحث مستمر عن كيفية تحسين معاش الناس وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، وقبل ذلك إصلاح علاقة الحاكمين بالمحكومين، بواسطة أدوات قانونية عقلانية كفيلة بتدبير هذه العلاقة بشكل سليم، تهدف إلى تحقيق المقاصد الكبرى “لنظرية” الحكم في الإسلام المتمثلة في العدل والحرية والشورى والمساواة.

فالمجال السياسي هو مجال خاص، لا يمكن التعامل معه بإصدار مواقف تتمتع بنفس القوة القطعية التي يتمتع بها بعض الأحكام الشرعية المستندة إلى نصوص قطعية من القرآن أو السنة،  وإنما يدخل في خانة الأعمال النسبية الغير المحسومة بالنص، ومن هنا فإن مقولة “الإسلام صالح لكل زمان ومكان” أو مقولة “الإسلام هو الحل” تحتاج إلى القراءة من زاوية تجديدية، وهي أن الفهم المتجدد للإسلام هو الذي يجعله صالحا لكل زمان ومكان، وأن مرونة الإسلام وقدرته على الاستيعاب الخلاق للمستجدات هو الذي يسمح للمسلمين بممارسة الاجتهاد، وفتح باب العقل على مصراعيه لإيجاد حلول مناسبة للمشاكل المستجدة.

ولذلك فإن بعض الآيات القرآنية أسيئ فهمها بشكل كبير، فمثلا الآية الكريمة ” ما فرطنا في الكتاب من شيء” (الأنعام الآية:31) تعني أن كل الأجوبة المتعلقة بالمسائل الدينية هي موجودة بالفعل، بينما ما يتعلق بالجانب السياسي يبقى مرتبطا بمدى قدرة المسلمين على البحث عن أجوبة تتفق مع الزمان والمكان الذي يعيشون فيه:”أنتم أعلم بأمور دنياكم”.

إن من شأن الحسم في إشكالية العلاقة بين الدين (الدعوة) والسياسة (الدولة)، تحرير الأداء السياسي للحركات الإسلامية، ودفعه نحو التفاعل الإيجابي مع مجموعة من المفاهيم السياسية المعاصرة، ليس فقط على المستوى النظري، ولكن بالانخراط الميداني والتجاوب العملي.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.