سليمان العمراني يكتب: ثكلتك أمك يا معاذ..‎

16-09-13
يتابع الرأي العام الوطني باهتمام خاص المشاورات التي يقودها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيس الحكومة مع رئيس التجمع الوطني للأحرار لتشكيل الأغلبية الحكومية الجديدة، وهي المشاورات التي انطلقت قبل حوالي شهر ونصف في سياق إقليمي تميز بعد 3 يوليوز الماضي ببروز التوجهات الارتدادية لتصفية ثمار الربيع الديمقراطي الذي مكن الشعوب من استرداد المبادرة لاختيار ممثليها ومن يحكمها عبر صناديق الاقتراع.
فإذا كانت هذه المشاورات قد قامت على التفويض الذي منحته أجهزة الحزبين التقريرية لرئيسيهما، للمضي من أجل بلورة اتفاق ينهي الأزمة التي لزمت الأغلبية الحكومية منذ مجيئ الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال، فإن هذه المشاورات قد اكتنفتها بعض الصعوبات والتحديات، سواء المرتبطة بالمواقف السابقة لكل طرف من الطرف الآخر أو بتصور الحليف المقبل للهيكلة الحكومية أو البرنامج الحكومي أو غيرها من القضايا..

واليوم ونحن على عتبة انتهاء المشاورات التي ستفضي إلى الإعلان قريبا عن الوزراء الجدد للحليف الجديد، لا بد أن نتوقف عند أحد المعوقات الذاتية التي ساهمت في تعثر المشاورات وهدر زمن غير يسير من الزمن المغربي لم يعد يتحمل توقف وتوقيف الإصلاحات..
فإذا كانت مفهومةً مواقفُ المتحالفين من بعضهما البعض التي أملاها سياقها، والتموقعات السياسية السابقةللحليف الجديد  وموقفه بعدم قبول المشاركة في حكومة 3 يناير 2012، فإن مما عقَّد مهمة بناء التحالف ويمكن أن يخلق المتاعب في المستقبل بعض التصريحات التي قد تصدر ناشزة عن مبادئ الحزب واختياراته الأساسية والمواقف الرسمية لقيادته، أو تلك التي لا تستحضر الضوابط التي ينبغي أن تحكم خطابنا في موقعنا السياسي الجديد، أو لاتحسن تقدير المآلات،أو لا تُحَكِّم ميزان الترجيح بين المفاسد حين لا يكون المطلوب هو الترجيح بين المصلحة الراجحة والمصلحة الأرجح حيث يكون الترجيح في هذه الحالة تحصيل حاصل وإنما حين يضطر الفاعل السياسي للترجيح بين المفسدة الكبيرة والمفسدة الأكبر حيث يكون مطلوبا هنا تحصيل الأولى بدفع الثانية،ومن تلك التصريحات تلك التي صدرت منفعلة مع لحظة من لحظات المساءلة الشفوية للحكومة خلقت معارك كادت أن تعصف بالتجربة السياسية الجديدة عند انطلاقتها، أو تلك التي تضع اليوم العصا في عجلة المشاورات الحكومية، مما يسهم في تعقيد إنجاح مهمة تشكيل الأغلبية الحكومية الجديدة..

إن الكلمة أمانة ومسؤولية، خصوصا بالنسبة للسياسيين، يمكن أن ترفع صاحبها وبالشأن الذي يتصدى له درجات كما يمكنها أن تهوي بهما دركات، فحرية التعبير والانتقاد والتعبير عن الرأي الآخر فضيلة من فضائل الديمقراطية الداخلية للعدالة والتنمية لكن يمكن للحرية غير المنضبطة وغير المسؤولة أن تسيئ وتُعطِب..

لذلك لم ينتفض رسول الله صلى الله عليه وسلم عبثا في وجه معاذ بن جبل حين سأله هذا الأخير عن مدى مؤاخذة المرء بما يتكلم به. فقد جاء في حديث الترمذي أن رسول اللهقال لهذا الصحابي” ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟
قال قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه وقال: كف عليك هذا !. فقال معاذ بن جبل: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ قال: ثَكِلَتُكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذْ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!”، إن هذا التنبيهالنبوي ينصرف إلى حصاد الألسنة إذا فسد، وإلا فإن النبي الكريم يؤكد في حديث آخر أن الكلمة المسؤولة ترفع صاحبها درجات ”إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ”.

فالشاهد من الحديث الأول أن رسول الله أرسى قاعدة مهمة تتعلق بتقدير مسؤولية الكلمة، فالكلمة التي لا يلقي لها صاحبها بالا ولا يحسن تقدير مآلاتها قد تحدث من التأثيرات الضارة ما لا قد يتصور، وقد تُبَدِّل الموازين وتغير المواقع وتقلب القوة إلى ضعف أو الضعف إلى قوة وقد ترفع أقواما وتضع آخرين وغيرها من المفاسد التي رُمِز إليها بلفظ ”النار ” في الحديث النبوي ”وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْإِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!”.

وفي التاريخ القريب والبعيد الشواهد المتواترة، ولعل آخرها ما أحدثه التصريح المتسرع لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري عقب لقائه بنظيره البريطاني وليام هيغ في لندن حين قال ” إن الرئيس السوري بشار الأسد يمكنه تفادي أي عمل عسكري بتسليم ما لديه من أسلحة كيماوية إلى المجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبل”، وشكك رئيس الديبلوماسية الأمريكية في استجابة الرئيس السوري لمثل هذا العرض، قائلا “بالتأكيد، يمكنه( أي النظام السوري) تسليم جميع ما لديه من أسلحة كيمياوية للمجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبل، دون تأخير، وأن يسمح بالمحاسبة الكاملة عنها، ولكنه لن يفعل ذلك، ولا يمكن فعل هذا”، وهو ما أثبتت الوقائع عكسه، حيث أضعف هذا التصريح موقف الرئيس الأمريكي في مواجهة استقواء موقف الإدارة الروسية ومن يدور في فلكها من الدول العظمى، ودخلت المبادرة الأمريكية بسبب ذلك في حالة من التيه لم تخرج منه إلى اليوم..

لذلك فالمطلوب أن نقدر جميعا مسؤولية ما نعلنه من تصريحات وما نتخذه من مواقف، وأن نعتبر بما أحدثه بعضها من إرباكات وتشويشات وخلط للأوراق وإساءة لــــ”صورة” العدالة والتنمية، فما تزال تتسع فضاءاتنا الداخلية لكل الآراء والمقاربات ولم يضق الأمر – ولن يضيق- لكي نلجأ إلى ” التصريفات الخارجية” أو توجيه الرسائل المفتوحة أو التعبئة الإعلامية لمناضلي الحزب لإحراج قيادته، فما هكذا تورد الإبل يا سعد..     
سليمان العمراني

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.