هيكلة حكومة بنكيران الثانية.. تَوثّب أم تراجع؟

13.10.12

محمد بالدوان*

أسدل الستار يوم الخميس 10 أكتوبر2013 عن تعديل حكومي طال انتظاره، وتمددت تشكيلته إلى 38 وزير ووزيرة إضافة إلى رئيس الحكومة، وبقدر ما أثار انتظار إعلانه الكثير من الجدل، يثير ظهوره جدلا أكبر. ترى هل وجهت المزاجية والترضيات هذا التعديل كما يدعي مراقبون؟ وما مدى الضرر الذي سيسببه 7 وزراء مضافين للموازنة المالية للدولة؟ وهل نجحت مجموعة الثمانية بغزو حكومة بنكيران الثانية؟ وبعد كل ذلك، هل سينخرط الحليف الجديد في إنجاز الأوراش الكبرى المفتوحة أم تراه سيعيد سناريو الجدل العقيم؟

من الخارج يبدأ الخطر!

تجدر الإشارة بداية إلى أن أطروحة انتظار رجحان موازين القوى الدولية من قبل الطبقة السياسية النافذة في مجتمعات الربيع تتأكد يوما بعد يوم، حيث إن وضعا دوليا سماته الانتظار والاحتقان والغموض، لا يمكن إلا أن يسفر عن تعديل حكومي عنوانه النكوص.

لقد تساءل محللون سؤالا مهما: ألم تتشكل أغلبية الحكومة الثانية ببقايا مجموعة الثمانية؟! غير أنهم لم يلتفتوا إلى سؤال بالغ الأهمية: ألم يتمكن بنكيران وحزبه من تفكيك هذه المجموعة وحال دون تحقيق أهدافها إلى حدود الساعة؟  وإذا أثير حديث منطق الربح والخسارة، فيمكن اعتبار بنكيران وحزبه قد حققا انتصارا استراتيجيا لحد الآن، بالنظر إلى إحرازهما نجاحا مبهرا بفك العزلة عن العدالة والتنمية، عزلة طالما سعى خصومه إلى فرضها عليه في كل محطات التدافع التي انطلقت حتى قبل تقلد الحزب زمام التدبير الحكومي.

على المتصدرين لتقييم التجربة المغربية ألا يغفلوا ما يجري في المحيط الدولي والإقليمي من أزمات اقتصادية وسياسية، ومجازر راح ضحيتها آلاف الآدميين وبشائر ديمقراطية وئدت عند الولادة، ولا تجرؤ معها قوى العالم الحية على التصدي، وإذا تجرأت جوبهت بآليات رادعة تجبرها على التراجع.

كما لا ينبغي التغاضي عن منطق الاستحواذ واللاتشارك الذي بدا على بعض تيارات الربيع الديمقراطي، فضلا عن خيارات الركون للأجندات الخاصة والحزبية على حساب أجندة الوطن التي ينصهر فيها كافة الشركاء، لا شك في أن ذلك كله سيمكن المتربصين من كافة المسوغات الأدبية والمنطقية الضرورية للانقضاض والفتك بتجربة ديمقراطية ناشئة. أما ما وصل إليه بنكيران من توسيع فاقع للشركاء، وخدمة عمياء لأجندة الوطن، لا يعد مكسبا له ولفريقه فحسب، بل يعد مكسبا للوطن في المقام الأول، إذ سيرسخ، عالميا وإقليميا، صورتا الاستثناء والاستقرار.

كل الخطر في هشاشة الداخل!

يبدو أن التفاوض كان يسعى إلى وضع شروط قيام تحالف متماسك ودائم، لذلك ستعكس هندسة الحكومة الثانية انطلاق مسار المفاوضات من منهجية إعادة الهيكلة بقدر، بخاصة إذا علم أن منهجية الترميم تقتضي منطقيا إقصاء الوفا، وتقلد الأحرار/ مزوار حقيبة الاقتصاد والمالية، ويبدو أن كلا النقطتين شكلتا خطا أحمر عند رئيس الحكومة، ولو أن ذلك كان مكلفا، إذ دفعه إلى التخلي عن وزارة الخارجية. كان بنكيران يراهن من خلال هذا المسار على تحقيق أهداف متشابكة ومندمجة يمكن إيجازها في الآتي:

–  إشادة بنكيران بمناهضي التحكم والاستبداد من خلال تمسكه بمحمد الوفا وتنصيبه في الشؤون العامة والحكامة، الشيء الذي سيضفي الصفة الأسطورية على هذا الفاعل السياسي.

–   حفاظه على “الأزمي” و”الوفا” بعدما كانت مطالب “شباط” تلح على تنحيتهما.

– عدم تقلد مزوار حقيبة الاقتصاد والمالية، بعدما كان مطلبا ملحا لـ”صقور الحزب”.

–  رفعه عدد حقائب النساء، بعدما قطع على نفسه وعدا بذلك إزاء أي تعديل مرتقب. فبعث بذلك رسائل شتى، لا سيما إلى المراقب الدولي.

–  التقدم والسرعة في الأداء الحكومي، بعدما أزفت نهاية الولاية الحكومية، فرجحت عنده ضرورة الانتداب في الوزارات الثقيلة والمتشعبة المهام للانكباب على ملفات شائكة كالتعليم والنقل والبيئة والخدمات الاجتماعية.

–  الاستجابة لطموحات ورسائل كافة الفرقاء، مع التشبث بمبادئ النزاهة والكفاءة والاستقامة المفروض توافرها في الوزير المقترح. يمكن أن يشفع لكثرة الحقائب في هذه الظرفية الحرجة تنصيب النساء، وجودة الأداء ومضاعفة المردودية، وإلا فمنطق عبء التكاليف المالية وقلة المردودية يمكن أن ينسحب على البرلمان وباقي المؤسسات أيضا، وحينها سنشرع في التسويق لمنطق عدمي يصح معه الرأي القائل ألا حاجة للمغرب ببرلمان ولا بوزراء لأن المَلِك وحده يجزي.

ثمة تحد كبير يكمن في الانسجام الحكومي، وعدم العود إلى نهج فرملة الإصلاح الذي حكم المرحلة السابقة، ويبدو أن تصريحات الحليف الجديد لبنكيران، والمضامين القوية للخطاب الملكي، عقب التنصيب، والملحة على ثابِتِ التوافق وسمو المصلحة العليا للوطن، تصب في هذا الاتجاه، بخاصة بعد ظهور تعديل حكومي يوحي بإمكان جني الثمار السياسية للإصلاح تساويا بين كافة الفرقاء.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.