رحموني يكتب: للصراع على الإصلاح كلفة.. فمن يتحملها؟

13.10.31
خالد رحموني*
ثمة من يريد أن يوهمنا بأن ثمن الإصلاح سيكون مزيدا من التيه والمغامرة وتبديد رصيد المصداقية المتحصلة لسنين عددا، جراء العمل العام والنضال الصبور والكفاح السياسي المثابر، وسيورثنا مزيدا من صراعات لا منتهية حول المرجعية والهوية الجامعة للأمة، ومزيدا من الانقسام الاجتماعي وتهديد الوحدة الوطنية الجامعة..
 
وثمة من يحاول أن يقنعنا بأن الإصلاح ضد الولاء للثوابت الوطنية والتاريخية والحضارية للمجتمع والأمة، وضد عقد المواطنة الصالحة وجدارة الانتماء لهذا الصعيد من العالم الفسيح، وهو بالضرورة سيكون ضد أطياف محددة من الأقل حظا في بلدنا، وعلى حساب أغلبها في العيش الرغيد والحياة الهانئة الكريمة.
 
لا شك بأن كثيرين قد لعبوا متناقضين على تلك الحبال، وأوغلوا في الاشتغال الأعمى والأرعن على خط تهييج الناس حول مقولة من يتحمل ثمن الإصلاح وكلفته المجهولة بادعاء تمثيلهم للجمهور والقوات الشعبية وهي منهم في براءة وفراق، وقد تحركوا- في حلف تلو آخر- أسرع مما كنا نتوقع لإجهاض أية محاولة تدفع في هذا الاتجاه..
 
كما أنهم ابتدعوا ما يلزم من وسائل لتحقيق ذلك، تارة عبر الرسائل التي تشكك في مقاصد دعاة الإصلاح، وتتهمهم بالمغامرة والعبث بمصير البلاد، وتارة بتخويف الناس من مآل هذه الدعوات ونتائجها التي ستفضي إلى خسارة أطياف محددة من مجتمعنا لمصلحة آخرين جدد، وكأن بلدنا يتصارع فيه الخلق على المصالح والمنافع بشكل مجرد وهلامي بعيدا عن تشخيصها في من كانوا مسؤولين عن تدبير الشأن العام لعقود مديدة، وقريبا من تحميلهم مسؤولية التردي العام الذي آلت إليه البلاد والعباد. وتارة أخرى بالنزول إلى الميدان وتقديم مسرحية تدريبية وبروفات عملية لما يمكن أن تصير إليه أحوالنا لو سمحنا لهؤلاء بالاستمرار في الحركات الاحتجاجية، متناسين دورها الجوهري في إعمال الرقابة الشعبية على الإصلاح نفسه وعلى القائمين عليه.
 
منطق هؤلاء –باختصار- يقول: إذا كنتم تريدون الإصلاح فهذا ثمنه، مزيدا من التعطيل والإرجاء والتعويق والإرباك والوقيعة ..الخ، تماما مثلما رأيتم في عديد من النماذج الاحتجاجية الرئيسة واليائسة والتي تشكل هنا وصفا لحالة مفترضة أو حقيقية وليست مجرد لحظة عابرة وفقط..
 
إن كل ذلك يعد مصدر صراع سياسي مستديم، وحراك اجتماعي موار وهائج قد يتحول إلى اختلال في التوازن العام داخل البلد، ممكن أن يتحول –لا قدر الله- إلى حالة فقدان للسيطرة وانفلات مخيف يهدد عمل أعضاء الجسد الواحد بالتعطيل، وقد يشل الجسم بكليته، وقد يصير حالة من العصاب الذهني لا يعرف أحدٌ إلى أين ستنتهي أو متى ستتوقف.
 
البعض صدّق هذا المنطق، وانتابته حالة من الرعب، واندفع للتعبير بغرائزه العدوانية عن مصالحه التي أعتقد أنها تتماهى مع مصالح الوطن، وهؤلاء –بالتأكيد- ليسوا مجرمين وإنما ضحايا لعملية تجييش واسعة مورست في الأسابيع الماضية، وحاولت أن تفرز من الناس أسوأ ما فيهم، وأن تستخدمهم لأغراض غير بريئة..
 
أما البعض الآخر فقد استدرج إلى هذه الواقعة بلا اقتناع، سواء بسبب جهله بما يدعو إليه المحتجون من إصلاحات، أو بسبب مخاوف وهمية تنتابه من مآلات الإصلاح التي يمكن أن تتعارض مع ما حصل عليه من مكاسب، فيما وجد آخرون أنفسهم وسط الحدث دون أن يعرفوا عنه شيئا، وهؤلاء لا نعرف من أين جاءوا؟ ولماذا؟ ولكنهم –بالتأكيد- أدوا المهمة التي استدعوا إليها بمهارة واقتدار.
 
السؤال الذي لم يجب عنه أحد بعد هو: ما هو ثمن الإصلاح؟
وماذا سيترتب عليه بالنسبة للمغاربة كلهم ؟
وهل صحيح أن لكل واحد منا –مهما اختلفت أصولنا واتجاهاتنا ومناطقنا.. الخ- مصلحة في تحقيق الإصلاح ؟
هذا الذي نطالب به وفق وصفات مختلفة لم تحسم في وصفة واحدة فقط، ولم تقنع البعض بأنها تتوافق مع مصالحهم وأحلامهم أيضا.
 
أعرف أن كثيرين سيجيبون على الفور: كلنا نريد الإصلاح، ولكن الحقيقة غير ذلك، وهذا ما يجب أن نعترف به..
 
وأنا لا أقصد هنا أعداء الإصلاح.. هؤلاء الذين يعتقدون أن الإصلاح ضد مصالحهم ومكاسبهم وضد عقليتهم التقليدية أيضا، وإنما أقصد فئات أخرى وصلت إليها رسائل الإصلاح بالشكل الغلط، فأصبحت مرعوبة منه، ورافضة له دفاعا عن وجودها، وأخرى وصلت إليها هذه الرسائل بشكل مسموم ومتعمد، فاختلط عليها الأمر إلى أن جرى سحبها بطريقة أو بأخرى إلى الساحة.
 
ما أريد قوله، هو أن مهمة البعض في صناعة صراع اجتماعي على الإصلاح قد نجحت بشكل من الأشكال حتى الآن، ولا يجوز أن ننكر ذلك، وعلينا أن نتعامل معها بهدوء وحكمة، لا من أجل تحقيق الإصلاح فقط وحمايته في المستقبل القريب، وإنما من أجل الدفاع عن وحدتنا الاجتماعية، وعن استقرار بلدنا، وعن تفردنا وبكوننا نملك نسيجا خاصا يميزنا..
 
أما كيف ؟ .. فأستطيع أن أقول بأن إعادة الوعي للناس حول مصيرهم الواحد ووطنهم الواحد وقضاياهم ومصالحهم الواحدة، هي الأساس الحقيقي الذي يمكن أن نبني عليه توافقا مجتمعيا وسياسيا عاما على قضية الإصلاح بلا غالب ولا مغلوب.
 
فالجبهة المفترضة اليوم يتشكل أساسها على أرضية الإصلاح الديمقراطي العميق للدولة وإنهاض المجتمع وفك فجوة التنمية داخله طبقات وأجيال وجهات ومناطق، وتتشكل مكوناتها من قوى الصف الوطني ذات المصداقية..
 
وواهم من يريد أن يمحور أسئلة المرحلة ويحرفها عن مصيرها ومسارها، أو يريد أن يحشد العداوة ضد العدالة والتنمية كجزء من قادة الإصلاح الذي أفرزت أسئلته ردات الربيع الديمقراطي.. كل ذلك مجرب وسيؤول إلى مزبلة التاريخ..
*عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.