التليدي يكتب: أربعة أسئلة للنهوض بحقوق الإنسان

بلال التليدي

10-12-13
عند الاحتفال كل سنة باليوم العالمي لحقوق الإنسان، يثار تقريبا نفس النقاش حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب، ويتم في هذا السياق حشد مختلف التقارير التي صدرت حول المغرب في جزئيات مختلفة تنتمي إلى منظومة حقوق الإنسان، ويحتد النقاش في تقييم نقاط التقدم والتراجع في هذه الوضعية، إذ تختلف وجهات النظر الرسمية عن وجهات نظر الناشطين الحقوقيين، بل تختلف وجهة النظر بين هؤلاء أنفسهم، بين مقاربة تحاول قياس المنجز بالصورة المعيارية التي تقدمها مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ومقاربة أخرى تستحضر معيار التقدم ضمن السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي، ومقاربة ثالثة حقوقية سياسية، تستجمع كل نقاط التراجع والفشل، وتوظفها في تموقعها المدني في الصراع السياسي.

ومع أن مستويات هذا النقاش الخصب المتعدد يعتبر في محصلته إيجابيا، لأن الاختلاف فيه لا يمنع من أن تشكل الحصيلة المسجلة متقدمة كانت أم متراجعة لحظة تأمل لواقع حقوق الإنسان ومداخل النهوض بها وترسيخها في  الثقافة ونمط السلوك بموازاة مع وضع الأطر التشريعية التي تخدمها.
بيد أن هذه الإيجابية التي تطبع النقاش الحقوقي في المغرب، لا يعني بالضرورة أننا نطرح الأسئلة الإستراتيجية التي يفترض أن تطرح  لتأطير الخلاف وجعل مخرجاته تصب في النهوض المنتظم والمطرد لوضعية حقوق الإنسان في المغرب، ذلك أن مجرد التأرجح بين التقدم والتراجع في بعض ملفات حقوق الإنسان يشي بأحد أمرين:

إما غياب إستراتيجية واضحة مؤطرة برؤية بعيدة المدى للنهوض بوضعية حقوق الإنسان، وإما أن هذا التردد يعكس في جوهره جدل العلاقة بين القرار السيادي والضغط الدولي.
وفي كلتا الحالتين، فإن الأمر يؤول إلى عدم وجود خيارات واضحة في هذا المجال، أو يؤول على الأقل إلى وجود خيارات لم يتم بعد الإجابة عن كل الأسئلة التي تطرحها، ذلك  أنه ليس المطلوب في هذه المرحلة فقط أن نؤكد بأن خيار تبني منظومة حقوق الإنسان في المغرب لا رجعة فيه بالنسبة إلى المغرب، ولا سن التشريعات التي تدعم حقوق الإنسان وترسخها في المنظومة التشريعية والمؤسسية، ولا حتى التفاعل مع آليات منظومة حقوق الإنسان الدولية، فهذه مجرد توابع لخيار سياسي يتمثل في النهوض بحقوق الإنسان، أما الأسئلة الاستراتيجية التي ينبغي طرحها، ويفترض أن يكون للمغرب جواب واضح عنها،  فتتوزع إلى أربعة أصناف:

1 –   صنف يرتبط بمبررات ودواعي تبني هذا الاختيار، وهل يتعلق الأمر بخيارات فكرية ومذهبية متأصلة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون عبارة عن سياسة استباقية للابتعاد عن الضغوط الدولية أو التخفيف منها؟

2 –  الصنف الثاني، ويتعلق بالموقف من آليات منظومة حقوق الإنسان، وهل يمكن النظر إليها بمعزل عن وظائفها السياسية، أم يتم الإقرار بشرعيتها ومشروعيتها، أم يتم الجمع بين الإقرار بمشروعيتها والاحتفاظ بالنقد المهني لها؟

3 –   أما الصنف الثالث، فيرتبط بسؤال المعادلة الثقافية والاجتماعية، وهل يتم التعامل مع منظومة حقوق الإنسان باعتبارها مرجعية فوق المرجعيات الوطنية، أم يتم استحضار السيادة المرجعية والتشريعية في التعامل معها، أم يترك الأمر للدينامية السياسية تحكم في لحظة المعادلة الثقافية والاجتماعية، وتحكم في آن آخر الشيء المقابل.


4 –  أما الصنف الرابع، فيهم جدل الأمني والحقوقي في التدبير الدولتي، ولأيهما يكون الحسم في السياسة العمومية، وملف الإرهاب والمعضلة السلفية التي خلفها، يعتبر واحدا من الملفات الشائكة التي اضطربت فيها السياسة العمومية بسبب عدم الحسم في هذا الإشكال.
صحيح أنه لا يمكن أن نحصل في المغرب على إجماع ولا حتى على رؤية مشتركة بخصوص هذه الأصناف الأربعة من الأسئلة، لكن على الأقل، بالنسبة إلى الدولة، فالمفترض أن الاشتغال على جواب واضح عنها، يمكن أن يوضح أسلوبها في التعامل مع ملف حقوق الإنسان، كما من شأنه أن يعطي صورة استشرافية عن الجوانب التي سيقع فيها تقدم كبير، والجوانب الأخرى التي ستبقى ساكنة أو ستعرف تقدما طفيفا.
المهم في هذا الجواب، أنه يوضح البوصلة التي تجعل وضع المغرب في حقوق الإنسان كل سنة متقدما، لا يهم بعد ذلك أن يكون هذا التقدم قليلا أو كثيرا، إنما الذي يهم ألا يحصل التراجع، وأن  يعرف المراقب والناشط الحقوقي الجوانب التي ستبقى دائما مستقرة، والجوانب التي يمكن أن يحصل فيها تقدم  بطيئ، والجوانب التي سيحصل فيها تقدم كبير.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.